أميركا وكوريا الشمالية… رقصة الموت بين ترامب وكيم

أميركا وكوريا الشمالية… رقصة الموت بين ترامب وكيم

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٣ أغسطس ٢٠١٧

على مدى أربعة ايام متتالية، وجه الرئيس دونالد ترامب تهديدات نابية وعدائية غير مسبوقة حذّر فيها كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية البالغ من العمر 33 سنةوالمعروف بمزاجه الغريب وتهوره ودمويته، من انه اذا واصل تهديداته لاميركا وحلفائها فإنه سيتعرض الى رد “ناري وغاضب لم ير العالم مثله من قبل”. وبدلاً من أن يعدل ترامب من نبرته الفظة بعد ردود الفعل القلقة من داخل وخارج البلاد، رأى انه كان يجب ان يعتمد لغة أقوى. وفي اليوم الرابع (الجمعة) أطلق ترامب تغريدة صباحية ضد كوريا الشمالية جاء فيها ان الحلول العسكرية للتوتر القديم بين البلدين اصبحت جاهزة، واستخدم عبارة تستخدم منذ اجيال لوصف البندقية بعد وضع الذخيرة فيها وفتح زنادها تمهيدا لاطلاق النار. وخلال اقل من أسبوع، فاجأ ترامب حتى وزراءه وكبار مساعديه عندما أطلق يوم الثلثاء تهديده المباشر لكيم جونغ أون، وواصل تصعيده اللفظي، ووضع الولايات المتحدة على طريق مواجهة مع رئيس دولة معزولةوفقيرة ولكنه يملك مخالب نووية وصاروخية جارحة يمكن في حال رأى ان نظامه السياسي وحكم سلالته الذي بدأ في 1952 مهدد بالانهيار، ان يستخدم قواته النظامية الضخمة، وترسانته النووية والصاروخية، في نزاع سوف يكون الاكثر دموية في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويرى بعض المحللين والمؤرخين، ان الحرب الكلامية بين ترامب وكيم جونغ أون، اذا لم تخفف حدتها، يمكن ان تتحول الى أخطر مواجهة بين أميركا ودولة نووية منذ المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتني خلال الازمة الكوبية في 1962.

ويقول غوردون تشانغ الخبير في شؤون شرق آسيا، الذي نشر كتابا قبل عقد من الزمن بعنوان “المواجهة النووية: كوريا الشمالية تتحدى العالم” في حوار مع “النهار” ان “هناك مخاطر حقيقية بتصعيد المواجهة عسكرياً”. ويشير في هذا السياق الى وجود “مساعدين لترامب يرغبون بمثل هذا التصعيد”، كما ان كيم جونغ أون الذي هدد باطلاق 4 صواريخ باتجاه جزيرة غوام الاميركية في وسط المحيط الهادئ، ليس لضربها بل لاظهار قدراته الصاروخية، قد يضطر الى تنفيذ هذا التهديد. ويشير تشانغ، الى ان القوات الاميركية لم تكن لتعترض مثل هذه الصواريخ ومحاولة اسقاطها بصواريخ مضادة، ولكنها هذه المرة قد تضطر لذلك، حتى ولو تكن الصواريخ تستهدف الجزيرة بل السقوط في محيطها. وفي حال اطلقت كوريا الشمالية الصواريخ، وحتى ولو لم تكن تستهدف الجزيرة، فان القوات الاميركية هذه المرة سوف تعترضها وتسقطها، وهذه خطوة قد يضطر كيم الى الرد عليها، وقد لا يكون بالامكان عندها وقف انزلاق البلدين الى مواجهة عسكرية.

اللغة التي استخدمها الرئيس ترامب تشمل الكليشيهات والكلمات الطنانة التي يبدو وكأنه استعارها من الافلام، او التي تصلح كعناوين لافلام بوليسية، لانها غير رئاسية وغير مسبوقة من أي من اسلاف ترامب منذ بداية العصر النووي في 1945. لغة النار والدمار التي استخدمها ترامب مماثلة جداً لتهديدات كيم جونغ أون حول رمي الولايات المتحدة في بحر من النار. ما يجعل كلمات ترامب مستهجنة ومخيفة هو انها ارتجالية وليست نتيجة مناقشات عقلانية بين كبار مستشاري الرئيس، وايضا لان أي حرب جديدة في شبه الجزيرة الكورية سوف تكون “كارثية” كما يقول وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس، وسوف تجري فوق المسرح الكوري، ما يعني ان الاكثرية الساحقة من الضحايا سيكونوا كوريين.

ويقول الخبير تشانغ ان الولايات المتحدة سوف تنتصر في أي حرب جديدة في شبه الجزيرة الكورية، ويتابع “ولكن ثمنها البشري والاقتصادي سيكون رهيبا”.وتقع عاصمة كوريا الجنوبية سيول على بعد 35 ميلاً فقط من حدود كوريا الشمالية، التي نصبت على حدودها ما بين 8 و10 الاف قطعة مدفعية يغطي مداها سيول ومحيطها حيث يقيم أكثر من 25 مليون كوري جنوبي. وما كان ممكناً قبل بداية القرن الجديد، لم يعد ممكنا الان، وبخاصة اقناع بيونغ يانغ بالغاء او تعليق برامجها النووية والصاروخية. ووفقا لتقارير صحافية فقد نجحت كوريا الشمالية في تطوير رؤوس نووية صغيرة الحجم يمكن تركيبها على صواريخها العابرة للقارات. وقدر عدد هذه الرؤوس النووية باكثر من 60 رأسا مخبأة مع صواريخها فوق عربات منتشرة في انفاق عميقة محفورة في جبالها العالية.

التقويم السائد في مراكز الابحاث وحتى في اوساط الاستخبارات الاميركية هو ان الوقت قد فات على ارغام كيم على التخلص من ترسانته النووية والصاروخية، وان الوقت قد حان للدخول معه في حوار مشروط، وبعد تعبئة الصين وروسيا. ويشدد تشانغ على وجود خيارات اقتصادية ومالية اذا اراد رئيس اميركي أن يستخدمها بجدية وبشكل ثابت لحرمان حكام كوريا الشمالية من استيراد المواد الاستهلاكية والاستمتاع بما تشتريه العملة الصعبة. ويتحدث تشانغ عن الاهمية القصوى للصين في صيانة نظام كوريا الشمالية، حيث تضطلع مصارف صينية بالدور الرئيسي في تبييض الاموال لمصلحةكوريا الشمالية فوق رقعة جغرافية كبيرة من اميركا اللاتينية الى افريقيا وغيرها. ويشدد تشانغ على ان تردد الرؤساء الاميركيين منذ تسعينات القرن الماضي وهم بيل كلينتون، وجورج بوش الابن، وباراك اوباما بالضغط المباشر والقوي على المصارف الصينية، كان بسبب رغبتهم في عدم اغضاب الصين، في الوقت الذي كان فيه الاقتصادان الاميركي والصيني يتطوران ويعتمدان واحدهما على الآخر بشكل متزايد.

ويقول مساعدو الرئيس ترامب بانزعاج واضح انه ورث حربين في افغانستان والعراق لن يكون بالامكان تحقيق انتصار واضح في أي منهما، قبل رفع العلم الاميركي واصدار الاوامر بالانسحاب السريع. ويضيف هؤلاء ان العلاقات المتوترة مع كوريا الشمالية هي من بين الازمات التي ورثها ترامب ايضاً، بسبب عجز اسلافه الثلاثة عن حسمها بطريقة او اخرى. ويضيف “عندما يكتب التاريخ الحقيقي لهذه المرحلة الزمنية، فإن المؤرخين سوف يتحدثون عن فشل القيادات الاميركية السابقة من جمهورية وديموقراطية في اعتماد مواقف وسياسات جدية وحيوية وبخاصة في ما يتعلق بالضغوط الجدية على الصين، من اجل تضييق الخناق على قيادة كوريا الشمالية للدخول في مفاوضات نزيهة وجيدة”. ويدعو الخبير تشانغ الرئيس ترامب في تعامله مع الصين “الى تخفيف الكلام الحاد والعدائي، وتصعيد الضغوط الحقيقية بالتعاون مع الحلفاء”.

ولوحظ في الايام الاخيرة ان الرئيس ترامب وكبار مساعديه لا يتحدثون بلغة متشابهة ولا يبعثون للعالم برسالة ذات موضوع واضح وثابت، على الرغم من ادعاءات المسؤولين في آخر الاسبوع ان الجميع يقرأ من النوتة الموسيقية ذاتها. وبينما يهدد ترامب بالحديد والنار والغضب، يتحدث وزيرا الدفاع والخارجية جيمس ماتيس عن ضرورة استخدام الخيارات الديبلوماسية والضغوط الاقتصادية، وذلك في الوقت الذي يسرب فيه المسؤولون العسكريون والاستخباراتيون ان الولايات المتحدة لم تغير من انتشارها وتموضعها العسكري في المحيط الهاديء او قرب شبه الجزيرة الكورية. وفي الايام الماضية كان من الواضح ان ترامب يطلق تصريحاته وتغريداته بشكل عشوائي ودون التنسيق مسبقا مع وزير الدفاع والخارجية او مع مستشار الامن القومي، ويعتبر استمرار غياب “ضبط الرسالة الاميركية لكوريا الشمالية والعالم” من أبرز نقاط الضعف الاميركية في ادارة الازمة مع كوربا الشمالية بفعالية ووضوح.

ويلتقي غوردون تشانغ مع عدد متزايد من المحللين، بمن فيهم عدد من المحللين المحافظين، بان الولايات المتحدة يجب ان تفكر جدياً وبشكل خلاق في فتح قناة حوار مع كوريا الشمالية، بما في ذلك شعبة مصالح محدودة، ليس لحل المشاكل المعقدة بين البلدين، ولكن لمنع حدوث أي اجراءات او خطوات قد تؤدي الى حوادث لا يريدها أي طرف. ويدعو تشانغ الى الاستفادة من التوتر التاريخي العميق بين كوريا الشمالية (والكوريين بشكل عام) من جهة والصين من جهة اخرى، مشيرا الى ان أي حوار اميركي مع كوريا الشمالية يمكن ان يتطور الى وضع حدود على البرامج النووية والصاروخية لبيونغ يانغ، مقابل ضمانات بأن واشنطن وكوريا الجنوبية واليابان لا تسعى الى تغيير النظام في بيونغ يانغ. ولكن حتى أكثر المحللين تفاؤلا، لا يمكن ان يشعروا الا باحباط كبير، جراء ما قاله وهدد به الرئيس الاميركي، الذي اعطى أهمية كبيرة خلال الايام الاخيرة لدكتاتور صغير يهمه ان يراه شعبه والعالم على مستوى واحد مع رئيس الولايات المتحدة. القلقون من تهور الرئيس ترامب يتطلعون الى الجنرالات الاربعة الذين يحيطون بالرئيس وهم وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الامن القومي ايتش آر ماكماستر، ومدير البيت الابيض جون كيلي، ورئيس هيئة الاركان العسكرية المشتركة جوزف دانفورد، لكي يساعدوه في ادارة الازمة عبر الخيارات الديبلوماسية والسياسية والاقتصادية، لتفادي التورط في تراشق نووي للمرة الاولى منذ أكثر من سبعين سنة.