“جهاديون” في أوروبا.. الإرهاب من خلال خلايا مغلقة

“جهاديون” في أوروبا.. الإرهاب من خلال خلايا مغلقة

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٦ أغسطس ٢٠١٧

تشير الكثير من المؤشرات إلى أن مرتكبي هجمات برشلونة ينتمون لمجموعة صغيرة معزولة. هذا النوع من التركيبة في صفوف الإرهابيين في أوروبا له مغزاه، وذلك لعدة أسباب.
*

قبل نحو نصف ساعة تقريبا من تصفيته من قبل قوى الأمن الكاتالونية، حاول يونس أبو يعقوب، المنفذ الرئيسي المفترض لاعتداء برشلونة، الحصول على مساعدة. في سوبيراتس، وهي قرية صغيرة تبعد 50 كلم غربي برشلونة، دخل يونس أحد المنازل من الجهة الخلفية، وأطلق صفيرا بصوت منخفض، فسمع مالك البيت الصوت ونظر من خارج النافذة فرأى الشاب. بيد أن يونس كان يتوقع وجود عائلة مغربية، كانت تسكن في البيت، غير أنها انتقلت منه قبل مدة. صاحب البيت الجديد شعر بارتياب فأخبر جاره، الذي اتصل بالشرطة، التي حضرت إلى عين المكان بعدة سيارات. وأثناء المطاردة بالقرب من سوبيراتس تم قتل أبو يعقوب.

إنَّ تطلع الإرهابي الشاب للحصول على مساعدة من معارف بعيدين، يوحي بأن الأعضاء الاثني عشر للمجموعة الإرهابية في برشلونة لم تكن لهم اتصالات مع إرهابيين آخرين في محيط برشلونة. من جهة أخرى لا يُعرف أين قضى أبو يعقوب أربعة أيام بعد الاعتداء. وحقيقة أنه لم يكن لديه مال؛ توحي، حسب رواية الشرطة، بأنه ربما كان لديه مساعدون. ويؤيد ذلك أيضا، العثور الآن على تذاكر طيران إلى فرنسا بحوزة بعض المشتبه بهم.

اتصالات محلية
وإلى حد الآن يُفتَرَض أن مجموعة الشباب تصرفت غالبا بشكل معزول، أي في محيطهم فقط. واتخذ عناصر المجموعة مواقف متشددة لاسيما من خلال تأثير عبد الباقي السطي، إمام بلدة ريبول، وهي مدينة صغيرة عند سفح جبال البيرينيه، حيث كان يقيم المشتبه بهم، الذين تراوحت أعمارهم بين 17 و 20 عاما. وقد توفي السطي خلال الانفجار في منزل ألكنار، حيث كان المشتبه بهم يقومون بتحضير قنابل.
وبدا أفراد عائلات المشتبه بهم وأقرباؤهم في ريبول مستغربين بعد الاعتداء. وكان الإمام بالنسبة إلى البعض مثيرا للشبهات، لكن لم يقدم أحدا ضده شكاية. وقال أحد شهود العيان من محيط إقامة المشتبه بهم: “لم أعتقد أبدا أن المشتبه بهم سيصلون إلى هذا المستوى، ولم يتصور أحد أن يفعل الشباب مثل هذه الأشياء”.

العودة إلى أسلوب القاعدة القديم
أمور كثيرة تكشف أن الشباب المشتبه بهم لم تكن لهم صلات بالوسط “الجهادي”، باستثناء الإمام عبد الباقي السطي. وقال رجال شرطة لصحيفة “إلباييس” إنه كان حريصا على تفادي التصريحات الراديكالية في الخطب، التي كان يلقيها، كما أنه لم يستخدم الإنترنت. وقال رجل شرطة :”إنه عاد لأسلوب القاعدة القديم، لقد تحدث شخصيا إلى الشباب وكان يلتقي معهم في سيارات أو أماكن مغلقة”.
سار عبد الباقي السطي في الطريق المعروف، الذي يبدأ بارتكاب الجرائم الصغيرة ثم التحول إلى مسلم راديكالي. فمن 2010 إلى 2014 قضى عقوبة السجن في بلدة كاستيلون في منطقة إشبيلية. وفي يناير 2016 سافر إلى فيلفورد البلجيكية. وهذه البلدة بالقرب من مطار بروكسيل تُعد مركزا “للجهادية” البلجيكية. وذكر عمدة مدينة فيلفورد في مقابلة صحفية إن السطي تقدم لشغل منصب إمام، والمثير للاستغراب هو أنه برر ذلك “بأنه ليس لديه مستقبل في إسبانيا”. وقامت السلطات البلجيكية بإخبار الزملاء في برشلونة، إلا أنه لم يكن هناك شيء ضد السطي.

مؤتمرات “جهاديين” في إسبانيا
تُعد برشلونة أحد مراكز الجهادية في إسبانيا حيث تم منذ 2004 إلقاء القبض على 723 جهاديا. وكتب أحد الصحفيين الإسبان أن العاصمة الكاتالونية احتضنت بين 2012 و 2015 ما يقرب من 26 مؤتمرا إسلاميا. وكان أكبر مؤتمر في 2014 في بلدة رويس، الذي شارك فيه 3000 شخص. وغالبية المشاركين كانوا ينحدرون من إسبانيا، والكثيرين أيضا من العالم العربي، لاسيما من شبه الجزيرة العربية ومن مصر والأردن والمغرب. وخلال هذا النوع من المؤتمرات يتم التعارف وربط شبكات الاتصالات الشخصية، التي يمكن للجهاديين استغلالها لاحقاً.
التواصل عبر الشبكة غير مهم
في الوقت نفسه يزداد الضغط من خلال المراقبة الرقمية، ولذلك يعتمد الإرهابيون ودعاة الإرهاب، كما هو الحال بالنسبة إلى الإمام عبد الباقي السطي، على الاتصالات الشخصية. ويبدو أن من يقومون بالدعاية لتنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي (داعش) قد استعدوا لهذا الأمر منذ مدة طويلة. فهم يدعون أنصارهم إلى القيام بهجمات صغيرة، تجعل التواصل عبر الشبكة غير مهم.
وكان المدعو طه صبحي فلاحه، الشهير بأبو محمد العدناني، المتحدث باسم “داعش”، يقول لجمهوره عبر رسائل الفيديو: “إذا لم يكن لديكم متفجرات أو ذخيرة، فاهجموا على أي واحد كافر أميركي أو فرنسي أو أي حليف لهما”. ويتابع العدناني، الذي قُتِل فيما بعد “اضربوا رأسه بحجر أو اطعنوه بسكين، أو ادهسوه بسيارتكم أو ادفعوه للهاوية من أي مكان، أو اخنقوه أو اقتلوه بالسم”.
بالنسبة لهذه النوعية من الهجمات ليست هناك حاجة إلى شبكة. فيكفي فقط، مثلما هو الحال في هجوم برشلونة، وجود إمام جهادي نشط في منطقة صغيرة، إضافة إلى شبكة إنترنت أو دائرة من أصحاب الفكر نفسه. وكلما كانت الدائرة صغيرة كانت فرص أعضائها في عدم اكتشاف أمرهم أفضل. وعلى ما يبدو فإن منطق “داعش” هو: الأقل (عدداً) يكون غالبا أكثر (تأثيراً).