«انتخابات الشيوخ» النصفية: ماكرون يذوق طعم الهزيمة

«انتخابات الشيوخ» النصفية: ماكرون يذوق طعم الهزيمة

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٧

حافظ الائتلاف اليميني الذي يتزعمه «حزب الجمهوريين» على الأغلبية التي كان يحظى بها في مجلس الشيوخ الفرنسي منذ عام 2014، إذ وصلت كتلته إلى 171 مقعداً (في مقابل 141 في المجلس السابق). وحلّ «الحزب الاشتراكي» ثانياً بـ 93 مقعداً، أي بزيادة 7 مقاعد عن المجلس السابق. بينما حل ائتلاف الوسط ثالثاً بـ 41 مقعداً. وشهدت «أحزاب الأطراف» تراجعاً حاداً، إذ لم يحصل الحزب الشيوعي سوى على 9 مقاعد، ولم تنل «الجبهة الوطنية» إلا مقعدين، بينما اختفى «حزب الخضر» تماماً من المشهد الانتخابي.
أما الحزب الماكروني، فلم يحصل سوى على 23 مقعداً، علماً بأنه استطاع أن يستقطب، في مطلع الصيف الماضي، 29 سيناتوراً أغلبهم من المنشقين عن «الحزب الاشتراكي». وكان رئيس الكتلة البرلمانية لـ«الجمهورية الى الأمام»، فرنسوا باتريا، قد أعلن أن خطة الحزب تهدف الى كسب 50 مقعداً جديداً في مجلس الشيوخ (من مجموع 170 مقعداً شملها التجديد أمس)، لكن النتائج جاءت مغايرة تماماً، إذ لم يفز الحزب بأي مقعد جديد، بل خسر 6 مقاعد.

يبدو واضحاً من هذه النتائج أن «حزب الرئيس» واجه اقتراعاً عقابياً قاسياً ضد السياسات الاقتصادية الماكرونية، التي أثارت موجات متزايدة من النقمة الاجتماعية في فرنسا تُرجمت بأسبوع حافل من الاحتجاجات والتظاهرات التي سبقت الاقتراع، وتركت آثارها بوضوح في خيارات «كبار الناخبين» (أعضاء المجالس البلدية والمحلية الذين تعود لهم صلاحية التصويت لتجديد أعضاء مجلس الشيوخ). ولم تكن هذه الهزيمة مفاجئة، بالنظر الى التراجع الحاد في شعبية الرئيس ماكرون منذ شهرين، إذ إنه لا يحظى حالياً سوى بتأييد 39 في المئة من الفرنسيين، في مقابل 65 في المئة في نهاية تموز الماضي.


وبالرغم من أن حزب ماكرون يحظى بالأغلبية المطلقة في الغرفة البرلمانية الأولى (المجلس الوطني)، إلا أنه كان يعوّل على نصر انتخابي جديد في مجلس الشيوخ، بهدف الوصول الى نصاب الأغلبية المطلقة المقدرة بثلاثة أخماس المقاعد في غرفتي البرلمان. أغلبية لها أهمية استراتيجية في فرنسا، لأنها تعدّ النصاب القانوني الضروري للمصادقة على أي تعديل دستوري، إذ يجري التصويت على التعديلات الدستورية من خلال اجتماعات استثنائية لـ«الكونغرس»، الذي يضم نواب البرلمان بغرفتيه، وتُعقد في قصر فيرساي.
في ظل هذه الهزيمة التي مني بها في مجلس الشيوخ، سيتوجب على ماكرون وحزبه التحالف مع أحزاب أخرى لإمرار التعديلات الدستورية التي أعلن أنه يعتزم إجراءها في ربيع العام المقبل أو اللجوء إلى المصادقة عليها عبر الاستفتاء الشعبي. وكلاهما خيار صعب، إذ من المستبعد أن يجازف ماكرون باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، في ظل تزايد النقمة الاجتماعية ضد خياراته الليبرالية المغالية.
وتلقى مهمة إقامة تحالفات مع أحزاب أخرى صعوبة وتعقيداً، لأن صلات الحزب الماكروني ببقية الأحزاب متوترة جداً، إذ يتعامل ماكرون منذ الفوز بالرئاسة مع بقية الأحزاب على أنها مجرد «بقايا من النظام القديم». وهذا ما دفعه إلى إدارة ظهره لأغلب حلفائه السابقين، في صفوف اليمين والوسط، مراهناً على استراتيجية عدائية تتمثل في السعي إلى استقطاب لفيف واسع من المنشقين عن الأحزاب القريبة منه، بهدف تقويض نفوذ تلك الأحزاب بدلاً من إقامة تحالفات معها.
يبدو أن الرئيس الفرنسي لا يعتزم التخلي عن هذه الاستراتيجية القائمة على استقطاب المنشقين، إذ أشارت تسريبات نشرتها جريدة «لو موند»، في عددها الصادر أول من أمس، إلى أن أركان الحزب الماكروني استبقوا هزيمتهم في مجلس الشيوخ، وشرعوا بمفاوضات سرية مع عدد من النواب المقربين من مرشح الرئاسة السابق ألان جوبيه، لإقناعهم بالانشقاق عن كتلة «الجمهوريين» للانضمام الى الكتلة الموالية للرئيس أو تشكيل كتلة خاصة بهم، تحت شعار «المعارضة البناءة» بهدف تأييد الإصلاحات الماكرونية، من دون الانضمام بشكل رسمي الى حزبه.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس حكومة ماكرون الحالية، إدوار فيليب، كان أحد أقرب مستشاري ألان جوبيه. ويُعتقد أنه يلعب دوراً محورياً في هذه المفاوضات التي تجرى في الكواليس. وتنظر الطبقة السياسية الفرنسية بكثير من الارتياب الى هذا التدخل غير المعهود لرئيس الحكومة في الشؤون البرلمانية، إذ تعتبر أنه يخلّ بمبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
من غير المعروف إلى أي مدى ستنجح هذه المفاوضات في تقوية الكتلة النيابية للحزب الماكروني، عبر استقطاب مزيد من المنشقين، لكن المؤكد أن التسريبات في هذا الشأن من شأنها أن تزيد من نقمة الناخبين والنواب ضد سياسات ماكرون وأساليبه السياسية. وقد استغرب العديد من المحللين مجاهرة رئيس الكتلة الماكرونية في مجلس الشيوخ، فرنسوا باتريا، فور إعلان نتائج الاقتراع أمس، بأن العدد الفعلي لمقاعد كتلة حزبه لن يُعرف سوى الثلاثاء المقبل، حين تكتمل المساعي الجارية لاستمالة عدد النواب الذين انتخبوا على قوائم أحزاب، الشيء الذي عُدَّ مناورة غير مألوفة في التقاليد البرلمانية الفرنسية، في محاولة للالتفاف على نتائج الانتخابات بدل القبول بها.