تفاصيل مثيرة: سبع سنوات من الحرب على سورية سببها أنبوب غاز !

تفاصيل مثيرة: سبع سنوات من الحرب على سورية سببها أنبوب غاز !

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٧

كانت بداية حكاية النفط في العالم العربي عنيفة وغير مسبوقة، فعندما خرج النفط من بئر بابا غُرغر(Baba Gurgur) الذي يبعد حوالي 10 اميال شمال غرب كركوك سنة 1927 قتل حفارين وانسكب مئة الف برميل في الفضاء خلال 24 ساعة وبقي نفط العراق خصوصاً والعرب عموماً نقمة على اهله.
ما يزال زعماء مافيا الدول الاستعمارية لا يستحون من القول بضرورة امتلاكهم لنفط العراق بل وفرض اتاوه على السعودية لحمايتها كما يقول ترامب، ولكن الاهم ان النفط وانابيبه واهميته كانت سبباً رئيسياً في زرع دولة يهودية في فلسطين وتقسيمات الحدود بين الدول والدويلات والتي تمّ رسم خطوط حدودها وتمّ تصميم قطع قماش سميت اعلاماً وتم تقديس هذه وتلك .
عندما انتقلت اهمية النفط من مادة الاضاءة ثمّ الى محركٍ للالات والسيارات ثمّ الى مصدر وقود الاساطيل والتي كانت تعطي السيادة على البحار واحدى اسس تُبوءُ من يمتلكها ليكون امبراطورية زمانه .
كان البروفيسور الذي اصبح السير جون كدمان John Cadman رئيساً لشركة البترول التركية، التي تمّ تغيير اسمها الى شركة البترول لاحقاً، عضواً في اللجنة التي اسسها ونستون تشرشل لتحقق من امكانية الاعتماد على النفط بدرجة كافية لتحويل الاسطول البريطاني الحربي من الفحم الحجري الى النفط الذي هو اكثر كفاءة من الفحم الحجري باربع مرات ليكون محركه لان النفط يقل وزناً عن الفحم الحجري اللازم ولان النفط يُمكن سفن الاسطول من الابحار الى أماكن ابعد بكثير للتزود بالوقود. ذهب كادمان الى بلاد فارس (كما كانت تدعى ايران) للتاكد من اوضاع الشركة البريطانية الفارسية للبترول (التي اصبحت شركة البترول البريطانية لاحقاً BP) وكان نتيجة تقريره انه يمكن الاعتماد على امدادات هذه الشركة بشكل كافِ لامداد الاسطول البريطاني بمتطلباته . وكان نتيجة ذلك أن استولت ادميرالية الحكومة البريطانية سنة 1914 (اي شهوراً قبل الحرب العالمية الاولى ) على غالبية اسهم تلك الشركة وتمّ تعيين ادميرالات في مجلس ادارتها .
كان اول عملية عسكرية بريطانية في الشرق الاوسط هي احتلال البصرة أولاً وذلك لتأمين مصافي عبدان البريطانية في ايران والتي تبعد كيلو مترات قليلة عنها . ثم ّ تقدم الجيش البريطاني واحتل بغداد واكمل مشواره واحتل محافظة الموصل مع انها كانت تتبع فرنسا في تقسيمات سايكس بيكو كما جاء في الاجتماع رقم 10 من محاضر تلك الاتفاقيات . بعد نهاية الحرب بدأ الحلفاء يتفاوضون في تقسيم غنائم الدولة العثمانية في العالم العربي.
في 6 اكتوبر 1918 ذهب رئيس الوزراء البريطاني لويد جورج الى باريس مع وفد من وزراءه لمناقشة اتفاقية وقف اطلاق النار في مؤتمر فرساي للسلام مع الدول التي خسرت الحرب. وهناك علم بأن وزير خارجيته قد أعلم الجنرال اللنبي الذي احتل فلسطين والشام بأن يلتزم ببنود اتفاقية سايكس بيكو.
كان لويد جورج يكره تلك الاتفاقية ويعتقد أنها غير عادلة خصوصاً وأن قوات بلده مع الامير فيصل كانت قد وصلت دمشق وأن مساهمة فرنسا في احتلال فلسطين وسوريا كاد أن يكون معدوماً. ومع ذلك فقد كانت فلسطين وكذلك الموصل وسوريا من حصة فرنسا حسب سايكس بيكو ، حاول رئيس الوزراء البريطاني جهده بالتخلي عن شروط اتفاقية سايكس بيكو لكن كان موقف وزارة الخارجية الفرنسية آنذاك غير قابلٍ حتى للتفاوض.
كانت القوات البريطانية قد احتلت البصرة وبغداد وحسب اتفاقية سايكس بيكو فقد توقفت القوات البريطانية عند مدينة كركوك حسب الاجتماع رقم 10 في اتفاقية سايكس بيكو. ولقد قدمت المخابرات البريطانية تقريراً عن الاحتياطات النفطية بالمنطقة بين كركوك والموصل اعدها الجيولوجيون الالمان والذين توصلوا الى اعتقادهم بوجود اكبر احتياطات للنفط في العالم في تلك المنطقة. قرر لويد جورج احتلال محافظة الموصل ومجابهة فرنسا بالامر الواقع .
قام رئيس الوزراء الفرنسي كليمنسو بزيارة الى لندن في 1 ديسمير 1918 رداً لزيارة لويد جورج الى باريس . كان لويد جروج يعلم بأن كليمنسو يريد دعم لندن في مؤتمر السلام القادم لاسترداد الاراضي التي احتلتها المانيا منها في الحروب السابقة. سال كليمنسو لويد جورج : “ما الذي تريده مني ؟ وماذا سنبحث؟” أجابه لويد جروج : “اريدُ أن أبحث العراق وفلسطين؟ ” أجابه كليمنسو : “تفضل ماذا تريد منهما” قال لويد جروج : “اريد الموصل” فأجابه كليمنسو: “اعتبرها لك” وماذا ايضاً ؟ فأجابه لويد جورج: ” اريد القدس ” فأجابه كليمنسو: “هي لك ايضاً” .
في مؤتمر السلام الذي انعقد في باريس تم التفاهم بأن تبقى محافظة الموصل ضمن دولة العراق الجديدة وأن تبقى فلسطين تحت الانتداب البريطاني لتنفيذ وعد بلفور . في 15/2/1919 ارسلت وزارة الخارجية الفرنسية موافقتها على ذلك بشرط ان تحصل فرنسا على حصة مساوية لبريطانيا في نفط العراق واعطاء فرنسا سوريا (والتي كانت لبنان جزءاً من ساحلها الغربي قبل فصلها ) لتكون تحت الانتداب الفرنسي .
سارعت فرنسا الى احتلال مناطق دير الزور والبوكمال بعد أن طردت الملك فيصل من سوريا. تمّ مقايضة محافظة الموصل بحصة لفرنسا من بترول العراق ،وكان احتلال دير الزور وبوكمال لتمكين شركة نفط العراق من مد انابيب بترولها عبر اراضي الانتداب الفرنسي السوري بينما كانت بريطانيا تفضل مدّ انبوب النفط عبر اراضي الانتداب البريطاني عبر شرق الاردن وفلسطين بل وقامت بتغيير جغرافيا شرق الاردن الشرقي ليصبح مدّ مثل ذلك الانبوب ممكناً داخل اراضي انتدابها .
عندما بدأ الامريكان يطالبون بحصتهم في العراق وبعد تَمَنع بريطانيا لوقت غير قصير وصلت الحكومة البريطانية الى القناعة بأنه “لم يهدأ لبريطانيا بال في نفط الشرق الاوسط دون مشاركة الشركات الامريكية “. فتمّ ادخال مجمع شركات امريكية بحصص متساوية مع فرنسا وبريطانيا وهولندا . واثناء المفاوضات على الحصص تبين للمخابرات البريطانية أن فرنسا وامريكا قد ابتدءا بِحَث تركيا على استعادة الموصل . وبينما كان الاختلاف على اشده بين بريطانيا وفرنسا على طريق خط الانابيب حاولت فرنسا بل وعرضت على الملك فيصل في العراق أن يرجع ملكاً على سوريا لان بريطانيا استعملته كورقة ضغط بأن الحكومة العراقية تصر على أن يمر الخط عبر الاراضي الاردنية و الفلسطينية الى حيفا .اثناء اشتعال الخلاف بينهما اقترحت كل من بريطانيا وفرنسا بناء خط سكة حديد محاذياً لخط النفط بما في ذلك من تقليل كلفة انشاء الانبوب . بقيت فرنسا ملتزمة بهذا الخيار لكن بعد أن ادعت بريطانيا بقبوله تراجعت عنه بحجة الكلفة علماً بأن السياسة البريطانية هي منع ترابط دول سايكس بيكو بخطوط سكة الحديد لانها تربط بين الدول وتقرب بينها. لذلك عرقلت بريطانيا اعادة تشغيل خط الحجاز لاكثر من مئة سنة مع أن مؤسسة خط حديد الحجاز كانت تجتمع مرات ومرات في كل سنة لاعادة تشغيله دونما اي طائل .
اخيراً تمّ الاتفاق على مدّ خطين لشركة نفط العراق أحدهما ينتهي في طرابلس وبنياس في اراضي الانتداب الفرنسي والاخر ينتهي في حيفا. بدأ تدفق انتاج النفط في هذا الخط سنة 1934 وعند نشوب الحرب العالمية الثانية كانت امدادات الخط ومصفاة حيفا كافية تماماً لتزويد 100% من احتياجات الاسطول البريطاني في البحر الابيض المتوسط .
وبعد هذه الخلفية التاريخية دعنا ننظر الى حروب انابيب الغاز هذه الايام . لعلّ اهم عنصرين من اسباب حرب الــسبع سنوات على سوريا هما الاقتتال حول من سيملك امتياز خط انابيب الغاز الى اوروبا عبر سوريا، وسبب الحرب الثاني هو كسر امدادات المقاومة اللبنانية عبر سوريا . فالولايات المتحدة وحلف الاطلسي يعتبرون اعتماد دول غرب اوروبا على الغاز الروسي كنقطة ضعف استراتيجية كبرى لذلك فهم يسعون الى كسر هذه القيمة الاستراتيجية لروسيا وخاصةً وأن قطر تمتلك ثالث اكبر مخزون للغاز في العالم (لذلك قامت قطر بقيادة الحرب على سوريا في بداياتها) . الا أن ايران هي صاحبة ثاني اكبر مخزون في العالم للغاز وهي تشارك قطر في نفس حقل الغاز البحري الذي يسميه القطريين حقل الشمال ويسميه الايرانيون حقل فارس . فكان هناك مشروعان بإمداد الغاز أوله المشروع القطري عبر السعودية فالاردن فسوريا فأوروبا والاخر ايراني عبر العراق وسوريا . لذلك ليس من الصدفة أن اصحاب العلاقة بهذه المشاريع وهي روسيا المستهدفة من الغرب وايران مع سوريا في حربها ضد محاولة تغيير النظام الذي تقوده الولايات المتحدة والدول الغربية ووكلائهم في المنطقة . .لذلك نستطيع القول ان انبوب غاز كان سببا رئيسياً في تدمير بلد عربي هام وقتل مئات الالاف من المدنيين السوريين وتهجير الملايين وتدمير البنية التحتية لبلد عربي وقد تمّ ذلك نتيجة مؤامرة غربية بأموال بترودولارية عربية ونستطيع أن نقول أن هذا كله من نقمة النفط والغاز وليس من نعمته التي لم تصل حتى لمعظم مواطني الدول العربية المنتجة مع أنه هو اداة لو تمّ استعمالها لاصبحت في ايدي العرب قوة مالية بل وقوة سياسية تستطيع أن تطيح باللامبراطوريات وأن أُسيئ استعمالها فنحن نرى مصائب سوء استعمالها هذه الايام.
صنع الاستعمار الغربي اوهاماً و حدوداً في الرمال ونَصَبُوا عليها زعماء قبائل وعوائل لخدمتهم فهل يستطيع هؤلاء أن ينسلخوا عن جلودهم ليتأقلموا مع متغيرات قوى العصر ؟ فالجواب طبعاً لا . واذا كانت لانظمة سايكس بيكو اي شرعية مع انها قامت على اسس اثنية او قومية أو دينية فلماذا لا يمكن لقوميات اخرى ان تطالب باستقلالها ؟ فإذا اصبح لليهود دولة دينية في فلسطين وللمارون دولة في لبنان والعلويون والسنة في سوريا والوهابيون في الجزيرة العربية فلماذا لا يحق دولاً للشيعة في العراق والاكراد في تركيا وايران والعراق ؟ ولماذا اصبحت حدود واعلام سايكس بيكو مقدسة ؟
انا لا ادعوا الى مزيد من الفرقة والانسلاخ عن جسد الوطن الواحد ومزيد من وكلاء الاستعمار على رؤوس تلك الدول المنسلخة لان عصر ما بعد سايكس بيكو قادم لا محاله وان زمن هؤلاء الوكلاء قد ولى فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ..
د. عبد الحي زلوم / شام تايمز