هل بدأت مرحلة الصراع على قيادة الجهاد العالمي؟

هل بدأت مرحلة الصراع على قيادة الجهاد العالمي؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٣ أكتوبر ٢٠١٧

تتعثر كل حركة إرهابية على طريقتها الخاصة، والحركة الجهادية العالمية ليست استثناء. حيث ابتليت الحركة بالخلافات حول الأهداف والتكتيكات والتنظيم، والقضية الأساسية حول ما يعنيه “المسلم الحقيقي”، وذلك منذ بدايتها مما يجعلها مصدر ضعفها.

بينما يتراجع تنظيم داعش، تصبح هذه الاختلافات أكثر أهمية، فقد خسر داعش الجزء الأكبر من أراضيه في العراق وسوريا، ولكن من المرجح أن يستمر كشكل من أشكال التمرد، وكحركة إرهابية في الأساس. ومع ذلك، فإن لعب الدور القيادي الذي أعلنه التنظيم عندما أعلن قيام الخلافة في عام 2014 سيكون أصعب.

وبدوره حاول تنظيم القاعدة أن يستمر في اللعبة لفترة أطول، إلا أنه لا يزال ضعيفا جدا وربما لن يكون قادرا على استعادة مقاليد القيادة. ولكن حتى مع عدم وجود قائد واضح، تظل حركة الجهاد الأوسع قوية. حيث تنشط الجماعات الجهادية، وبعضها له علاقة بتنظيم القاعدة وداعش، في اليمن والمغرب والهند والفلبين، وبالطبع سوريا، من بين العديد من المواقع الأخرى. وفي أوروبا، تتمتع الحركة الجهادية بدعم الكثير من المسلمين، حيث يمكنونها من جذب المقاتلين ودعم الهجمات الإرهابية.

غير أن هذه الحركة الواسعة منقسمة حول عدة قضايا رئيسية. ويدور الخلاف في أحد أهم القضايا الأساسية حول من هو المسلم “الحقيقي”. فجميع الأديان لديها خط فاصل بين المؤمنين وغير المؤمنين، والإسلام ليس استثناءً، حيث سيكون من الصعب أن يدعي شخص ما أنه مسلم إذا لم يؤمن بالله ربًا وبمحمد نبيًّا. وغالبا ما يكون الجهاديون أكثر تشددًا في هذا الأمر.

وعلى الرغم من أن للجهاد ما يبرره بأنه دفاع عن المسلمين أو استرداد أرض مسلمة احتلها الكفار، فإن العديد من الجهاديين يدينون في الواقع جماعات كاملة من المسلمين اسميا ويحولونهم إلى خانة الكفار. وهو ما يتناقض مع النهج الذي يتبعه معظم علماء المسلمين تاريخيا مع هذه القضية، لأنهم اتبعوا أمر النبي محمد بعد التسرع في اتهام الآخرين بالكفر لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى انقسامات مؤلمة بين المؤمنين.

فيما يؤكد بعض الجهاديين أن المسلمين الملتزمين فقط هم المسلمون وأن غيرهم مرتدون. فيما يدعي كثيرون منهم أيضا أن المسلمين هم السنة فقط ، رغم أن الشيعة هم الأغلبية في العراق وإيران، ولكن في ظل تفسير الجهاديين الصارم للتوحيد، فإن الشيعة ليسوا مسلمين حقيقيين لأنهم يقدسون علي، الخليفة الرابع وابن عم الرسول وزوج ابنته. وهناك أيضًا العلويون الذين يسيطرون على الحكم في سوريا، والحوثيون اليمنيون الذين يتبعون مذهبًا شيعيًّا مختلفًا؛ والأقليات الدينية الأخرى مثل الأحمدية والدروز والأيزيديين. وهناك آخرون يذهبون أبعد من ذلك حيث يضعون خطًا فاصلاً بين السلفيين –وهو مذهب سني يرفض السياسة التقليدية والقوانين الوضعية وأي شيء ينبثق من الابتكار البشري– والآخرين، رافضين جميع الجماعات الإسلامية غير السلفية مثل جماعة الإخوان المسلمين متهمين إياها بأنها غير ملتزمة. ومع ذلك، يضع البعض الآخر أيضًا خطًا فاصلاً بين هؤلاء السلفيين الذين يتبنون الجهاد والذين لا يفعلون ذلك – على مبدأ “إما معنا أو ضدنا”.

بعد رسم الخط بين المؤمنين الحقيقيين وغيرهم، فالسؤال التالي هو ماذا نفعل بمن يقصر؟ استهدف تنظيم داعش، ومن قبله القاعدة في العراق الشيعة والمسلمين السنة الذين تعاونوا مع حكومات العدو، بحجة أن كلاهما يستحق الموت بسبب ولاءاتهم الآثمة. وفي الجزائر في تسعينات القرن الماضي، ذهبت بعض الجماعات الجهادية إلى حد ذبح المسلمين العاديين الذين حاولوا البقاء بعيدا عن المعركة، بحجة أن عدم تعاونهم كان يعني رفض الإيمان. وعلى النقيض من ذلك، فإن تنظيم القاعدة دعا أتباعه إلى تجاهل هذه الجماعات، ومن الناحية المثالية، دعوتهم إلى الطريق المستقيم.

وتنقسم الحركة أيضا حول هدف المشروع الجهادي، فهناك اختلافات حول مفهوم التترس، أو قتل الأبرياء كجزء من العمليات العسكرية (ما يطلق عليه البنتاغون الأضرار الجانبية) لقد اختلف علماء المسلمين، مثل نظرائهم المسيحيين، حول كيفية تحقيق التوازن بين واقع الحرب واحتياجاتها مع تأكيد الدين على حماية الأبرياء. ولقد فقدت العديد من الجماعات الجهادية الدعم الشعبي عندما قتلت الأبرياء، ولا سيما الأبرياء المسلمين في عملياتهم. وقد أسفر هجومان شنهما تنظيم القاعدة على مجمعات سكنية في الرياض عام 2003 عن مقتل ما يقرب من عشرين سعوديًّا –أكثر من عدد القتلى الأميركيين– ما أثار حالة من الشجب والإدانة واسعة النطاق بين السعوديين العاديين. فيما قتلت تفجيرات مايو 2003 عددًا من المسلمين يماثل عدد الغربيين الكافرين. بينما أغلب ضحايا الهجوم الذي أعقب ذلك في شهر نوفمبر – وكان ذلك في شهر رمضان المبارك – من المسلمين، حيث جرح نحو 36 طفلاً. وقد تحول السعوديون العاديون بشكل حاد لمعاداة الجماعة. وكان لقرار تنظيم القاعدة في العراق باستهداف الفنادق التي يرتادها الغربيون في الأردن، ومنها أحد الفنادق الذي كان يستضيف حفل زفاف زوجين أردنيين، تأثير مماثل هناك. وقد حاول تنظيم القاعدة تعلم هذا الدرس. ولا سيما فيما يتعلق بالمسلمين، حيث أصبح التنظيم أكثر تمييزا في عمليات الاستهداف مما كان عليه قبل 15 عاما. فعندما أسر تنظيم داعش عمال الإغاثة الغربيين في سوريا وقتلهم، على سبيل المثال، اعتبرت جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة هذا الفعل “خطأ شرعيًا ” وله تأثير “معاكس”. حتى أن أبو عمر العقيدي، أحد كبار مقاتلي جبهة النصرة، طالب تنظيم داعش بالإفراج عن بيتر كاسيج، وهو عامل إغاثة أميركي (اعتنق الإسلام) “قام بإجراء عملية [طبية] ناجحة تحت قصف النظام” للعقيدي نفسه وعالج عددًا من الجهاديين الآخرين. وبعد حرق طيار مقاتل أردني (مسلم)، ندد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية بالفيديو ووصفه بأنه “دليل قاطع على انحراف داعش.

هذه الاختلافات تخفى عن أعين الكثيرين، ولكن يجتاح الحركة أيضًا خلاف أساسي حول التنظيم: هل يجب أن يكون له تسلسل قيادي هرمي محكم أم أنه ينبغي أن يكون لا مركزيًّا؟ كانت القاعدة في التسعينات، وفي وقت لاحق داعش إلى جانب المنظمات السابقة تتحرك في ظل نظام التسلسل الهرمي، لديها زعيم أعلى، ومساعدين كبار، ولجان لمعالجة القضايا الرئيسية مثل الأمن والإعلام، وغيرها. وحاول تنظيم داعش تكرار ذلك على المستوى المحلي لضمان النظام والسيطرة. غير أن حملات مكافحة الإرهاب التي لا هوادة فيها، التي قامت بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، جعلت التسلسل الهرمي أمر خطيرًا. وقد يؤدي مقتل القادة الرئيسيين أو القبض عليهم إلى تعطيل مؤقت للتنظيم أو على الأقل الحد من عملياته. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الاتصال المستمر اللازم لإدارة حركة إرهابية عالمية قد يتعرض لخطر الكشف عن أماكن تواجد شخصياته القيادية. ولا يزال داعش يفضل نوعا من التسلسل الهرمي، غير أن جماعات أخرى دعت إلى عمليات أكثر لامركزية. وهذا النوع أصعب في القضاء عليه، غير أنه عرضة لخطر التفكك والتشرذم. وحتى لو كان التنظيم يضع تعليمات واضحة حول قضية التترس وغيرها من قضايا الاستهداف، فإنه من الصعب فرض النظام، كما أن مخاطرة خلية محلية أو أجنبية بالقيام بعمليات غير مسموحة يمكن أن تشوه سمعة الجماعة الأم.

كما تنقسم الحركة الجهادية بشكل عميق حول قضية الخلافة. فقد اكتسب تنظيم داعش شهرته جزئيا من الإعلان عن قيامها. غير أن تنظيم القاعدة قد أفلح في العديد من التصريحات العلنية بسبب شعبية هذا المفهوم وهدف التنظيم طويل الأجل المتمثل في إقامة دولته الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك، ففي أغلب الأحيان تعرضت الفكرة لانتقادات لاذعة، لأن الحركة الجهادية ككل لا تتمتع بالدعم الشعبي اللازم لإقامة الخلافة واستمرارها، وأن إنشاء هياكل الدولة في منطقة معينة يخبر الولايات المتحدة وحلفاءها ببساطة أين تقصف أهدافها.

وحتى في مستوى أقل من الخلافة، فإن الجماعات لا تختلف حول وجوب فرض الشريعة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها. ويدعي تنظيم داعش أن من واجبه الديني القيام بذلك، وبطبيعة الحال، فإن الخلافة لن تكون خلافة حقيقية إذا لم تحكم وفقًا للشريعة الإسلامية. غير أنه في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المرتبطة بالقاعدة، تتأرجح بين فرض الشريعة الإسلامية بشكل صارم وبين تطبيق نهج أكثر تساهلا في تثقيف السكان المحليين أو حتى تركها للقادة المحليين لتسوية المنازعات والحكم.

وبصفة عامة، فإن القاعدة والجماعات المرتبطة بها تفضل استخدام نهج كسب “قلوب وعقول” السكان المحليين من خلال تقديم الخدمات، والعمل مع القادة المحليين، والشراكة مع جماعات متمردة أخرى. وفي المقابل يريد تنظيم داعش سحق الجميع وتشريد القادة المحليين، وفرض سطوته وسلطته. وكثيرا ما ينصب الأجانب على المناطق التي يحتلها، في حين تفضل جماعات القاعدة القادة المحليين. وفي سوريا وغيرها من الدول، يطالب داعش الجماعات الجهادية بالولاء التام، في حين يدعو تنظيم القاعدة إلى الشراكة مع جماعات المعارضة السورية الأخرى، وكثيرا ما يقف موقف المتفرج.

كما تختلف الحركة حول كيفية التركيز محليا وإقليميا مقابل أولئك الذين يريدون التركيز على الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى [العدو القريب والعدو البعيد]. وتحاول معظم الجماعات المزج بين العدوين معًا: فالقاعدة في 11 ايلول 2001، على سبيل المثال، أنفقت الجزء الأكبر من أموالها وقواتها لمساعدة طالبان واستخدام معسكراتها في أفغانستان لتدريب المقاتلين الذين يركزون على الثورة في العالم الإسلامي؛ في الوقت نفسه، شن هجوم إرهابي هائل على الولايات المتحدة. وبالمثل، سعى تنظيم داعش إلى توطيد وتوسيع الخلافة، ولكنه شجع أيضًا الهجمات على دول الغرب واستخدم عناصر لتنفيذ هجمات دموية مثل هجمات باريس عام 2015. ومع ذلك، فإن محاولة تحقيق الهدفين يجعل من الصعب على المجموعات التركيز على مواردها كما يؤدي إلى المخاطرة باجتذاب أعداء جدد، وهو الأمر الذي تكرهه الجماعات المتمردة المحلية. فعلى سبيل المثال، أعلن الفرع السوري لتنظيم القاعدة أنه لن يهاجم الغرب وانفصاله الظاهري عن تنظيم القاعدة ليظهر للحلفاء المحليين أنه لن تقف في طريق تلقي المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة وشركائها .

والسؤال المهم هو ما إذا كانت هذه اختلافات في الأهداف أم مجرد اختلافات في الأولويات. وإذا كان الجهاديون يختلفون حول النتائج الأساسية، فإنه سيكون من الصعب تحقيق أي وحدة للغرض أو المنظمة. وإذا كان السؤال ببساطة هو أحد هذه الأولويات، والتي ربما تتغير وفق ظروف يمكن أن توحد الفصائل المختلفة معًا باسم النفعية.

ولا تعني قضايا التترس أو الخيط الدقيق الذي تبدأ الردة من عنده وتنتهي الكثير لمعظم الجنود العاديين. فقد أظهرت بيانات مستمدة من سجلات تنظيم داعش أن 70% من المجندين لديهم معرفة سطحية بالإسلام. ولكن بعض هذه الأسئلة لها تأثير هائل على دعوات الجماعات المختلفة. كما إن قضية إحياء الخلافة، على سبيل المثال، أثبتت أنها مقنعة لدى العديد من المجندين، وبغض النظر عن شرعيتها المتصورة بين المتشددين، فإن إغراء اللعب بهذه البطاقة الشعبية سيكون له تأثير في المستقبل.

من المغري دائما أن نحث الولايات المتحدة على محاولة الاستفادة من هذه الانقسامات. ومع ذلك، فإن سجل الولايات المتحدة للتأثير على الحوار الجهادي يتراوح بين الضعف والتلاشي، بل وتحاول عمدا إنشاء فصائل أكثر تطرفًا. ولكن هذه الخلافات الداخلية تعرقل أعداء الولايات المتحدة وتحقق بعض أهدافها. وعلى أقل تقدير، فإنهم يقضون وقتا ثمينا ويبذلون مزيدًا من الجهود في محاولة القضاء على إحدى الجماعات المتنافسة. وفي معظم الأحوال، تؤدي الاختلافات إلى توقف نيرانها وعرقلة تجنيد مزيد من العناصر، كما يتوقف المانحين عن دعمها بسبب الاقتتال الداخلي.