داعش والقاعدة يجمعهما مصير مشترك، فهل يَجْتمعان تحت مظلّة واحدة؟

داعش والقاعدة يجمعهما مصير مشترك، فهل يَجْتمعان تحت مظلّة واحدة؟

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٢ أكتوبر ٢٠١٧

 يَجتمع قادةُ تنظيم «الدولة الاسلامية» (داعش) وتنظيم «القاعدة» في محاولةٍ لوضْع خلافاتهم جانباً من أجل توحيد الصفّ ضدّ أعدائهم المشتركين. وبالرغم من ان التنظيميْن يتمتّعان بنفس الفكر الايديولوجي الجهادي التكفيري، إلا ان أهدافهما وأولوياتهما تختلف، وكذلك لا تجد فكرة تقبّل «الخليفة» (زعيم داعش ابو بكر البغدادي السامرائي) اي ترحيب لدى «القاعدة». إلا أن هناك قاسماً مشتركاً لدى الطرفيْن: «داعش» و«القاعدة» يخسران بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين.

لقد راكمتْ «القاعدة» خبرات منذ إنشائها في الثمانينات من القرن الماضي، ما يضع هذا التنظيم على مسافةٍ بعيدة عن خبرة «داعش» القليلة نسبياً. وسمحت خبرة «القاعدة» باعتماد نهج مرِن مع المجتمع الذي تتواجد فيه ومع الأحزاب الأخرى (في سورية خصوصاً) حتى تلك التي تعتبرها مرتدّة دينياً.

وقد تَواجدت «القاعدة» في بيئة قَبِلتْ بها إن لم تكن موالية ولا معادية الى ان تصل الى التمكين (اي إبقاء المجتمع كما هو الى حين التمكن من السيطرة على الأرض). وهذه السياسة أثبتتْ نجاحها في اليمن وكذلك في بلاد الشام.

ومن الواضح أنّ هدف هذا النهج المرِن كان ألا يثني تنظيم «القاعدة» عن هدفه الأساسي ألا وهو «العدوّ البعيد». وعلى هذا الأساس بدأ مشوار «القاعدة» من الجيل الأول – بدءاً بأيمن الظواهري والشيخ عبدالله عزام وأسامة بن لادن الذين انطلقوا في مشوارهم معاً (بعد إنهاء الاحتلال الروسي لأفغانستان) – بالعدو البعيد، أي أميركا. أما الجيل الثاني من «القاعدة» فقد أَنْتج ابو محمد الجولاني الذي ارتدى ثياب الحرباء وغيّر لوْنه وانتماءه ليبسط سلطته على بلاد الشام (بعدما كان أميراً عند ابو بكر البغدادي وانشقّ عنه) ويُنقِذ مملكته. إلا انه استضاف مجموعات «القاعدة» من الحرس القديم ضمن صفوفه الذين استعدوا للمرحلة المقبلة (مجموعة خرسان التي كانت تحضّر لعمليات خارج الشرق الأوسط) أي لما بعد الانتهاء من السيطرة على بلاد الشام. وظلّت قاعدة الجهاد في سورية مبهمة الأهداف ولم تصرّح عن مشروعها الأساسي الذي وُجدت من أجله رغم محاولة التظاهر بالانفصال عن «القاعدة الأمّ».

أما «داعش» فقد تبنى نهجاً «أكثر دموية» وهرع نحو أهدافه المستحيلة (احتلال الشرق الأوسط وروما وإسبانيا)، وأعلن العداء للعالم بأكمله، وأصبح «العدو القريب» أولويته، وقَبِل بالبيعة والولاء عن طريق الانترنت لكل مَن رغب في القيام بعمل منفرد (الذئاب المنفردة) في البلد الذي يقطن فيه، فقط كي يتحدّث الإعلام عن انجازات «داعش» ويده الطويلة التي قطعت أوصالها في العراق وسورية.

وبدأ الفكر الداعشي المُعاصر من خلال مفهوم الشيخ أبو محمد المقدسي الذي طوّره في سجنه في الأردن وعلّمه لتلميذه ابو مصعب الزرقاوي الذي شاركه الزنزانة ومن بعدها أسّس القاعدة في العراق لتصبح اليوم «داعش». ووضع الزرقاوي نهجاً أكثر تطرّفاً من أستاذه وهاجم أميركا في العراق ولكنّه ركّز على المسلمين (الصحوات والشيعة) بهدف استجرار ردّ فعل طائفي لجذْب العدد الأكبر من المناصرين خلفه. وقد أَغْضب هذا السلوك أسامة بن لادن والظواهري اللذيْن أرسلا رسالة الى الزرقاوي بهذا الخصوص طالبين منه التركيز على استهداف القوات المحتلة الأميركية كأولوية قصوى. إلا ان نداء زعماء القاعدة للزرقاوي لم يلقَ آذاناً صاغية. وحلّ ابو بكر البغدادي (بعد ابو عمر البغدادي) – المولود عام 1971 والذي ينتمي للجيل الثاني في «داعش» – ليروّج لممارساتٍ أكثر دموية وعنفاً، مستخدماً أحدث التكنولوجيا للترويج لعمليات القتل المتنوّعة التي اعتمدها تنظيمه وليثبت الخطاب الاستقطابي.

وقَتَل البغدادي المسلمين السنّة والشيعة وكذلك السنّة الذي ينتمون الى الفكر الجهادي مثل تنظيمه، في دليلٍ على ان المعركة ليست لإحياء الاسلام بل معركة على السلطة والجلوس على عرش الخلافة، هذا العرش الذي ينهار اليوم.

وهكذا صار السباق على السلطة والسيطرة بين تنظيميْ «القاعدة» و«داعش» مضرّاً بالمجموعتين، الا انه كان بمثابة المنّ والسلوى لحكومات دمشق وبغداد وللديانات المتعددة في البلدين. اذ لو اتفق التنظيمان ووضعا خلافاتهما جانباً لكان من المستحيل على اي جيش او تنظيم الوقوف في وجههما. وقد أَعلن الانفصال بين الطرفين ابو محمد العدناني، الناطق الرسمي السابق لـ «داعش» في خطابه الشهير: «عذراً أمير القاعدة»، متحدّياً زعيمها أيمن الظواهري.

وفي الواقع من غير المحتمل ان تنبثق مجموعة جديدة من التنظيمات، لأن الساحة التكفيرية الجهادية مشبعة بالأفكار نفسها والسلوك ذاته: فلا يمكن لأيّ مجموعة استحضار فكر جديد دينياً غير الموجود أساساً ولا سلوك مغاير لما اتخذته القاعدة (الأسلوب المرن للتمكين) ولا ذاك الذي اعتمده «داعش» (الأسلوب الدموي الذي تفنّن بطرق القتل المتعددة وبالخشونة وفرض رأي واحد على الجميع). وحتى ولو قرّرتْ مجموعةٌ جديدة البدء بمشوار الجهاد من جديد بناء على أخطاء وتجارب أسلافها، يبقى السؤال دائماً: مَن الذي سيقود التيار الجهادي؟ هل يمكن التعايش بين «داعش» والقاعدة على أرض واحدة؟ هل سيعيّن «داعش» خليفة جديد بعد مقتل البغدادي ام سيكون اميراً لتنظيم وليس لدولة؟ هل سيَقبل الطرفان بتقاسُم السيطرة؟ هذه هي مشاكل المجموعات الدينية المتطرّفة التي تريد السلطة لها وحدها.

في الأشهر المقبلة، من المُتوقَّع ان يَفقد داعش (الذي أعلن عن وجوده للمرة الاولى في مايو 2011 تحت اسم جبهة النصرة قبل الانقسام عن «الدولة») كل الأراضي التي يسيطر عليها، ومن المتوقّع ان يَتراجع نحو الصحارى السورية والعراقية، مُطارَداً من منزل الى آخر او حُجر الى آخر من دون ان يجد بيئةً حاضنة تستقبله. وانهار مع داعش شعارُه: «باقية وتتمدّد». وها هي أرض الخلافة – ومعها المنصب ذاته – تختفي مع فقدان الأراضي التي تحتلها في سورية والعراق: لقد انتهت «الدولة».

تنبأ بذلك ابو محمد العدناني عندما قال في رسالته: «ما كان هذا منهجنا ولن يكون» وعندما دعا ربه: «اللهم ان كانت هذه الدولة دولة خوارج فاقصم ظهرها واقتل قادتها، واسقط رايتها، واهدِ جنودها الى الحق اللهم واجعلها خلافة على منهاج النبوة، فقولوا آمين ايها المسلمين».
فاستجاب له ربّه المستجيب للدعاء ودمرَّ الخلافة وأخذ حياة معظم قادتها بمَن فيهم العدناني نفسه.

وفي بداية تَوسُّعه، استخدم «داعش» سلاحه التدميري المتمثل ببثّ الخوف في صدور الجيشين العراقي والسوري وقطع الرؤوس على الطريقة الهوليوودية، واستخدم فنوناً وحشية في القتل باستخدام السكاكين والقتل غرقاً وحرقاً وباستخدام المتفجرات على السجناء الأحياء والدوس عليهم بالدبابات، وخلّفت متفجرات التنظيم ومفخخاته وانتحارييه الرعب وتمكّن من احتلال المدن بسهولة. أما اليوم فقد تراكمت الخبرات وتعلّم الجميع طرق محاربة أسلوب «داعش» الذي فَقَدَ فعاليته وخسر المواجهات العسكرية في المدن.

واليوم سيصبح ملجأ داعش الوحيد بعيداً عن المناطق السكنية: لقد استضافت مجتمعات كثيرة الجماعات الإرهابية، إلا أن تلك المجتمعات فقدت أرزاقها ومنازلها وعائلاتها وتشرّدت بسبب الحرب على هذا التنظيم. ولن تعود المنازل هذه كما كانت لسنوات طويلة ما سيُبقي الجرح مفتوحاً. طبعاً ستبقى هناك حوادث منفردة من عائلات ستستقبل الدواعش او ما تبقى منهم، الا ان هذا لن يعطي ابداً التنظيم قاعدةً للانطلاق من جديد.

وهكذا سيصبح «داعش» مطارَداً وخارجاً عن القانون وسيصطاد الجيشان العراقي والسوري أفراد هذا التنظيم على حدود البلدين الصحراوية.

لقد فشل غزو بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، وبالتالي لم يعد قلب الخلافة متاحاً للتحقيق لأي طرف آخر مستقبلي. وبالتالي دمّر البغدادي السامرائي كلّ أملٍ لأيّ تنظيمٍ تكفيري جهادي بإحياء الحلم الإسلامي وخلافته الموحّدة كما كانت في تاريخ الاسلام القديم. وسيبقى داعش في مصر وافغانستان واليمن وافريقيا وآسيا وستبقى الهجمات التكتيكية حاضرة من دون أن يكون لها أي أثَر استراتيجي.

ابتكر «داعش» إعلان البيعة على الانترنت لينشر فكره ما دام يُسجل شريط قبل اي عملية ليتبنّاها ويدّعي تَمدُّده الواسع ليبثّ الخوف في المجتمعات الغربية ويعطي حجماً أكبر من حجمه الواقعي. وقد سمح للشباب بالخلط بين الواقع والخيال من خلال دعايته الممتازة واستخدامه وسائل التواصل الاجتماعي. وساعده في ذلك الاعلام العالمي بنشْر عملياته ووسائله الدعائية. لكن كل هذا ذهب مع الريح.

والواقع ان وضْع «داعش» اليوم دفعه الى التحاور مع أعدائه في تنظيم «القاعدة». وقد حصلتْ عدة لقاءات في ادلب ما سيضطر ابو محمد الجولاني الى تغيير تنظيمه من جديد (من النصرة الى فتح الشام الى هيئة تحرير الشام). اي ستبدّل القاعدة لباسها من جديد لأنها لم تعد تُعرف باسم «المعتدلين» من قبل وسائل الاعلام والديبلوماسيين والمسؤولين.

وسيتوجب على «القاعدة» الانصياع الى تركيا التي وعدتْ بالسيطرة عليها بعدما أُعلنت ادلب مدينة خارج التقاتل وضمن مدن خفض التوتر. وسيضطر الجولاني لإقناع أعداد كبيرة من المهاجرين بالانسحاب ولكن «القاعدة» ستُبقي على تواجدها في بلاد الشام، اذ لا يمكن ان تتخلى عن سورية وستعمل تحت الأرض لإبقائها على موقع قدَم.

وقد اعتمدتْ «القاعدة» على مبدأ الفوز «بالعقول والقلوب» على عكس أسلوب داعش، وهي استخدمت هذا المبدأ منذ أعوام عدة. وقبِل أيمن الظواهري بانضمام الجولاني له لمصلحة الطرفيْن: حمى الجولاني نفسه من زعيمه وأميره البغدادي بانفصاله عنه. واعترف الظواهري بالجولاني لانه زاد من شعبية ونفوذ الظواهري الفخرية.

و«القاعدة» تتواجد في 50 دولة على الرغم من اصطياد الطائرات الأميركية من دون طيار لأكثر من 60 قيادياً منها، إلا أنها تكيّفتْ مع الوضع وأبقتْ ثقلها في اليمن وسورية.

غير ان اجتماع التنظيمين الخاسريْن طبيعي لأنهما يحملان الايديولوجية والعقيدة نفسها ولكن الأهداف السياسية تبقى بحاجة الى تفاهُم. وما دام البغدادي على قيد الحياة – هو الذي أعلن نفسه الخليفة للمسلمين جميعاً – ستبقى المشكلة بلا حلّ. فالقاعدة تناقش مسألة الخلافة بأنها: من الممكن ان تكون خلافة خاصة مرتبطة بالزمان والمكان؟ ام هي خلافة حرب؟ ام خلافة عامة؟ وقد هيمن الشك على الجهاديين لإدراكهم ان هذه «الخلافة المبكرة» أضرّت بالأهداف الأساسية وبالتالي لن تعيش طويلاً ومحكوم عليها بالسقوط.

وتَعتبر «القاعدة» ان الوقت قد حان للعودة الى العراق، وقد دعا الظواهري أتباعه للاستعداد لذلك والعمل بطريقة مغايرة لـ «داعش». ولـ «القاعدة» حظوظ بالحياة اذا اعتمدت هذه الطريقة وتعاونت مع المحليين وفي الوقت نفسه اذا فشلت بغداد بعلاقتها مع المناطق السنية وأبنائها.

وهكذا اذا قُتل البغدادي تموت البيعة معه وتَسقط سلالة «داعش» كدولة. اذاً ستنهض «القاعدة» أقوى من «داعش» مع قاعدة صلبة لها أتباع في دول عدة وخبرة طويلة. وهذا لا يعني ان التنظيمات الدينية المتطرّفة لديها هرَمية (اذا قتل الزعيم تنتهي) ولكنها تعمل افقياً (اي يمكن للعديد من المسؤولين أخذ مكان الزعيم)، اذ هناك دائماً مَن يقود التنظيم في حال تَعرُّضه لنكسة. وفي حالة «داعش»، لقد أُعطيت الخلافة للشخص (ابو بكر البغدادي) و«للدولة» التي امتلكها وسيطر عليها وللأموال التي بذلها لإنشاء فروع لها في كل مكان. ومع إزاحته وفقدان الأراضي والمال (من الطبيعي ان يكون «داعش» قد دفن اموالاً لاستخدامها في حال السقوط)، فان داعش سيصبح أضعف من أيّ فرع أنشأه أيام قوّته.

وهكذا فان عَصْر الزرقاوي «الذبَّاح» (الذي اعتبر اسلوب بن لادن ناعماً بالتعامل مع الدول الاسلامية والطوائف المسلمة) وعصر البغدادي (الذي استهزأ بالظواهري) قد تلاشى. وها هو الخطر يقترب أيضاً من «القاعدة». لذلك فان المجموعتين مجبرتان على التعاون من دون الدمج بالضرورة. لن يستطيع «داعش» المتشدّد التأقلم مع «القاعدة» في سورية المتسامحة (للتمكين) والمتعاونة مع «ملحدي» الجيش الحر او التنظيمات المتعددة الولاءات الخارجية. بل سيجبر «داعش» على التأقلم مع الظواهري وجماعته الذين يختلفون عن الجولاني (المعتبَر خائناً).

ومما لا شك فيه ان تنظيم «داعش» يتحضّر للأيام السود. لقد فَقَدَ موارده الأساسية من النفط ولم يعد يستطيع فرْض الضرائب التي درّتْ عليه الملايين من الدولارات يومياً. الا ان قيادته تعي اليوم أنها هُزمت وخصوصاً بعد خسارة الموصل والرقة ودير الزور.

ويتعيّن على كل من المجموعتين (داعش والقاعدة)، كما ذكر آنفاً، وضع خلافاتهما جانباً لايجاد أرضية مشتركة، وهذا الأمر ليس سهلاً ولا مستحيلاً. والتعاون بين الطرفين سيصبح واقعاً مفروضاً سيُترجم في الاسابيع المقبلة لتوحيد الجبهة ضد أعدائهما المشتركين وستبصر الهدنة بينهما النور قريباً.

مع الأسف ان انتهاء الحرب في سورية والعراق لا يعني أبداً ان مشاكل الشرق الأوسط قد انتهت.