قراءة ما بين السطور في الإتفاق الروسي-الأمريكي بشأن سورية

قراءة ما بين السطور في الإتفاق الروسي-الأمريكي بشأن سورية

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٣ نوفمبر ٢٠١٧

بعد مضي ست سنوات من الحرب وسفك الدماء والأزمة في سوريا، ومقاومة القوات المسلحة للبلاد ضد الجماعات الإرهابية ونجاحها في هزيمة هذه الجماعات والسيطرة على معظم أراضي سوريا، تتحرك القوى المحلية والدولية صوب نهاية هذه الأزمة الإقليمية والعالمية المعقدة. وفي هذا السياق، فإن دور الاتفاقات بين القوى الإقليمية والدولية الفاعلة أمر بالغ الأهمية في مستقبل التطورات ونجاح المحادثات والمفاوضات.

وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية، ان الرئيسين الامريكي والروسي، بكونهما قوتين رئيسيتين في التطورات السورية، اتفقا على بيان مشترك حول سوريا يوم السبت 11 نوفمبر في فيتنام. ويركز الاتفاق على توحيد الجهود لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، كما أكد الجانبان على أهمية الحد من العمليات العسكرية كحل مؤقت لإيجاد حل دائم ومستقر لسوريا.

 كما اتفق بوتين وترامب على ضرورة استمرار جسر التواصل بين البلدين من اجل منع نشوب صراعات المحتملة، وخاصة من قبل القوات المدعومة في الحرب. ودعا البيان في الوقت نفسه جميع الاطراف السورية للمشاركة في محادثات جنيف.

 وعلى الرغم من ان الجانبين اتفقا على قضايا رئيسية مثل مكافحة الارهاب والتركيز على الحل السياسي للازمة والحفاظ على سيادة ووحدة البلاد، فهنالك سؤالا يطرح نفسه وهو، نظرا لسياق التطورات الحاصلة وتضارب المصالح بين الطرفين في هذه القضايا، ما هي نسبة تنفيذ هذا الاتفاق على ارض الواقع؟

جنيف ام استانة؟

النقطة الأولى تتعلق بالمفاوضات السياسية. على الرغم من أن الجانبين شددا على اهمية التسوية السياسية للأزمة عن طريق محادثات جنيف، إلا أن تحقيق مثل هذه الأمر يبدو مستبعدا بسبب وجود بعض الحواجز. إن التركيز والاهتمام الخاص لإيران وتركيا وروسيا بصفتهم الجهات الفاعلة الرئيسية الثلاثة المشاركة في الأزمة على محادثات استانة وسعيهم للخروج من الأزمة من خلال الاعتماد على هذه المفاوضات، ستمنع الاعتماد فقط على محادثات جنيف وتمنع تجاهل نتائج ومخرجات محادثات استانة.

ويجب القول في هذا الأمر، ان الانتهاكات المتكررة والتدخلات الأمريكية في سياق هذه المفاوضات، فضلا عن عدم التوصل الى حلول مناسبة وعدم تعيين حل ملائم وحاسم لإحلال السلام والاستقرار في سوريا، جعل من الصعب رؤية أفاق واضحة لمفاوضات جنيف.

وتتجه ادارة ترامب الى اتفاق حول محادثات جنيف بعد القضاء على تنظيم داعش، الأمر الذي لم يؤد بعد إلى أي نتيجة من شأنها أن تعود بالنفع على الشعب والحكومة السورية من خلال هذه المحادثات. لذلك يُتَوقع ان تواصل روسيا نهجها بتنفيذ آليات محادثات استانا التي تركز اساسا على الجانب العسكري للحد من الصراعات، والى جانب ذلك، تحيل الشؤون السياسية الى محادثات جنيف لتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 2254.

منع الاتشباكات العسكرية

في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة هزيمة تنظيم داعش الارهابي في شرق سوريا، تحاول الولايات المتحدة تعزيز قوات المشاة العسكرية التابعة لها، اي قوات سوريا الديموقراطيّة، في هذه المناطق، وذلك من أجل تعزيز نفوذها على المناطق الحدودية الشرقية من سوريا وغرب العراق.، وبالتالي فإن الجيش الأمريكي يعمل على توسيع نطاق اتفاق "منع الاشتباك العسكري" مع الجيش الروسي وحلفائه في سوريا.

وكان هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في منتصف عام 2007 في العاصمة الأردنية عمان، يشمل سيطرة "قوات سوريا الديموقراطيّة" على الجزء الشرقي من نهر الفرات مقابل سيطرة القوات السورية على غرب الفرات، باستثناء عدد قليل من المناطق.

ويتضمن نطاق المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية باتجاه مدينة الطبقة، ونطاق المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوري باتجاه مدينتي الميادين والبوكمال. في الواقع، يريد الأمريكيون تعزيز وجودهم العسكري، دون أي صراع أو توتر محتمل مع الروس من خلال وجود القوات الكردية، أولا بحجة توفير الظروف المناسبة لتواجدهم في سوريا، وثانيا، السيطرة الجغرافية على هذه المنطقة الهامة والاستراتيجية ومنع التقاء وإتصال قوات محور المقاومة في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا.

الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها

ثمة مسألة هامة أخرى في الاتفاق بين رئيسي البلدين، هي التأكيد على وحدة الاراضي السورية. فبالإضافة إلى روسيا، فإن إيران وتركيا، بوصفهما فاعلين رئيسيين في التطورات السورية، يطالبان بالحيلولة دون تقسيم سوريا، ويرون ذلك كجزء من سياستهم الاستراتيجية تجاه مستقبل التطورات السورية.

في حين أن الهدف الاستراتيجي الطويل الأجل للولايات المتحدة من دخولها في الأزمة السورية وتشبثها بها هو تقسيم هذا البلد. إن تقسيم سوريا سيعطي حيزا جديدا للنظام الصهيوني ليستعيد انفاسه في الشؤون الإقليمية، لأنه سيقضي على احد أعداء هذا النظام في المنطقة فضلا عن أحد أهم أطراف محور المقاومة.

ومن ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي هذا الحدث إلى تقليل القوة الإقليمية لإيران. لذلك يمكن القول بأن الاتفاق على حفظ وحدة الاراضي السورية من قبل الولايات المتحدة هو نوعا ما إجبار امريكا بقبول حقيقة الظروف السورية بعد انتصار التحالف الروسي ومحور المقاومة في استعادة مناطق مختلفة من المعارضة.

ومن ناحية أخرى، ووفقا للاتفاقات السابقة بين روسيا والولايات المتحدة في سوريا لوقف إطلاق النار، فإن الأميركيين أظهروا مرارا وتكرارا أنهم لا يلتزمون بشكل عام بالاتفاقات. وفي هذا السياق ايضا، فإن مصير الأكراد والمتمردين السوريين المدعومين من قبل الولايات المتحدة مجهول حاليا حيث انهم مستعدون للتماشي مع أمريكا من أجل تحقيق الاستقلال.

وتشير كل هذه الظروف على أنه على الرغم من الإعلان عن ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا وعدم تقسيمها، فإن ما هو مهم في نهاية المطاف للأميركيين هو إضعاف النظام والحكومة السورية.

استمرار دحر تنظيم داعش الارهابي

من النقاط المهمة في هذا الموضوع، أولا، تواجد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في سوريا تحت ذريعة مكافحة تنظيم داعش وذلك دون إذن من الحكومة المركزية والشرعية للبلاد.

والآن بعد أن فقد تنظيم داعش غالبية المناطق التي تسيطر عليها في سوريا، فإن السؤال هو، ما الغاية من تأكيد الولايات المتحدة بضرورة مكافحة هذا التنظيم بعد ان تم دحره في العديد من المناطق؟

والحقيقة هل أن استمرار دحر التنظيم بمعنى مواجهة العناصر المتبقية من تنظيم داعش في المناطق التي أعيد الاستيلاء عليها من هذه الجماعة الإرهابية التي توفر الارضية المناسبة للتواجد الأمريكي الطويل الأمد في سوريا، ام بمعنى مكافحة الحواضن الاجتماعية التي كوّنت أيديولوجية الفكر الداعشي، حيث ينبغي القضاء على هذا الفكر في المدارس المتطرفة التي يدعمها حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل المملكة العربية السعودية وبعض الحلفاء الغربيين الآخرين في المنطقة، وليس في سوريا.

ولذلك، يمكن الاستنتاج بأن هدف الولايات المتحدة من مواصلة محاربة تنظيم داعش، هي خطة الإدارة الأمريكية الجديدة لزيادة وجودها في غرب آسيا، والسيطرة على إيران واحتوائها، وتوفير أمن استراتيجي، أي أمن النظام الصهيوني وتنفيذ سياساتها ومصالحها. ان الولايات المتحدة الامريكية لم تدخل الى سوريا ابدا لمحاربة الإرهاب، لكي تريد الان وفي نهاية الأمر، بالقضاء على التنظيم، ترك البلاد.