"تقليم الأظافر" واستراتيجية الردع الصهيونية.. الأهداف وضرورة المواجهة

"تقليم الأظافر" واستراتيجية الردع الصهيونية.. الأهداف وضرورة المواجهة

أخبار عربية ودولية

الخميس، ١٦ نوفمبر ٢٠١٧

أتت الضربة الإسرائيلية الأخيرة لنفق المقاومة الفلسطينية جنوب قطاع غزة وما تبعها من ردود أفعال وتصريحات من المقاومة أو المسؤولين الإسرائيليين لتؤكد على وجود سياسة ردع جديدة يحاول العدو تثبيتها في مواجهة فصائل المقاومة.

في سياسة الردع على قاعدة المجازات، يسعى اللاعب "ألف" ومن خلال التهديد أن يُفهم اللاعب "ب" بأنه وفي حال القيام بأي خطوة مؤذية سيأتي الردّ قاسيا مستهدفا الأوراق الثمينة التي يمتلكها الأخير. حيث ومن خلال حسابات الربح والخسارة التي يقوم به اللاعب "ب" سيجد نفسه أمام واقع أن مقدار الخسارة تزيد عن الربح المأمول.

الواقع أن هناك نوعين من استراتيجيات الردع، القائمة على المجازات والقائمة على المنع من تحقيق الأهداف. سياسة الردع على قاعدة المجازات (التي بيّناها باختصار)، وفي حال وصل اللاعب "ب" من خلال حساباته الربحية إلى نتيجة تقول أن الربح أكثر من الخسارة حينها تكون استراتيجية الردع المتبعة قد فشلت في تحقيق أهدافها.

أما سياسة الردع من خلال المنع من تحقيق الأهداف فلا تعتمد التهديد كما الأخرى. بل تقوم على أساس آخر وهو السعي من قبل اللاعب "ألف" لمنع أي خطوة مؤذية من جانب اللاعب "ب" لأنها لن تحقق النتائج والأهداف السياسية والعسكرية التي يهدف إليها. ونجاح هذه السياسة يعتمد بشكل كبير على قدرة اللاعب "ألف" على توصيل الرسالة للاعب "ب" أي أن يُدرك "ب" أن حركته الهجومية العنيفة عادة لن تحقق أهدافه المرجوة. وفي حال تمكن "ألف" من إقناع "ب" بهذا الأمر، عمليا تكون سياسة الردع قد حققت الهدف.

هنا يمكن طرح ثلاثة مفاهيم مهمة مرتبطة بسياسة الردع الناجحة. مفاهيم لا يمكن من دونها الوصول إلى الهدف المطلوب وهي:

قنوات الاتصال: بمعنى أن يتمكن اللاعب "ألف" من إيجاد قنوات اتصال يمكن من خلالها إفهام اللاعب "ب" حقيقة الخطوط الحمراء وحدود اللعبة. وعادة هي قنوات دبلوماسية واستخباراتية وعملياتية أيضا.

مفهوم القدرة والمنطق: أي أن يكون اللاعب "ألف" يمتلك القدرة الحقيقية على توجيه ضربات موجعة للاعب "ب" من جهة، ومن جهة أخرى أن يكون اللاعب "ب" قد أدرك حقيقة هذه القدرة ليدرجها في حسابات الربح والخسارة قبل الخوض بأي خيار مؤذي.

الثقة: ثلاثة عوامل تؤدي باللاعب "ب" إلى الثقة (إن صحّ التعبير) بتهديدات عدوه "ألف". أن يُدرك "ب" أن التهديد حقيقي من قبل اللاعب "ألف"، وأن يكون التهديد عقلانيا ومنطقيا، وأن يكون احتمال تنفيذ التهديد من قبل "ألف" في حسابات "ب" عاليا.

 بعد هذا العرض المقتضب يمكن قراءة سياسة الردع الصهيونية في مقابل حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، هي في الواقع سياسة الجمع بين القوة العسكرية من خلال ضربات موضعية مؤلمة والتهديد بالمجازات. وهذه السياسة يهدف من خلالها الصهاينة للوصول إلى مرحلة منع الضربات المؤذية من قبل المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى عكس صورة عامة لنوع من السيطرة الكلّية على اللعبة في مواجهة هذه الفصائل. يُمكن وصف هذه الضربات العسكرية ضمن سياسة الردع الكلية بعملية "تقليم الأظافر" أو"سحب الأنياب" ففي حالة عدم المقدرة على هزيمة العدو يمكن توجيه ضربات موضعية له بين الحين والآخر تساعد في تثبيت سياسة الردع وتمنعه من تقوية بنيته. الواقع أن هذه السياسة توصل الرسالة بشكل محسوس للاعب "ب" ودون الحاجة لأي قنوات دبلوماسية وغيرها.

الواقع أن الصهاينة يسعون اليوم لتثبيت هذه السياسة وهم ينفذونها بشكل متواصل في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية، إضافة إلى حزب الله بشكل أكثر حذر. طبعا حزب الله تمكن إلى اليوم من تثبيت معادلة ردعه الخاصة الشبيهة إلى حدّ ما بالمعادلة الإسرائيلية التي يحاول الصهاينة تثبيتها. انطلاقا من هنا يجب الحذر من احتمال أن يتمكن العدو الصهيوني من تثبيت معادلته من جهة والسعي للمحافظة على التفوق المعنوي لقوة ردع فصائل المقاومة وحزب الله في لبنان.

ختاما من المهم الإشارة إلى أمر مهم جدا وهو أن هذه السياسة الإسرائيلية لها دلالاتها البعيدة التي تؤكد أن الكيان الإسرائيلي وعلى رغم سعيه لإضعاف حركات المقاومة بات مقتنعا بأنه غير قادر على إزالتها بشكل كامل ولذلك يكتفي اليوم بهذا المقدار من تقليم الأظافر الذي ولو شكل بعض الأضرار الموضعية لن يؤثر على المسيرة الاستراتيجية للمقاومة وخاصة في فلسطين المحتلة.