مستقبل الوهابية في السعودية في ظل الصراعات القائمة والأزمات المتلاحقة

مستقبل الوهابية في السعودية في ظل الصراعات القائمة والأزمات المتلاحقة

أخبار عربية ودولية

السبت، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٧

في ظل الأزمات المتلاحقة والصراعات الداخلية التي تشهدها السعودية منذ مدة ليست بالقصيرة، أثيرت الكثير من التساؤلات بشأن مستقبل الوهابية التي تتبناها المملكة منذ تأسيسها وحتى الآن.

قبل الدخول في تفاصيل هذا الموضوع لابدّ من الإشارة أولاً إلى وجود طيفين من الوهابية في السعودية، أحدهما لم يرضخ حتى الآن للتغييرات القائمة، والآخر قد رضخ وهو يمثل شريحة واسعة بينهم مشايخ السلطان.

كما تجدر الإشارة إلى أن مصير من لا يرضخ لقرارات ولي العهد "محمد بن سلمان" لن يكون مختلفاً عمّا حصل للأمراء. إذ إن حملة اعتقال هؤلاء كانت تمثل رسالة واضحة للتيار الديني "المتشدد" في البلد.

من جهة أخرى يدرك آل الشيخ أن عدم تماشيهم مع تغييرات بن سلمان قد يؤدي إلى حذفهم من معادلة الحكم الجديدة التي هي بمثابة انقلاب على "ميثاق الدرعية" الموقع بين "محمد بن سعود" و"محمد عبد الوهاب" في عام 1745.

فهذا الميثاق هو الذي أسس لعلاقة تاريخية بين السلطتين الدينية والسياسية، لكن الكلمة الأولى والأخيرة هي من حصة السلطة السياسية التي طوّعت رجال الدين لخدمة مصالحها.

ورغم الدعم الذي قدمه رجال الدين للحكومات المتعاقبة وحرصهم الدائم على الحؤول دون حدوث أي تغيير سياسي، لم يتمكن هؤلاء من منع حدوث حروب داخلية ونزاعات وانقلابات داخل البلاط الملكي.

وتنبغي الإشارة هنا إلى أن "عبد العزيز بن باز" هو الوحيد الذي ترأس ما يسمى "هيئة كبار العلماء" في السعودية من خارج أسرة آل الشيخ التي يعود نسبها إلى محمد عبد الوهاب. وقد يتكرر هذا الأمر قريباً بغية إضعاف أسرة آل الشيخ، وما يؤكد سكوت الكثيرين هو صمت "الدعاة" اثر اعتقال أقرانهم.

وهناك من يرى بأن السعودية لا تتمكن من الخروج من عباءة الوهابية، ومن بينهم الإعلامي السعودي المعروف "جمال خاشقجي" الذي يؤكد بأن ولي العهد يصعب عليه الخروج من المنهج السلفي المتشدد الذي ساد وحكم البلاد خلال العقود الثلاثة الماضية.

وقال خاشقجي في حوار مع (DW عربية) إن بن سلمان يعتبر الوهابية أساس بناء الدولة، لكنه اشتكى منها حينما قال "إننا لن نسمح أن نبدد 30 سنة أخرى تحت هذا الفكر المتطرف" وهذا بحد ذاته يمثل اعترافاً صريحاً من ولي العهد بأن السعودية كانت متطرفة خلال العقود الماضية.

وأشار خاشقجي إلى أن 95 في المائة من المعتقلين هم إمّا قوة إصلاحية أو أشخاص يدعون إلى الإصلاح والاعتدال والعصرنة، وبالتالي هناك حاجة ماسّة للتأكيد من هم المقصود بالمتشددين الذين يعارضون "الإصلاحات"، إذ سيبقى البعض من رجال الدين يعارضون مثلاً إعطاء المرأة حقوقها، لكنهم ليسوا بالقوة التي تسمح لهم بمنع هذا التوجه.

ويبقى السؤال: هل سيتأقلم علماء الوهابية في السعودية مع التغييرات الجديدة؟ للإجابة عن هذا التساؤل نشير إلى ما ذكره المتخصص في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية "نبيل مولين" خلال مقابلة مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية التي سألته عن مدى تأثر علماء السلفية بالتغييرات الجديدة في المملكة، حيث أكد أن السعودية لا يمكنها أن تقطع نهائياً صلتها بالوهابية رغم الإصلاحات الظاهرية التي تم اتخاذها، مشيراً كذلك إلى أن فقهاء الوهابية، والثروة النفطية، يشكلان معاً أهم ركائز النظام الحاكم في المملكة.

وأعرب مولين عن اعتقاده بأن بن سلمان يعي جيداً هذا الأمر، ولذلك غالباً ما يتحين الفرص للتعبير عن تعلقه برجال الدين، خاصة مفتي المملكة، منوّهاً في الوقت ذاته إلى أن شيوخ الوهابية قد تأقلموا مع طروحات بن سلمان وقدّموا تنازلات في سبيل الحفاظ على مصالحهم ما يشي بأنهم يسيرون مع التيار الذي يريد أن يفرض نفسه على المملكة في نهاية المطاف.

ويؤكد المراقبون بأن "محمد بن سلمان" قد جرّ البلاد إلى سلسلة من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي انعكست بشكل مباشر على حياة المواطن في ظل تفاقم حالة التقشف، فضلاً عن تورط المملكة في حروب لم تجلب لها سوى الأفول وتحديداً العدوان على اليمن، وما يفعله ولي العهد اليوم من حملات اعتقال لرجال الدين والإعلام تأتي في صلب محاولاته لإخافة أبناء عمومته وإحداث ضجّة لإخفاء الواقع المتأزم في المملكة.

خلاصة يمكن القول بأن الانقلاب الذي يعمل عليه بن سلمان لن يغيّر الكثير من سياسة المملكة في الداخل والخارج، وأن ما يقوم به يهدف في الحقيقة لاقتناص أكبر قدر ممكن من السلطة، وإدخال الرعب في نفوس المشايخ كي يتمكن من تحقيق طموحاته وتهيئة الظروف لخلافة والده "الملك سلمان" الذي يعاني من الأمراض والتقدم في العمر.