شرق الموصل يتنفس … مجدداً

شرق الموصل يتنفس … مجدداً

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٣ يناير ٢٠١٨

على الضفة الغربية من دجلة، لا يزال الدمار شاهداً على قساوة المعارك ضد الإرهابيين في الموصل. لكن، عند الضفة الأخرى من النهر، يستأنف السكان حياتهم عازمين على تعويض ما فات في القسم الأقل تضرراً من ثاني أكبر مدن العراق.
ومنذ استعادة القوات العراقية السيطرة على المدينة الشمالية من تنظيم “داعش”، عاد المتعهدون والمستثمرون إلى الشطر الشرقي من المنطقة التي كانت مركزاً تجارياً إقليمياً.

“كسرنا حاجز الخوف” عبارة يكررها السكان، ولا سيما النساء والشباب، مصرين على بث روح جديدة من الحرية في المدينة التي يعرف عنها أنها محافظة، وأصبحت بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 معقلاً لتنظيم “القاعدة”، قبل وصول “داعش”.

وفي دلالة على العهد الجديد، وجدت نسرين (31 سنة) وظيفة كبائعة في متجر للملابس التركية فتح أبوابه قبل أقل من شهر. وحتى قبل دخول الإرهابيين، لم تكن نسرين تتخيل أنها ستتمكن يوماً من العودة إلى منزلها عند العاشرة ليلاً، بعد يوم عمل طويل.

وعلى رغم حلول الليل في شرق الموصل، فإن نسرين، بحجابها الأحمر القاني الذي يظهر الجزء الأمامي من شعرها، لا تزال تقدم النصائح للزبائن داخل المتجر.

في واجهة العرض، تماثيل بلاستيكية ألبست تنانير تصل إلى ما فوق الركبة، إلى جانب مكبرات صوت تبث بصوت مرتفع أحدث الأغاني الآتية من أميركا اللاتينية أو لمغنيات لبنانيات ومصريات.

وسط سراويل الجينز الضيقة والقمصان الملونة، تتذكر نسرين السنوات الثلاث التي عاشها حوالى ثلث العراق تحت حكم “داعش” وانتهاكاته باسم الإسلام السني، الذي هو أقلية في العراق، لكنه غالبية في الموصل.

وتقول الشابة لوكالة “فرانس برس”: “عانينا الاكتئاب والجوع والدمار والاضطهاد. إنها معجزة أننا ما زلنا على قيد الحياة”. وتضيف: “عشنا كابوساً طويلاً، والآن صحونا واختلف كل شيء”.

وتقول رحمة (21 سنة) التي تدرس الترجمة في “جامعة الموصل” إنه “تحت حكم الإرهابيين، كان إذا عثر على شاب وفتاة معاً، فقد يواجهان الإعدام”.

وتوضح رحمة أن “عمل الفتيات خارج المنزل ومع الرجال، حتى قبل دخول الإرهابيين عام 2014 لم يكن أمراً يمكن تخيله. أما اليوم، فهناك تسع نساء من بين 22 موظفاً في المتجر الذي تعمل فيه نسرين”.

ويقول زياد الدباغ، الذي افتتح لتوه مطعماً في حي الزهور التجاري في شرق الموصل، إنه في السابق “كان سكان الموصل يذهبون إلى محافظات أخرى في العراق بحثاً عن الترفيه”.

على ثلاث شرفات وفي أربع قاعات، تتوزع عائلات لتناول العشاء ومجموعات من الشبان الذين يحتسون الشاي.

وتقول رؤى الملاح (34 سنة): “كان الأمر كما لو كنا قد ضعنا في وسط الصحراء، انقطعنا عن كل شيء وفجأة اكتشفنا أنه كان بإمكاننا أن نرفّه عن أنفسنا”.

وفي المبنى المجاور، خلف باب زجاجي ووسط سحابة من دخان “النراجيل”، ثمة رجال يحملون بأيديهم أوراق اللعب، وآخرون يتحلقون حول طاولة بلياردو وهم يشربون العصائر.

فتح مازن عفيف محله في أيار الماضي، فيما كانت المعارك تتواصل في الشطر الغربي من المدينة. ويجسد نادي البلياردو هذا، بمدخنيه وموسيقاه كابوس المتطرفين الذين كانوا يفرضون القانون “منذ أكثر من عشرة أعوام”.

ويقول الخمسيني الذي يجلس أمام طاولة عليها دفتر حجوزات البلياردو: “بعد الساعة السادسة مساء، كانت الطرقات تخلو من الناس. أما اليوم، فتمكنني العودة إلى منزلي عند الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، من دون خوف”. ويضيف: “هذه حياة جديدة تبدأ، بكل ما للكلمة من معنى”.

وتسعى نسرين إلى الاستفادة من تلك الحياة إلى أقصى حد، خصوصاً مع ابنتها التي تبلغ من العمر 14 سنة وفقدت عامين من الدراسة في ظل حكم الإرهابيين.

وتؤكد نسرين أن ابنتها “ستلتحق بالمدرسة مجدداً وستتابع دراستها لاحقاً”، مشددة على أن “راتب المرأة هو سلاحها. والجيل الجديد، سيكون مسلحاً في شكل جيد”.
***

شبان يلعبون البلياردو داخل مقهى شرق الموصل