أشهر أمراء “ريتز كارلتون” الى الحرية…. حملة مكافحة الفساد في السعودية إلى اين؟

أشهر أمراء “ريتز كارلتون” الى الحرية…. حملة مكافحة الفساد في السعودية إلى اين؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ٢٨ يناير ٢٠١٨

فُتحت أخيراً أبواب فندق “ريتز كارلتون”- الرياض الذي تحول منذ تشرين الثاني الماضي السجن الاكثر فخامة في العالم، ليخرج منها رئيس شركة المملكة القابضة الوليد بن طلال، الامير الاكثر شهرة بين عشرات آخرين احتجزوا في سياق حملة مكافحة الفساد في السعودية. وجاء اطلاقه بعد ساعات من اطلالته الاعلامية الاولى التي أعلن فيها أن “هناك سوء فهم يجري توضيحه”، وأن قضيته أوشكت الانتهاء، وسيستعيد حريته قريباً.

وأعادت الاطلالة المفاجئة للوليد تركيز الضوء على حملة مكافحة الفساد التي أطلقتها السعودية أخيراً واعتبرت اختباراً للقيادة الجديدة في المملكة التي دشنت تحولات كبرى في السياسة والاقتصاد والمجتمع السعودي. كما أثار اطلاق الوليد تساؤلات عما بعد صفحة “ريتز كارلتون” الفندق الشهير الذي تحول على مدى أكثر من 80 يوماً سجناً بخمس نجوم.

وقبل الوليد، تحدثت مصادر متطابقة عن اطلاق سلطات المملكة رجل الأعمال مالك مجموعة “إم بي سي” وليد بن ابرهيم آل إبرهيم،و خالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السعودي خلال عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز اللذين كانا موقوفين أيضاً في اطار الحملة.

وأفرج ايضاً عن الأمير تركي بن ناصر بن عبدالعزيز. ونشر الأمير سطام بن خالد آل سعود عبر حسابه في “تويتر” اليوم الجمعة، صورة للأمير معلقا عليها: “الحمدلله على السلامة سيدي”، في إشارة إلى إطلاق سراح الأمير تركي.

وفي ما اعتبر انقلاباً أبيض، احتجزت السلطات السعودية عشرات الأشخاص، من بينهم أمراء ووزراء حاليون وسابقون ورجال أعمال، في الرابع من تشرين الثاني بعدما أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز، تشكيل لجنة مكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.

ومذذاك، كثرت التقارير عن تحقيقات واتهامات بالرشى وتبييض اموال وابتزاز مسؤولين أعقبتها مفاوضات وتسويات بين السلطات والمحتجزين. وقد توصل بعض الموقوفين إلى تسويات مع السلطات وأفرج عنهم، بمن فيهم الأمير متعب بن عبد الله الذي أطلق بعدما احتجز لأكثر من ثلاثة أسابيع. وقالت تقارير إنه وافق على دفع أكثر من مليار دولار أميركي.

ويوم الاربعاء الماضي، أعلن المدعي العام الشيخ سعود المعجب أن المعتقلين الذين وجهت اليهم اتهامات ورفضوا “تسويات مالية” أحيلوا على النيابة العامة، وأن “التسويات التي وافق عليها غالبية الموقوفين تضمنت مبالغ نقدية وعقارات وأصولاً أخرى”. وكشف أن اللجنة استدعت 350 شخصا، وأن بعض الموقوفين وافقوا على إبرام تسويات، بينما أسقطت التهم عن 90 موقوفا وأطلق سراحهم، فيما لا يزال 95 آخرون قيد الاحتجاز.

ومع اعلان فندق “ريتز” اعادة استقباله حجوزات بدءا من 14 شباط المقبل، أفادت تقارير اعلامية أن غالبية الموقوفين الباقين نقلوا الى سجن الحائر، الواقع على مسافة 25 ميلاً جنوب وسط الرياض.

وفي تغريدته على “تويتر” أكد المدعي العام عدم وجود أي انتهاكات بحق الموقوفين، وأن جميعهم مُكنوا من الاستعانة بمحامين، وأن لا قيود على تحركات المطلق سراحهم.

وتسعى السلطات إلى التوصل لتسويات مالية مع معظم المشتبه فيهم، وهي تعتقد أنها قادرة على جمع نحو 100 مليار دولار للحكومة بهذه الطريقة، وهو ما يمثل مكسبا كبيرا للمملكة بعد أن تقلصت الموارد المالية بفعل انخفاض أسعار النفط.

ماذا بعد الريتز
وفي اي حال، تشير التسويات التي جرت في الآونة الأخيرة إلى أن الحملة اقتربت من نهايتها، الا أن أسئلة كبيرة أثيرت منذ البداية ستبقى عالقة، وخصوصاً لجهة ما اذا كان ما حصل هو بداية نهاية الفساد الذي يغزو المملكة، أم أنه تعزيز للقبضة السياسية للأمير محمد بن سلمان على السلطة.

ففي سياق المشهد السياسي الجديد في المملكة والتغييرات البنيوية في الحكم، يقر الباحث في معهد “أتلانتيك كاونسيل” محمد اليحيى بأنه من الصعب المجادلة بأن حملة قاسية كهذه لا تكتسب أبعاداً سياسية. ومع ذلك أكد أن تبعاتها الاقتصادية ذات دلالات كبيرة للبلاد، وخصوصاً أن استئصال الفساد ضروري للاستمرار السياسي والاقتصادي للدولة السعودية.

ويقول مؤسس الشركة الاستشارية “غالف ساليت أناليتيكس” جيورجيو كافيرو أن “ثمة احتمالا كبيرا في أن يكون ( اطلاق الوليد بن طلال) نهاية المرحلة الاولى وأن مزيدا من الاعتقالات ستحصل في وقت لاحق هذه السنة”.

كثيرة هي التقارير التي تتحدث عن الفساد في السعودية، الدولة الغنية بالنفط. من مشاريع تكلف أكثر من قيمتها الحقيقية بملايين الدولارت، الى أخرى يستغرق انجازها اضعاقاً مضاعفة للفترة المطلوية، مع ما يكبد ذلك الخزينة أموال اضافية. وغالباً ما كانت السلطات تغض الطرف عن هذا الفساد، إما لان المستفيدين منه هم من الاسرة الحاكمة، وإما لأن الاموال الكبيرة المتوافرة قادرة على تغطية التكاليف وأكثر.

ولكن مع تراجع اسعار النفط، واتجاه المملكة الى تنويع اقتصادها ووقف الهدر، بات الفساد يشكل عائقاً كبيراً أمام الاستدامة السياسية والاقتصادية.

ويقول اليحيى إن كل ما ورد ما نشر عن فساد وهدر في المملكة ليس الا رأس جيل الجليد، ونادراً ما ذهب عميقاً في كشف طبيعة ثقافة الفساد على كل المستويات الادارية منذ بدء تدفق عائدات النفط في سبعينات القرن الماضي. وإذ يرى أن البدء من قمة الهرم في مكافحة الفساد يكتسب دلالات سياسية ورمزية كبيرة، فإنه ليس الا الخطوة الاولى الضرورية لما يفترض أن يكون مسيرة طويلة لاجراء تغييرات بنيوية ترمي الى استئصال الفساد من البيروقراطية الحكومية الاوسع.

وفي ما يتعلق بثروات النخبة، قد تواجه السلطات السعودية عوائق قانونية وسياسية في استعادة أموالها. ففيما يعتقد أن غالبية المشتبه فيهم الذين احتجزوا في فندق “ريتز” اختلسوا مليارات الدولارات من عقود حكومية أو تورطوا في عمليات تبييض أموال أو فساد بطريقة أو بأخرى، يقول خبراء إن استعادة تلك الاموال لن يكون بالامر السهل، إذ إن غالبية الاثرياء أودعوا ثرواتهم في مصارف خارج البلاد، بعيداً عن متناول السلطات التي سيكون عليها تجاوز عوائق قانونية وسريات مصرفية لاستعادتها.

الى هذه الاموال، يشير اليحيى الى ثقافة الفساد في الادارات الحكومية والتي تكلف المملكة مبالغ طائلة ويصعب استئصاله، موضحاً أن بعض الكيانات الحكومية يستنزف أموالاً بسبب تسجيله أعدادا ضخمة لموظفين زائفين لم تطأ أقدامهم مكاتب تلك الادارات، ويكونون احياناً موظفين في منظمات حكومية أخرى ويتقاضون منها رواتب أيضاً، الامر الذي يؤدي الى خسائر لا يمكن تحملها.

ثمة اجماع على أن ما حصل في السعودية يوم الرابع من تشرين الثاني كان خطوة جرئية بلغتت مستوى الانقلاب الابيض الذي كسر المحرمات واخترق دهاليز الفساد التي بقيت طويلاً بمنأى عن الحساب. فثمة محاولات سابقة لمكافحة الفساد في المملكة بقيت عند مستويات حكومية متدنية ولم تتجرأ على الرؤوس الكبيرة التي كانت محمية وكان بعضها متورطاً حتى أذنيه في هذه الافة.

من هذا المنطلق، وجهت حملة اعتقالات “الريتز”، برأي اليحيى رسالة مقادها أن الحكومة الحالية ستطارد “الاوزان الثقيلة” والمسؤولين الكبار. وسواء أكانت دوافعها سياسية أم لا، فانها تظهر التزاماً للحد من الفساد على مستوى عال، ولكن مستوى متابعة هذا الالتزام يحدد يحسم اتجاه التحول الكبير في المملكة العربية السعودية.