«مشيئة الدولة» تحمي عفرين وأهلها؟ تيلرسون في أنقرة... بلا مترجمين

«مشيئة الدولة» تحمي عفرين وأهلها؟ تيلرسون في أنقرة... بلا مترجمين

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٦ فبراير ٢٠١٨

عادت القنوات الروسية التي تتوسط بين دمشق و«الوحدات» الكردية إلى النشاط، في محاولة جديدة للتوافق حول دخول الجيش السوري إلى منطقة عفرين. وأتى ذلك بينما وصل وزير الخارجية الأميركي أنقرة، للبحث في مخرج يراعي مصالح بلاده، للتوتر الذي أطلقته «غصن الزيتون» في الشمال السوري
توّجت زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، جهوداً ثنائية مكثّفة بين مسؤولي الولايات المتحدة الأميركية وتركيا، العسكريين والديبلوماسيين، تهدف إلى ضبط مجريات الشمال السوري في مسار يراعي مصالح الطرفين.
واستمر اللقاء بين أردوغان وتيلرسون لأكثر من ثلاث ساعات، وحضره وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي تولى مهمة الترجمة بغياب مقصود للمترجمين. وهي المرة الثانية التي يُحرم فيها مرافقو تيلرسون من دخول الاجتماع، وذلك بعد لقاء مماثل عقد قبل نحو عام من الآن، إضافة إلى أنّ التوتر بين واشنطن وأنقرة أفرز الكثير من المواقف المحرجة بين مسوؤلي البلدين، كان آخرها تكذيب الرئاسة التركية لنسخة البيت الأبيض عن محتوى الاتصال الهاتفي بين أردوغان ونظيره دونالد ترامب. وأثار الاجتماع الطويل الذي «استفرد» فيه أردوغان وجاويش أوغلو بتيلرسون مزحة لدى بعض المعلّقين ربطاً بتهديدات تركية سابقة تجاه الأميركيين بتوجيه «صفعة عثمانية»، بأن «اثنين ضد واحد» هو نزال غير عادل.
زيارة تيلرسون التي استبقت بلقاء وزيري دفاع البلدين، يتخللها بحث عدة ملفات عالقة، وتحتل العملية العسكرية التركية في عفرين الأولوية لكلا الطرفين؛ فأنقرة التي تنخرط أكثر في عملية «غصن الزيتون»، تطالب بسحب مقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية من غرب نهر الفرات، وإخراجهم من إطار «قوات سوريا الديموقراطية» التي ترعاها الولايات المتحدة، بينما تحاول الأخيرة ضمان استقرار المناطق التي تسيطر عليها في شرق الفرات، وهو استقرار تهدده العملية التركية التي تستنفر المقاتلين الأكراد وتشغلهم عن جبهات تحتاج إليهم واشنطن فيها، كما في دير الزور والرقة. ومن شأن مخرجات زيارة تيلرسون أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل المناطق التي تسيطر عليها «الوحدات» الكردية، التي تطالب واشنطن بالتدخل لحمايتها من الجيش التركي. ومن اللافت أن اليأس الكردي ــ حتى الآن ــ من احتمال تدخل أميركي لمصلحة وقف المعارك، أعطى دفعة إيجابية للمحادثات بين «الوحدات» والحكومة السورية، عبر الوسيط الروسي.
وتشير المعطيات إلى أن اليومين الماضيين شهدا توجّهاً كردياً نحو الموافقة على مطالب دمشق السيادية، بما يزيد احتمالات دخول قوات من الجيش السوري إلى عفرين، في حال تم التوافق على عدد من النقاط العالقة. ونقلت مصادر كردية أن الجانب الروسي عرض مجدداً دخول قوات من الجيش السوري إلى خطوط التماس مع القوات التركية، إلى جانب عودة قوات الشرطة والمؤسسات السيادية إلى مدينة عفرين ونواحيها. وكان نائب وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، قد جدد أول من أمس التأكيد على أن «عفرين جزء لا يتجزأ من الجمهورية العربية السورية»، وأن حكومة بلاده «تعمل ضد الوجود والعدوان التركي على عفرين والمناطق المجاورة»، وأن «سوريا ستعود موحدة». وجاء ذلك بالتوازي مع رفض «الوحدات» تصعيد «التحالف الدولي» ضد الجيش السوري وحلفائه في ريف دير الزور شرق الفرات، لضمان خط الإمداد الوحيد الواصل إلى عفرين. وتشير مصادر كردية إلى أن «مجلس دير الزور العسكري»، المنضوي ضمن «قسد»، هو من يخوض اشتباكات ضد الجيش في محيط ناحية خشام، لا «الوحدات». وهو ما انعكس في عدم نشر «الوحدات» أو«قسد» أي أخبار أو بيانات حول الضربات الأميركية التي استهدفت مواقع الجيش السوري وحلفائه هناك. وأتت الأخبار عن نشر قوات أميركية في منشأة غاز «كونوكو» لتعزز فرضية انكفاء المشاركة الكردية على تلك الجبهة.
ووفق التصريحات التي تلت لقاء وزيري الدفاع، الأميركي جايمس ماتيس ونظيره التركي نور الدين جانيكلي، تبدو واشنطن مصرّة عل اجتراح حل وسط بين الطرفين، إذ نقل الوزير التركي عن ماتيس قوله إن بلاده لا تدعم «الوحدات» الكردية في عفرين بالسلاح، إلى جانب تعهد بلاده بمساعدة أنقرة في العمل ضد «حزب العمال الكردستاني» في العراق. ونُقل عن ماتيس أنه قال لنظيره التركي إن واشنطن مستعدة «إذا لزم الأمر» لدفع «الوحدات» الكردية لمحاربة «العمال الكردستاني»، وعلّق المتحدث باسم الحكومة التركية، بكر بوزداغ، على تلك التصريحات بالقول إنها تدلّ على أن الإدارة الأميركية «لا تفهم تركيا أبداً». وأشار الوزير الأميركي إلى أن تعاون بلاده مع أنقرة سيستمر من دون انقطاع خلال الفترة المقبلة، داعياً تركيا من جديد إلى التركيز على مكافحة «داعش». وبدا لافتاً أن وزير الخارجية الأميركي استبق وصوله أنقرة بتصريح ينفي تسليم بلاده أيّ أسلحة لـ«الوحدات» الكردية.
وفي اليوم الأول من لقاءات جمعت وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، أمس، عبّر المجتمعون عن قلقهم إزاء التطورات في سوريا، وخاصة المنطقة الشمالية. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان، في تعليق على التوتر بين أنقرة وواشنطن في سوريا: «كنا في حرب أهلية، ونواجه الآن خطر اندلاع أزمة إقليمية كبرى». بدوره، أعرب وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل عن الأمل في أن «ينخرط الاتحاد الأوروبي في استئناف العملية السياسية في سوريا»، وأن يبذل كل ما في وسعه «في شمال سوريا لكي يتوقف التصعيد العسكري». وقالت وزيرة الخارجية النمسوية كارين كنيسل إن «هذا الوضع حرج جداً، حيث يتواجه الجيشان الأكبر في حلف شمال الأطلسي».
وفي موازاة التطورات السابقة، أقام الجيش التركي «نقطة مراقبة» جديدة في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وفق مخرجات اتفاق «خفض التصعيد» في أستانا. وأوضح بيان لرئاسة الأركان أن «القوات أنشأت نقطة المراقبة السادسة التي تحمل الرقم 8، في منطقة الصرمان» شرق معرّة النعمان. ومع استمرار الاشتباكات في عفرين، أعلنت الفصائل المسلحة العاملة تحت لواء أنقرة أنها سيطرت على بلدات كري وشربانلي وشديا، في ناحية راجو (شمال غرب)، لتكمل وصل مناطق سيطرتها هناك بالجيب الذي احتلته في ناحية شيخ الحديد، على حدّ قولها. وقالت أيضاً إنها سيطرت على قرية دورقلي في ناحية بلبل (شمال)، إلى جانب قرية ديوان فوقاني والتلال المحيطة بها، في ناحية جنديرس (جنوب غرب).
وعلى الجانب الآخر، جددت موسكو اتهامها الولايات المتحدة الأميركية باتباع خطوات تهدف إلى تقويض وحدة الأراضي السورية. وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن «الجيش الأميركي لا يزال يحتل مساحة قطرها 55 كيلومتراً بالقرب من التنف، والتي أصبحت مأوى لبقايا تنظيم داعش». وأضافت أن «الأميركيين قاموا بتحرّكات على الضفة الشرقية لنهر الفرات، واقتربوا من مواجهة مفتوحة مع الجيش السوري»، كما أنهم «يستفزون تركيا ويرسلون قوافل أسلحة للأكراد». وبالتوازي، التقى الرئيس فلاديمير بوتين الملك الأردني عبد الله الثاني، في موسكو، حيث بحثا تطورات الأزمة السورية.