اليمن من حرب الانفصال إلى حرب "التعالف" العربي... !!

اليمن من حرب الانفصال إلى حرب "التعالف" العربي... !!

أخبار عربية ودولية

السبت، ٣ مارس ٢٠١٨

محمد لواتي 
إن أي تغيير في موازيين القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح الاتجاه الانفصالي تقف وراءه "الإمارات العربية والسعودية" ولصالح إسرائيل وأمريكا، و تقتضي خطة التغيير محاصرة اليمن بافتعال الأزمات الدموية له، تحت مظلة محاربة المد الإيراني ! ! في إطار النظرة الأمريكية لعالم ما بعد الحرب الباردة ..تعيش جمهورية اليمن الإسلامية مند بداية الاعتداء عليها سعوديا فترة حادة في تاريخها الحديث، فمن أزمة الانفصال سابقا، إلى أزمة الصراع الدموي بينها و بين النظام ألسلالي في الخليج، الأزمة الأولى افتعلتها أطراف على علاقة مع مصر والسعودية لأسباب إستراتيجية ودينية، واليوم محاولة جادة من جانب السعودية ومن تحالف معها لإعراب هذا الجزء الإسلامي المهم وضع في فوضى سياسية واجتماعية، بدموية تفوق دموية هتلر قصد احتلال جزء هام منها ضمن ممرها المائي ذي الإستراتيجية العسكرية والاقتصادية على الخصوص، فعلى الجانب التاريخي توجد بين اليمن والسعودية قضايا جغرافية شائكة فهناك ثلاث مناطق مهمة اقتصادية يمنية تحتلها السعودية، وترفض رغم الاتفاقية المبرمة مؤخرا بين البلدين التسليم بالواقع التاريخي لها و– بالتالي - تسليم هذه المناطق لليمن كجزء من جغرافيتها، و تحاول إرغام الطرف اليمني على الاعتراف بملكيتها لآل سعود دون سند قانوني ، والسعودية تستغل الظرف اليمني تحت ضغط الحاجة، ومنها الحاجة الاقتصادية،و معلوم أن التوسع السعودي باتجاه اليمن هو إحدى السمات البارزة في سياستها الخارجية ، و قد كانت الحرب الانفصالية الأخيرة التي قادها سالم البيض وبتمويل سعودي جزء من هذه الرؤيا، و تؤكد بعض الأوساط السياسية في الحزب اليمني الشيوعي المهزوم أن اتفاقا سريا يكون قد تم بين هذا الحزب و أطراف سياسية سعودية باتفاق مسبق وأنه في حالة نجاح عملية الانفصال "انفصال الشمال عن الجنوب" فإن السعودية تستفيد من حق بسط سيادتها الدائمة على تلك المناطق وإلى الأبد، لكن الانفصال لم يتم و أنهي التمرد و تمكنت جمهورية اليمن من إعادة ترتيب بيتها السياسي بأعجوبة سياسية نادرة المثيل في تاريخ النزاعات الطائفية، وأعيد بعدها فتح ملف هذه المناطق، إلا أن الملف هذا تتجاذبه مواقف، أعلن عن البعض منها ولا زال الأهم منها محل جدل سياسي ، و يحاول الطرف السعودي الاستفادة من الوقت الضائع في انتظار افتعال أزمة جديدة لليمن وهذا ما حدث بالفعل، و يبدو هذا واضحا من التعزيز العسكري الأمريكي في الخليج، والذي ارتفع بشكل ملفت للانتباه بعد حرب الخليج ، فقد فتحت السعودية للقوات الأمريكية مطاراتها وموانئها وهي في حالة الطوارئ، فضلا عن القواعد العسكرية الأمنية الثابتة فيها منذ بداية الخمسينات، و سمحت قطر لأمريكا بتخزين معدات عسكرية تكفي لواء بكامل معداته، بينما تحولت البحرين إلى مزرعة عسكرية أمريكية، يصعب لدولة البحرين التحكم فيها والتخلص منها على المدى البعيد والقريب...فيما الإمارات أضحت بؤرة التوتر الدائم في المنطقة والوجه القبيح للسياسة الغربية والأمريكية فيها خارج هذا السياق المحموم لاستقطاب القوى الأمريكية بقواعدها العسكرية الثابتة والمتحركة فإن العراق و اليمن باعتبارهما خارج إطار ما اصطلح على تسميته بـ:"مجلس التعاون الخليجي" يبدو أنهما إطارين سياسيين مناهضين لأنظمة الحكم في المنطقة كلها، و قد كثفت الأحقاد على هذين البلدين من طرف الأنظمة المجاورة لهما بتسليط الحرب القذرة على العراق ووضع اليمن ضمن الدائرة السوداء ، و يتعرض الآن أيضا للتقسيم على بحر من الدماء والأشلاء انطلاقا من مبادرة الملك حسين و حسني مبارك وآل سعود ويبد ذلك في الواقع إنه جزء من مخطط "جيمي كارتر" وهو المخطط الذي أنشأ بموجبه مجلس التعاون الخليجي ..إن اليمن يتعرض الآن لضغوط لا تقل عن تلك الضغوط التي تعرض لها العراق، فقد ساندت جمهورية اليمن الإسلامية العراق، ورفضت أن تكون ضمن حلقات الموت التي تفرضها خطة كارتر، و تعرضت الجالية اليمنية - حوالي مليون شخصا- للطرد من السعودية دون تمكينها من أخذ حقها الذي يعطيها إياها القانون السعودي بسبب الموقف اليمني المؤيد للعراق.. من جانب آخر، فإن ديمقراطية اليمن التي يضبط قواعدها الإسلام، مكنت العلماء في هذا البلد من التعبير عن آرائهم والمساهمة في بناء الدولة اليمنية الحديثة في إطار إسلامي يقترب من إطار مشروع الدولة الإسلامية التي أقامها الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في المدينة المنورة، بخلاف الأنظمة المجاورة و التي نصت على المرجعية الإسلامية في نظام الحكم ألسلالي يناقض هذه المرجعية الإسلامية من جذورها بل ان الوهابية التي تستند إليها دينيا هي الوجه القبيح ل "داعش " وأخواتها ..هذا التوجه لعلماء اليمن أقلق الكثير من الدوائر السياسية إن في أنظمة الحكم ألسلالي أو في العالم الغربي، و تخشى على وجه الخصوص السعودية انتقال عدواه إلى علمائها والذين يخطبون يوميا و يقرؤون في خطبهم بأن الحكم يورث ، و لو كان يورث لورثه الأنبياء ، في حين هذا المنطق الديني الوهابي يجد صداه داخل مؤسسات الحكم في كل دول الخليج - ما عدا عمان - خلاف لما هو واقع في جمهورية اليمن، والذي يلعب العلماء فيها في تبيان النظام الجمهوري و تطويعه لنظام الشورى المنصوص عليه في الإسلام دورا بارزا و دون أي ضغط خارجي أو داخلي و قد حرك فعلا مجموعة كبرى من علماء السعودية للمطالبة بحقها السياسي ، وبحقها في النقد و الجهر بما هو مخالف للأصول الإسلامية وتحولت هذه المطالبة مع مرور الوقت إلى انتفاضات دموية، و لا زالت قائمة لحد الآن ، و ما تشبث الموقف السعودي بالمزيد من الدمار للشعب اليمني إلا حيلة منه للتغطية على ما جرى من غليان داخل المملكة و قد حاولت مؤخرا مؤسسته تلفزيون الشرق الأوسط "MBC "التغطية عن هذا الغليان بتوجيه أنظار الرأي العام الداخلي إلى كرة القدم ، وما يتبع هذا التوجيه من تمجيد للأسرة الحاكمة عن طريق الهدايا المجانية التي تعطى للاعبين فضلا عن الألقاب التي تصبغ على الأمراء .. إن التفجير المروع الذي شهده مقر الجواسيس الأمريكيين في الرياض والذي خلف وراءه كارثة حقيقية لم يكن معزولا عن الصراع الداخلي الذي تشهده السعودية ولن يكون إلا بداية لمسلسل الغضب الشعبي للتعبير عن الرفض للسياسة القائمة التي تمارسها السعودية عدوانا أعمى ضد المنطقة بكاملها، وأن التواجد المكثف للقوات الأمريكية في منطقة محرمة أصلا عن المشركين أو الذين يدينون بدين غير الإسلام لقوله صلى الله عليه و سلم ((لا يجتمع دينان في جزيرة العرب)) يساهم بدوره في هذا الغليان الدموي. فإذا كان العراق قد شوش سياسيا على أنظمة الحكم الوراثي في الخليج فقد أقامت هذه الأنظمة بموالاة أهل الكفر والدعوة لقتل مسلمي اليمن، و وضعهم في حالة حصار اقتصادي يحرمه الإسلام، لأن الحصار نوع من القتل و القتل محرم إسلاميا، إن اليمن تبدو الآن دولة مشوشة دينيا على هذه الأنظمة وبالتالي فإنه ليس من المستبعد مضاعفة تسليط الضوء عليها ،وافتعال الأزمات المؤثرة فيها للحد من فعالياتها الإسلامية و هي دولة كما نعلم فقيرة وسط جيران يعبثون بالمال فسادا في الأرض ،فإذا كانت السعودية قد والت أمريكا على العراق ، وغضبت عليها لأنها لم تضرب سوريا ،ووالت زعيم الانفصاليين" جون قرنق" في جنوب السودان وأمدته بالسلاح لمحاربة النظام الإسلامي في السودان انتقاما من العالم المسلم الذي رفض وهابيتها و طقوسها الشيخ حسن الترابي فإنها مستعدة لافتعال مأساة اشد لليمن انتقاما من علماء اليمن -الانتقام من فكر الشيخ الزنداني ..- غير أن منطلق المواجهة مع العراق غير منطق المواجهة مع اليمن، إن من الناحية التاريخية أو من الناحية الدينية ،فهاجس التاريخ في اليمن هو في الواقع هاجس المنطقة كلها و تحدده بدقة نظرة الرسول صلى الله عليه و سلم و ما قاله في ساكنيها ، و هاجس الدين الذي يحكم تاريخ اليمن و جغرافيتها يبسط نوعا من المصداقية على المنطقة أفضل واقوي مما تتطلبه أنظمة الحكم فيها، فليس هناك في هذا الهاجس أي نوع من التوجيه السياسي الأعمى للدين في إطار المنطق الفرعوني "ما أريكم إلا ما أرى" و ليس هناك أيضا أي انفصال بين المؤسسة الدينية و المؤسسة السياسية ، فالترابط بين المؤسستين ترابط يضمن الحد الأقصى للفعل الجماعي نحو الهدف المشترك في حين تبدو معالم الانفصال واضحة لدى الأطراف الأخرى في المنطقة، فالدين عندها يبدو مجرد مظلة يستظل بها الحكام لتحقيق تواجد دائم لهم على كرسي الحكم وهذا التباين الإيجابي لليمن والسلبي لجيرانه دفع ببعض الحكام المغضوب عليهم شعبيا إلى اتهام اليمن بأنه يأوي الجماعات الدينية المتطرفة وهو نفس الاتهام الذي اتهمت به جمهورية السودان من قبل، و قد كانت مصر والسعودية من أهم البلدان التي أصدرت هذه الفتوى السياسية، و مع أن هذه الفتوى صادرة من دولة تكرس الاستبداد في نظامها السياسي وأخرى تكرس ظاهريا التوجه الديني وفقا للمذهب الوهابي التكفيري في مواقفها الداخلية والخارجية ، وأنفقت مليارات الدولارات عنى نشره عالميا، ظلت هذه الفتوى في نظر متتبعي السياسة العربية مشدودة بإفرازات الأوضاع الداخلية في كلا البلدين ، فمصر ومنذ الثمانينات بعد مقتل السادات 06/10/1981 م ظلت محاصرة بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية إلى أن وصل مفعول هذا الحصار إلى الرئيس مبارك مباشرة وأصبح يعاني من عقدة الاغتيال (تعرض حوالي 20 مرة لمحاولة اغتيال) آخرها كانت شهر (.اوث 1996....) وتقول بعض الدوائر الأمنية أن محاولات اغتيال مبارك حدث من نشاطه الخارجي ولذلك جاء افتعال الصراع بين اليمن وأسمرة..أما بالنسبة للسعودية، فإن هاجس الإنفجارات فيها ارتبط في ذهن الساسة السعوديين بالنمو الديني المتزايد في اليمن، والانتقام من طرف اليمنيين المطرودين من السعودية في حرب الخليج يكون جزء هاما من هذا الهاجس ولذلك كان موقف السعودية ومصر اقوي واعتي في حرب التحالف العربي التي تشهدها اليمن اليوم وانطلاقا من هذا الهاجس كان الانفصال لديهم يعني تقسيم اليمن إلى دولتين متناحرتين ، و بالتالي الحد من تقدم دولة اليمن باتجاه النظام الإسلامي والخروج من التبعية للنظام الوهابي.
*رئيس تحرير يومية المستقبل المغاربي