الأسباب الخفيّة لاتخاذ النموذج الليبي لنزع سلاح كوريا الشمالية

الأسباب الخفيّة لاتخاذ النموذج الليبي لنزع سلاح كوريا الشمالية

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢ مايو ٢٠١٨

جون بولتون مستشار للأمن القومي، أحد صقور المُحافظين الجديد وبعد ثلاثة أسابيع على تسلّمه منصبه أكد وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية أنّ بلاده تسعى لتطبيق النموذج الليبي مع كوريا الشمالية لنزع سلاحها النووي، مؤكداً أن نزع الأسلحة النووية هو قرار استراتيجي يجب أن تتخذه كوريا الشمالية، ونحن نريد منهم أفعالاً واقعية وليس مجرد كلام، مُشيراً إلى أنّ ليبيا لم تكن تمتلك أسلحة نووية، لكنها كانت تمتلك برنامجاً نووياً، وعندما غيّرت مسارها في عام 2003، بدأ القذافي مفاوضات سريّة مع الأمريكيين والبريطانيين لتفكيك برنامجه النووي وسمح للمفتشين الدوليين بزيارة منشآته النووية، وهذا دليل على ثقة الليبيين آنذاك بالآليات الدولية.
 
نزع الأسلحة على غرار النموذج الليبي
 
نموذج نزع الأسلحة الليبيّة وبحسب بولتون أتى من خلال مجموعة من الضغوطات والعقوبات التي مورست على طرابلس منذ العام 1990 حتى العام 2003، من أجل إيقاف برنامجها النووي.
 
النموذج الليبي الذي بُني على إجبار طرابلس للتخلي عن برنامجها النووي يأتي كمثال موفق على نجاح واشنطن وبفترة قصيرة في إيقاف البرنامج النووي الليبي، ويؤكد بولتون أنّ قرار القذافي بالتخلي عن سلاحه النووي أتى لإنهاء عزلة ليبيا الدولية التي تعرّضت لعقوبات أصابتها في مقتل، لكن الاتفاق الأساسي جاء بعد أيام فقط من الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، حين أعلن القذافي جاهزيته للتخلي عن برنامجه النووي.
 
ويبدو أن إشارة جون بولتون ووزير الخارجية بومبيو إلى النموذج الليبي تعود إلى رغبة واشنطن في منع عملية نزع الأسلحة طويلة الأمد وغير الناجحة، حيث إنّ واشنطن تحاول إقناع كوريا الشمالية بالتخلي عن برنامجها للأسلحة النووية بفترة قصيرة.
 
أهداف أمريكا من تطبيق النموذج الليبي
 
يمكن رؤية أهداف أمريكا في محاولتها تطبيق النموذج الليبي من ثلاثة محاور هي:
 
الهدف الأول هو الدخول في المفاوضات منتصرة: يبدو أنّ الهدف الأول والأكثر أهمية بالنسبة لأمريكا في الشروع  بتطبيق النموذج الليبي للتفاوض مع كوريا الشمالية هو السماح لواشنطن بالدخول في مفاوضات مضمونة بالفعل، وفي الواقع، من المتوقع أن يُظهر ترامب نفسه على أنه أقوى زعيم منتصر في حل المشكلات العالمية، وعلى هذا الأساس؛ يخطّط ترامب للقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، ومن شأنّ هذا اللقاء أن يكون مهماً للغاية بالنسبة للشأن الدولي أولًا والأمريكي الداخلي ثانياً خصوصاً إذا أتت نتيجة هذه المفاوضات في مصلحة واشنطن.
 
أما الهدف الثاني من تطبيق هذا النموذج يعود إلى رغبة واشنطن باستسلام سريع وكامل لبيونغ يانغ وذلك قبل التوصل إلى اتفاق شامل، ويتركز هذا الهدف باعتماد بولتون الحل السريع للمفاوضات والاستسلام التام من قبل بيونغ يانغ لمطالب واشنطن، حيث إنّ الأمريكيين يدركون جيداً أهميّة هذه القضية، وإذا استمرت المفاوضات وقتاً طويلاً، فمن الممكن أن تُغيّر حكومة كوريا الشمالية موقفها وتعود إلى وضع ما قبل المحادثات.
 
وهنا يجب الأخذ في الحسبان حقيقة أن أحد أهم أسباب قبول كوريا الشمالية بالتفاوض والقدوم إلى طاولة المفاوضات، هو الضغط الصيني الداعم والحليف الرئيسي لكوريا الشمالية، وذلك بهدف تقليص وجود أمريكا بالقرب من حدودها للتخلص من أي خطر قد يُشكّله وجود القوات الأمريكية على الحدود، خصوصاً إذا أتى انسحاب القوات الأمريكية بقرار من مجلس الأمن الدولي، وعلى هذا الأساس إذا لم تنسحب أمريكا من المناطق الموجودة فيها حالياً؛ فلن تكون بكّين مطالبة بالامتثال للقرارات العقابية لمجلس الأمن الدولي، الأمر الذي سيخلق جوّاً أفضل لكوريا الشمالية، والعودة إلى حالة قبل التفاوض مرّةً أخرى.
 
أما الهدف الثالث والأخير فهو سيناريو إجبار كوريا الشمالية على الانسحاب من التسوية، حيث إنّ الهدف الآخر للنموذج الليبي لمفاوضات نزع السلاح النووي هو السيناريو الخفي والقائم على افتراض أن واشنطن لا تُخطط لاتفاق رئيسي في شرق آسيا، لأنه وفي حال موافقة كوريا الشمالية وتم نزع السلاح، لن يتبقى لدى أمريكا أي ذرائع للبقاء في المنطقة، الأمر الذي سيُفقد واشنطن قوتها الكبيرة الموجودة في مياه شرق آسيا، وفي هذه الحالة؛ ستكون واشنطن الخاسر الرئيسي في المنافسة مع أكبر منافسيها الدوليين ألا وهي الصين.
 
وعلى هذا الأساس، يمكن القول إن نموذج نزع السلاح على غرار ما حدث في ليبيا في العام 2003، سيكون تهديداً كبيراً للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، خصوصاً إذا أخذنا في الحسبان أنّ أمريكا تُريد استسلاماً كاملاً وسريعاً لكوريا الشمالية، الأمر الذي قد يدفعها للخروج من عملية التفاوض واستئناف برنامجها النووي مرة أخرى، وفي هذه الحالة، يتم تقديم حجّة جديدة لاستمرار وجود أمريكا في شرق آسيا، الأمر الذي سيسمح لواشنطن بالمشاركة في نقاش إقليمي أكبر في شرق آسيا.