أمريكا تفتح أبوابها لهجرة رأس المال من منطقة اليورو

أمريكا تفتح أبوابها لهجرة رأس المال من منطقة اليورو

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٣ يونيو ٢٠١٨

عندما نسمع كلمة هجرة عادة ما يتبادر إلى أذهاننا هجرة المواطنين من دول آسيا وإفريقيا ولا سيما الشرق الأوسط إلى أوروبا الغربية، وأيضاً تعود إلى مخيلتنا صورة السفن الغارقة في عباب البحر أملاً في الوصول إلى "شاطئ الأحلام" الذي أصبح هو الآخر محطة جديدة من محطات الهجرة ولكن هذه المرة هجرة الأوروبيين مع رؤوس أموالهم الكبيرة إلى أمريكا.

الهجرة الأوروبية إلى أمريكا قديمة وتعود إلى أيام كريستوف كولومبوس قبل أكثر 500 عام عندما كان يهاجر الأوروبيون الذين تقطّعت بهم سبل الحياة في بلدانهم إلى البلاد المكتشفة حديثاً آنذاك، لكن حالياً سنتحدث عن هجرة أخطر وهي هجرة رأس المال الأوروبي إلى أمريكا.

وسط تنامي الفارق في العائد بين الاستثمار باليورو وبين الدولار، تعاني دول الاتحاد الأوروبي بشكل كبير من انخفاض معدل النمو وارتفاع نسبة البطالة وهروب الاستثمارات إلى خارج منطقة اليورو، في وقت يتجه فيه المصرف الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأمريكي نحو رفع سعر الفائدة على الدولار في أعقاب انتعاش الاقتصاد الأمريكي خلال العام الحالي.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أنّ منطقة اليورو تعدّ أكبر مصدّر لرأس المال في العالم، ويتدفق جزء كبير من رأس المال إلى البلدين أمريكا وبريطانيا كما تستفيد كندا وأستراليا من عملية هجرة رأس المال الأوروبي، وبلغة الأرقام، فإن نسبة 75 في المئة من صافي المدخرات المالية العالمية هاجرت من منطقة اليورو والصين واليابان باتجاه بلاد العم سام وحدها.

وتشير الدراسات الاقتصادية الإحصائية إلى أنه ومنذ بداية العام الحالي وحتى الآن، هرب 3% من النتاج المحلي الأوروبي من رأس المال إلى واشنطن على شكل ودائع مصرفية وائتمانية، بينما جرى من عام 2012 حتى عام 2014، تحويل 5 ٪ فقط من إجمالي الدخل القومي الأوروبي إلى العالم الخارجي.

كيف يمكن تفسير هذه الظاهرة الاقتصادية؟

هجرة رأس المال الأوروبي إلى أمريكا ترجع بالمقام الأول إلى اختلاف الفوائد البنكية بين دول منطقة اليورو (التي تعطي فائدة تتراوح بحدود 1 بالمئة) والفوائد البنكية التي تقدمها البنوك الأمريكية التي تسعى إلى إغراء رؤوس الأموال الخارجية ضمن فوائد منطقية لا تؤثر على دوران عجلة الاقتصاد في أمريكا، وأخذ الاختلاف في أسعار الفائدة للودائع طويلة الأجل بين دول منطقة اليورو وأمريكا منذ أبريل العام الحالي بالارتفاع بشكل كبير، إذ ارتفع هذا الفارق بين أمريكا وألمانيا إلى 2.4 ٪، للمرة الأولى منذ عام 1989 أي قبل الوحدة بين الألمانيتين، وعليه فإن الكثير من الخبراء الاقتصاديين يتوقعون لجوء  البنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة في المستقبل القريب، في ظل أزمة الديون السيادية ما يدفع واشنطن بدورها إلى زيادة أسعار الفائدة لتسريع تدفق رؤوس الأموال من أوروبا.

وفي ألمانيا وحدها فإن رأس المال الخارج من البلاد ازداد من 2.23 عام 2011 إلى قرابة 60 بالمئة خلال العام الحالي، من خلال إقدام المستثمرين الألمان على فتح مشاريعهم الخاصة خارج بلادهم وخارج منطقة اليورو ذاتها وكان للأسواق الأمريكية والأسواق الناشئة الآسيوية النصيب الأكبر منها، ما يعزز حقيقة مفادها أن منطقة اليورو ليست جذابة للمستثمرين الأوروبيين.

ورغم عمليات التحفيز المالي التي دأب البنك المركزي الأوروبي على تنفيذها منذ عام 2015 لا تزال منطقة اليورو تعاني من الانكماش الاقتصادي وسط وجود شح في الأدوات المالية التي تحقق عائداً مجزياً للرساميل في الوقت الراهن، ما يساهم بشكل كبير في هروب الاستثمارات من منطقة اليورو التي تشهد عائداً سالباً على السندات الحكومية، فيما يرتفع العائد على السندات الأمريكية، كما تنتشر مخاوف حقيقية وسط الطبقة الثرية في أوروبا من أن يقود ضعف العملة الأوروبية إلى تآكل استثماراتها، وتتجه بسرعة متزايدة لحماية رساميلها بالاستثمار في أمريكا.

من ناحية أخرى فإن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع الرسوم الجمركية بنسبة 25% على الصلب و10% على الألمنيوم شكّل ضربة جديدة لأي مسعى أوروبي يهدف إلى الحفاظ على رؤوس الأموال من الهروب إلى أمريكا، إذ إن المستثمر الأوروبي الذي يمارس عمله خارج الأراضي الأمريكية سيسعى بشكل عام إلى نقل تلك الاستثمارات، ولاسيما الصناعات الثقيلة كصناعة السيارات، إلى قلب أمريكا للتخلص من الرسوم الجمركية المرتفعة التي فرضها ترامب.

وعليه فإن البلدان التي تعاني من عجز في الميزانية، مثل أمريكا وبريطانيا ستسعى جاهدة إلى زيادة تكاليف الواردات من خلال جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وبالتالي، ستظل الاختلالات في التجارة العالمية على المدى الطويل، ونتيجة لذلك، فإن خطر دعم الصناعة المحلية سوف يزداد.

وبناء على ذلك، فإن رأس المال الأوروبي الذي تم الاحتفاظ به في منطقة اليورو في خطر حقيقي، ومع تقلب سعر الصرف وانخفاض الأصول المملوكة لأجانب، فإن رأس المال المحوّل إلى داخل بلدان الاتحاد الأوروبي من الاستثمارات الخارجية سينخفض أيضاً ما سيترك آثاراً وخيمة على الاقتصاد الأوروبي.