عين العالم على الكرة في موسكو وعين بوتين على العالم

عين العالم على الكرة في موسكو وعين بوتين على العالم

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٦ يونيو ٢٠١٨

“بوتين يستغل مونديال روسيا لأغراض دعائية” و”قاطعوا مونديال روسيا التي تشن حرباً غير معلنة على أوكرانيا” ، شعارات وحملات ضد بوتين، بينما يصطحب حليفه الرئيس الشيشاني قديروف محمد صلاح إلى ساحة تدريب منتخب مصر لكرة القدم.
لا تتدحرج كرة القدم في ملاعبها على العشب الأخضر فقط، حيث يجلس المشجعون المهووسون بما يفعله 22 لاعباً على أرض الملعب، بل إنها تعبر حدود العقل وتشطح بخيال الجماهير حيث تريد، أو أحياناً، حيث يريد منظمو البطولات.
في ملعب لوجنيكي في موسكو أُفتتحت بطولة كأس العالم لكرة القدم في روسيا، والأنظار تتجه نحو المنصة الرئيسية، حيث يجلس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع قادة دول. أنظار العالم نحو ملعب لوجنيكي المشيد منتصف خمسينات القرن الماضي في عهد السوفييت، والذي جددته موسكو ليتسع إلى 81 ألف شخص، حاله حال كثير من مبان موسكو التي ترتدي حلة روسيا الجديدة بعد أن كانت سوفيتية الصنع.
إنها انطلاقة كأس العالم في روسيا. العملية استغرقت أعواماً من البناء والتجديد لـ 12 ملعباً، وتطلبت أيضاً بناء مطارات وفنادق ومرافق خدمية وتعبيد طرق في المدن الكبيرة التي تستضيف المباريات. مشروع عملاق كلف روسيا أكثر من 12 مليار يورو، وهو مشروع “مرموق” بالنسبة للرئيس بوتين، حسب وصف مجلة “دير شبيغل” الألمانية.
وفي تقرير نشره موقع “شبيغل أونلاين” كتبت مراسلة المجلة في موسكو كريستينا هيب أن المونديال يمثل لبوتين “تثبيت حق إبراز روسيا كقوة عظمى”. وتنقل المراسلة عن الخبير السياسي الروسي خليب بفالوفسكي قوله إن “المونديال يعني بالنسبة لبوتين قوة عظمى”، ويضيف “الاتحاد السوفيتي كان قوة عظمى بسبب الرياضة أيضاً. وبوتين يؤمن بهذه الفكرة حتى اليوم”.
بروبغندا لبوتين؟
لكن لمن؟ إلى الخارج أم إلى الداخل الروسي؟ الروس عموماً لا يهتمون بكرة القدم كثيراً، حتى المنتخب الروسي نفسه لا يشكل رقماً مهماً في كرة القدم الأوروبية. والرياضة الأهم في روسيا هي هوكي الجليد. أما نتائج منتخب الاتحاد السوفييتي السابق لكرة القدم فلم تعتمد على لاعبين روس، إذ أن أبرز لاعبي المنتخب كانوا من دول الاتحاد السوفيتي وأبرزهم من أوكرانيا من خريجي مدرسة “داينمو كييف”.
غير أن الروس بحاجة إلى الشعور بالفخر من جديد، وبوتين يفهم ذلك جيداً. ولا شيء مثل البطولات الرياضية لتعزيز الفخر عند المواطن الروسي، الذي يشعر بالتراجع منذ عقود أمام الغرب، بعد أن كانت الرياضة مدعاة فخر للسوفييت.
منتقدو سياسة الرئيس بوتين يرون أنه يحاول استغلال الرياضة لتحقيق مكاسب سياسية على المستوى العالمي فيما يرى رئيس المركز الثقافي الروسي – العربي في سان بطرسبورغ الدكتور مسلّم شعيطو أنه “ليس اتهاماً وليس بروبغندا”، مضيفاً: “فكل دولة لإثبات أنها دولة عالمية تستطيع أن تنظم بطولة عالمية. ولروسيا تاريخ عبر الاتحاد السوفيتي وحتى الوقت الحالي، استطاعت أن تنظم بطولات عالمية على مستوى الألعاب الأولمبية”.
ويرفض الدكتور شعيطو السؤال إن كان الرئيس الروسي بوتين سيجني من البطولة، ويرى أن روسيا ستجني من البطولة لا الرئيس بوتين. وبجانب المكاسب الاقتصادية، فإن روسيا ستحقق مكاسب سياسية، على سبيل المثال “أن مسألة الحصار على روسيا ليست سوى مسألة إعلامية فقط خاصة في مجال الرياضة، إذ أن أكثر من أشترى بطاقات المباريات هم جماهير من الولايات المتحدة والصين وبعدها أميركا الجنوبية”، حسبما نقل الدكتور شعيطو في لقاء مع DW عربية.
لكن الباحثة في شؤون شرق أوروبا غفيندولين زاسه ترى أنه يبقى من غير الواضح إلى أي حد يمكن للجماهير القادمة من أنحاء العالم رؤية الواقع اليومي في روسيا على حقيقته. وتقول زاسه في مقابلة مع موقع تاغسشاو الألماني: “سيكون بوتين قد حقق الكثير من الأمور فعلاً، حين يعود مشجعي المونديال إلى دولهم ويقولوا: الوضع طبيعي هناك. لم يكن بذلك السوء الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام”.
مقاطعة..
إن كانت روسيا تحاول إظهار وجه مختلفٍ عما هو مأخوذ عنها، فإن منتقديها ومنتقدي سياسة الرئيس بوتين، خصوصاً فيما يخص ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ودعم موسكو للانفصاليين شرق أوكرانيا، يشنون حملة لمقاطعة المونديال منذ مدة.
فقد وقع أكثر من 90 مثقفاً من أوكرانيا، ألمانيا، فرنسا، وبريطانيا وروسيا البيضاء على طلب مقاطعة المونديال بسبب “الحرب غير المعلنة من جانب روسيا على أوكرانيا”، حسبما نقل موقع القناة الألمانية الأولى (ARD)، وطالبوا بإطلاق سراح المخرج الروسي أوليغ سينزوف، الذي تظاهر ضد “احتلال” بلاده لشبه جزيرة القرم.
وتنتقد حكومات غربية ومنظمات دولية، أوضاع حقوق الإنسان في روسيا وكبح جماح المعارضة الروسية المنتقدة لسياسة الرئيس بوتين وهيمنة النخبة الاقتصادية والأمنية على البلاد. حتى حزب الخضر في ألمانيا طالب المستشارة ميركل بعدم حضور مباريات المنتخب الألماني في المونديال.
لكن روسيا ترى في الانتقادات حملة موجهة ضدها، فيقول الدكتور مسلّم شعيطو رئيس المركز الثقافي الروسي – العربي في سان بطرسبورغ إن “روسيا ستكسر الأفكار النمطية التي عممها الإعلام الغربي المعادي أو المختلف مع روسيا، سواء كان إعلاماً غربياً أو عربياً، على أن في روسيا مشاكل اجتماعية وأمنية وعدم استقرار، أو حتى لا توجد خدمات أو حتى مطاعم”.
رسالة إلى الشرق المسلم
حتى صحيفة “موسكو تايم” الناطقة بالإن;ليزية والتي تصدر، كما هو واضح في موسكو، كتبت “ليس سراً أن الرئيس فلاديمير بوتين يريد تجميل وجه روسيا إلى الخارج من خلال الرياضة”، مثلما حدث خلال أولمبياد سوتشي في شتاء عام 2014. لكنها وجهت قلمها شطر عاصمة جمهورية الشيشان، غروزني.
هناك اختار المنتخب المصري لكرة القدم الإقامة خلال البطولة، في فندق “ذا لوكال” التابع لشركة “فابليوس أبو ظبي هوتيل كومبني” الإماراتية في غروزني، الذي حضر افتتاحه الشيخ محمد بن زايد، حسبما كتب موقع “موسكو تايم”.
رئيس الدولة رمضان قديروف المقرب من الرئيس بوتين، اصطحب نجم كرة القدم المصرية محمد صلاح بسيارته من الفندق وأخذه إلى الملعب، حيث يتدرب لاعبو المنتخب المصري. مراقبون انتقدوا الخطوة ورأوا فيها استغلالاً لنجومية محمد صلاح المحبوب من قبل جماهير الكرة العالمية والعربية. وتُتهم سلطات قديروف بعمليات تعذيب واختطاف وقمع من أجل ضمان “الاستقرار” في شمال القوقاز.
أحياناً تدخل الرياضة في السياسة واحياناً العكس. وفي جمهورية غروزني أحدى أهم جمهوريات الاتحاد الروسي، تختلط الرياضة بالسياسة، وأحياناً أخرى بالمشاعر الدينية.