كيف يقتل ترامب القضية الفلسطينية ويجهز مواجهة بين الخليج وإيران؟؟

كيف يقتل ترامب القضية الفلسطينية ويجهز مواجهة بين الخليج وإيران؟؟

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٧ يونيو ٢٠١٨

عرضت مجلة «نيويوركر» الأمريكية تقريرًا مطولًا، أعده الصحافي آدم إنتوس، تناول ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي يخطط له ترامب، والمتمثل في تهميش القضية الفلسطينية لصالح إنشاء حلف لمواجهة إيران يضم إسرائيل ودول الخليج. وفيما يلي ترجمة لأهم ما جاء في التقرير:
 
لما ذهب السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، رود ديرمر، لحضور حفلة حانوكا بالبيت الأبيض، في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2014، كانت إدارة أوباما في أيامها الأخيرة. كان من بين الحضور بعض أشد المؤيدين اليهود حماسة للرئيس، والذين جاءوا لتوديعه. لكنَّ ديرمر، مثله في ذلك مثل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لم يشاركهم المشاعر ذاتها؛ فقد كانت القيادة الإسرائيلية تعد الأيام لاستلام إدارة ترامب مقاليد الأمور.
 
كان نتنياهو يعتقد أنَّ أوباما ليست لديه «مشاعر خاصة» تجاه الدولة اليهودية، وكان يحقد على أوباما لقوله إنَّ معاملة إسرائيل للفلسطينيين تعد انتهاكًا لحقوق الإنسان الأساسية وعقبة أمام الأمن. وكان يعتقد كذلك أنَّ محاولة أوباما إحداث توازن في القوى بين السعودية وإيران في الشرق الأوسط سذاجة، وأنه يقلل من عمق النوايا الخبيثة لإيران في المنطقة.
 
ومع ذلك، فقد كان أوباما بالكاد مناهضًا لإسرائيل؛ إذ قدمت إدارته للبلاد دعمًا عسكريًا واستخباراتيًا هائلًا. كما حمى نتنياهو في مجلس الأمن الدولي عندما استخدم «حق النقض (الفيتو)»، للمرة الوحيدة، عام 2011 لمنع قرار يدين بناء المستوطنات اليهودية. وعارض أوباما جهود الفلسطينيين للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، بعد أن صرخ نتنياهو في مستشاري الرئيس، عبر الهاتف قائلًا: «هذا صاروخ نووي يستهدفني شخصيًا».
 
انتهاء شهر العسل
 
بمرور الوقت وصل أوباما ومستشاروه إلى قناعة بأنَّ نتنياهو يتلاعب بهم؛ إذ يتظاهر أحيانُا بالاهتمام بحل الدولتين، بينما يوسع المستوطنات في الضفة الغربية؛ ما يجعل إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة أمرًا ما ينفك يزداد صعوبة. وبحلول الفترة الرئاسية الثانية لأوباما توقف مستشارو أوباما عن إخفاء إحباطهم من الإسرائيليين. فقال بنجامين رودز، أحد مستشاري السياسة الخارجية المقربين من أوباما: «لم يكن الإسرائيليون مخلصين قط في التزامهم بالسلام. لقد استخدمونا كغطاء؛ لجعل الأمر يبدو وكأنهم في عملية سلام. بينما كانوا في الواقع يمثلون، ويقتلون الوقت في انتظار خروج الإدارة».
 
وقال التقرير: إنَّ العلاقة بين أوباما ونتنياهو كانت ما تنفك تزداد سوءً كل عام؛ إذ شك فريق أوباما، عام 2012،في أنَّ القيادة الإسرائيلية دعمت الحملة الرئاسية لميت رومني. ووصلت الإدارة إلى قناعة أنَّ نتنياهو، بعد سنوات من التهديد باستخدام القوة ضد إيران، كان يخادع، وأنه إنما كان يحاول جر الأمريكيين إلى اتخاذ موقف أكثر تشددًا، بل حتى شن ضربات ضد إيران. وبعد أن أدلى نتنياهو بخطبة مسرحية أمام الكونجرس، أدان فيها الصفقة النووية مع إيران، ربيع عام 2015، «توقف أوباما رسميًا عن التظاهر».
 
بدا أنَّ حقبة كاملة في طريقها للانتهاء. إذ كانت اتفاقية أوسلو لعام 1993 وما تلاها من مفاوضات قد رفعت الآمال بين الفلسطينيين من أنهم سوف يحصلون على دولة تضم غزة والضفة الغربية وبعض أجزاء القدس الشرقية، لكن بعد سنوات من الاستيطان والانتفاضة الثانية وعدم الاستقرار في المنطقة، وصعود السلطوية على كلا الجانبين، ساد فقدان كامل للثقة. ومع أنَّ نصف الإسرائيليين والفلسطينيين يريدون دولتين، فإنَّ أيًا من الطرفين لا يعتقد أنَّ الآخر سوف يتحرك بحسن نية.
 
في أواخر الفترة الرئاسية الثانية لأوباما، أحضر وزير الخارجية جون كيري إلى البيت الأبيض كومة من الخرائط للضفة الغربية أعدتها الوزارة وفحصتها وكالات الاستخبارات الأمريكية. عند جمع مناطق الاستيطان والبؤر الاستيطانية غير القانونية، والمناطق الأخرى الممنوعة عن الفلسطينيين، فإنها غطت 60% من مساحة الضفة الغربية. قال أحد المسؤولين الذين حضروا هذه الجلسة: «بدا الأمر شبيهًا بورم في المخ. كانت هذه الكتل القائمة، والمستوطنات الجديدة، والبؤر الاستيطانية غير القانونية تعني نهاية حل الدولتين، أيا كان المقياس الذي تستخدمه».
 
ما محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، فقد كل إيمانه بجهود الإدارة. إذ قال لكيري في إحدى اللقاءات المتشنجة: «أخبرتموني أن أنتظر، وأنتظر، وأنتظر. لا يمكنكم الإيفاء بوعود الإسرائيليين».
 
وفي أواخر شهر سبتمبر (أيلول) 2016 سافر أوباما إلى إسرائيل لحضور جنازة شيمون بيريز، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي شارك جائزة نوبل للسلام عام 1994 مع ياسر عرفات وإسحق رابين لدورهم في اتفاقية أوسلو. كانت علامات تغير المناخ السياسي واضحة. حضر عباس الجنازة، لكنَّ أحدًا من القادة الإسرائيليين لم يذكره في كلمته. وعندما عاد أوباما والوفد الأمريكي إلى الولايات المتحدة، عرفوا أنَّ الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على بناء مستوطنة جديدة في الضفة الغربية. وقال أحد كبار مستشاري أوباما: «إنَّ هذه الخطوة كانت، بشكل لا لبس فيه، بمثابة الإشارة بالإصبع الوسطى».
 
 
عقاب إسرائيل في مجلس الأمن
 
كان لدى إسرائيل خوف واحد متمثل في محاولة إدارة أوباما معاقبتهم في مجلس الأمن قبل مغادرتها. إذ التقطت وكالات الجاسوسية الإسرائيلية نقاشًا حول قرار محتمل في مجلس الأمن يتراوح بين إدانة المستوطنات إلى قرار من شأنه أن يكرس في القانون الدولي ما يسمى بثوابت الـ«وضع النهائي». وقد عبر السفير الإسرائيلي عن مخاوفه لجو بايدن، وقال لكبير موظفي أوباما: «لا تذهبوا إلى الأمم المتحدة. سوف يجبرنا هذا على المواجهة والتواصل مع (الجانب الآخر)». ولم يكن «الجانب الآخر» في هذا السياق سوى الرئيس المنتخب، دونالد ترامب.
 
كان لدى الإسرائيليين روابط بالفعل مع أسرة ترامب؛ إذ كان لدى نتنياهو صداقة طويلة مع تشارلز كوشنر، والد زوج إيفانكا ترامب، جاريد كوشنر. وقد صنعت أسرة كوشنر اليهودية الأرثوذكسية ثروتها من قطاع العقارات ولديها آراء متحفظة حول إسرائيل، وتبرعت بمبالغ طائلة لقضايا وجمعيات خيرية إسرائيلية، بما في ذلك عشرات آلاف الدولارات لمدرسة يهودية «يشيفا» في مستوطنة (بيت إل) في الضفة الغربية.
 
وقال التقرير: «إنَّ هذه العلاقات قد أثمرت خلال معركة مجلس الأمن وما بعدها. ففي أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) 2016 بدأت مصر، نيابة عن الفلسطينيين، في توزيع مسودة قانون متعلق بالمستوطنات في مجلس الأمن. نبه هذا الأمر مكتب رئيس الوزراء في القدس. فتواصل السفير الإسرائيلي مع كوشنر، بعد التشاور مع نتنياهو، وأخبره أنَّ إدارة أوباما تقود هذه الجهود في الأمم المتحدة. وطلب السفير ديرمر من الفريق الانتقالي المساعدة في إحباط عمل أوباما».
 
كانت تلك خطوة جريئة، لا سيما من دولة تابعة. نظر مساعدو أوباما لقرار الأمم المتحدة حول المستوطنات باعتباره رمزيًا إلى حد كبير، لكنَّ نتنياهو تصرف كما لو أنَّ إسرائيل كانت في خطر مميت. وجد الإسرائيليون دائرة ترامب سهلة الإقناع؛ إذ كان ترامب ومستشاروه المقربون يشاركون نتنياهو العداء لأوباما، ولم تكن لديهم خبرة في الحكم أو خبرة دبلوماسية، وكانوا شغوفين لإرضاء قاعدتهم المؤيدة بحماس لإسرائيل والليكود. وقال التقرير: «إنَّ استخدام الحكومة الإسرائيلية لقدراتها الاستخباراتية لاستعداء الرئيس المنتخب ضد الرئيس الحالي كان أمرًا غير مسبوق في التاريخ الحديث».
 
سحبت مصر رعايتها للقرار بعد ضغط من نتنياهو وترامب، لكنَّ أربع دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن تلقفت المشروع وطلبت التصويت. اتخذ القرار بالضغط على الدول الأعضاء لتأخير الاقتراع أو هزيمة القرار. قال فلين لمستشاري ترامب: إنَّ هذا الأمر هو «الأولوية الأولى لترامب»، لكنَّ الفريق الانتقالي لترامب فشل فشلًا ذريعًا في تنفيذ هذه المهمة، بل إنهم عانوا حتى في الحصول على هواتف تليفون السفراء والوزراء الأجانب الذين كانوا يحتاجونهم للضغط. ولم يعرف فلين طريقة الحصول على هاتف السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، مع أنه كان على تواصل معه قبلها، لكن حتى هذه المعرفة لم تفده. امتنع أوباما عن استخدام حق النقض، ومر مشروع المستوطنات بدعم من الروس.
 
تغيير في الاستراتيجية
 
ترشح ترامب لمنصب الرئيس بوصفه غير مؤيد للتدخل الخارجي وكان شعاره: «أمريكا أولًا». لم يكن لدى ترامب أي اهتمام بالتدخل في الشرق الأوسط. وبخروج أوباما أخيرًا من الصورة، صار بإمكان نتنياهو التركيز على إقناع ترامب وإدارته باعتناق استراتيجيته الكبيرة لتحويل اتجاه سياسات الشرق الأوسط. كان طموح نتنياهو تقويض القضية الفلسطينية بصفتها مركز اهتمام العالم وتكوين تحالف مع السعودية والإمارات لمحاربة إيران، التي لطالما دعمت «حزب الله» في لبنان و«حماس» في غزة وأفادت استراتيجيًا من الحماقة الأمريكية في العراق والحرب في سوريا.
 
على أنَّ أوباما لم يكن ساذجًا فيما يتعلق بسلوك إيران، لكنه شعر أنَّ الاتفاق النووي من شأنه الحد من سلطتها. وبدا له أنَّ محاولة قلب النظام الإيراني يتفق مع المغامرات السابقة في الشرق الأوسط، والتي انتهت فيها أحلام الثورات الديمقراطية المدعومة بالقوة إلى كوابيس. وعلاوة على ذلك كان أوباما قلقًا من جهود السعوديين لجره أعمق إلى الصراعات الإقليمية.
 
لكنَّ الإسرائيليين، ودول الخليج، والآن ترامب، كانوا يعتقدون خلاف ذلك: أنَّ إيران هي العدو الرئيس في المنطقة، وأنَّ الاتفاق النووي أظهر ضعفًا، وزاد من التوسعية الإيرانية. وقبل افتتاح ترامب لرئاسته خطا نتنياهو خطوة جريئة لما أرسل رئيس الموساد، يوسي كوهين، إلى واشنطن ليطلع فلين على الخطر الإيراني، في محاولة لضمان تقارب الحكومتين في مقاربتهما لهذا الأمر. (وقد كان هذا الأمر خرقًا للبروتوكول).
 
الإمارات وإسرائيل في خندق واحد
 
قال التقرير «إنَّ يوسف العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، كان واحدًا من السفراء أصحاب العلاقة الاستثنائية مع فريق الرئيس الجديد. تقليديًا، عارض حكام الخليج التواصل مع مسؤولي الحكومة الإسرائيلية، لكنَّ رئيس العتيبة، ولي عهد أبوظبي الأمير محمد بن زايد، وأهم الشخصيات السياسية في الإمارات كانت لهم وجهة نظر أخرى؛ إذ كان يعتقد أنَّ دول الخليج وإسرائيل يشتركان في وجود عدو مشترك: إيران، التي كان يراها التهديد الأساسي لبلاده».
 
بدأت العلاقة السرية بين إسرائيل والإمارات بسلسلة من الاجتماعات في مكتب عادي في واشنطن بعد توقيع اتفاقية أوسلو. إذ أرادت الإمارات شراء طائرات إف-16 المتطورة من الولايات المتحدة في عهد كلينتون، لكنَّ المسؤولين الأمريكيين والإماراتيين كانوا قلقين من احتمالية اعتراض إسرائيل. ولما سئل دبلوماسي إسرائيلي في واشنطن عن ذلك الأمر لم يعط إجابة واضحة، وقال: «إنَّ الإسرائيليين يريدون الفرصة لمناقشة هذا الأمر مباشرة مع الإماراتيين لمعرفة نيتهم من وراء الحصول على الطائرات الأمريكية».
عقد اللقاء بشكل غير رسمي، بين دبلوماسي إسرائيلي وأكاديمي إماراتي يدعى جمال السويدي. ولاحقًا أخبر رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين إدارة كلينتون أنه لن يعارض الصفقة. وقال مسؤولون أمريكيون سابقون: «إنَّ هذا القرار الإسرائيلي بنى نوعًا من الثقة بين إسرائيل والإمارات».
 
أراد محمد بن زايد تحديث جيشه الصغير ليستطيع الدفاع عن نفسه ضد إيران وتهديدات أخرى. وعرف خلال المفاوضات أنَّ الطائرات سوف تحتوي على تكنولوجيا إسرائيلية. كان بعض الزعماء العرب ليرفضوا مثل تلك الصفقة، لكنَّ ابن زايد لم يهتم. وبمباركته بدأ السويدي في إحضار وفود من اليهود الأمريكيين النافذين إلى أبوظبي للالتقاء بمسؤولين إماراتيين. وبحسب مسؤول أمريكي فقد حضر أحد المسؤولين الإماراتيين البارزين واحدة من هذه الجلسات منذ أكثر من 20 عامًا وقال شيئًا أدهش الحضور حينها: «إنني أستطيع تخيلنا مع إسرائيل في خندق واحد مقاتلين ضد إيران». ظن الحضور أنَّ المسؤول إنما يخبرهم ما أرادوا سماعه فحسب، لكنه قال لهم: إنَّ الأمر بالنسبة للقادة الإماراتيين مثل محمد بن زايد «ينطبق عليه المثل القديم: عدو عدوي صديقي».
 
وبحسب التقرير فقد تمخضت تلك المقابلات الأولية عن مشاركة للمعلومات الاستخباراتية بين البلدين. بالنسبة للإسرائيليين كان الأمر استثمارًا طويل المدى جائزته تطبيع العلاقات.
 
وبعد تولى أوباما لمنصبه عام 1999، اتحد الإسرائيليون والإمارات للمرة الأولى للضغط على الإدارة الجديدة للتعامل بجدية مع التهديد الإيراني بعد أن أزعجتهما رغبة أوباما في الحوار مع القيادة الإيرانية بغية تقليل التوترات. أراد الطرفان إرسال رسالة قوية بتنسيقهما، بدلًا عن أن يقول كلاهما الأمر ذاته بشكل منفصل. وقد أدهشت هذه الجهود مستشاري أوباما، لكنها لم تردع الرئيس عن التفاوض مع طهران.
 
وفي شهر مايو (أيار) 2009، خلال سلسلة من الاجتماعات في واشنطن هيمنت عليها الخلافات حول المستوطنات، حاول نتنياهو أن يطلب من أوباما وفريقه التركيز على التخفيف من عزلة إسرائيل في المنطقة. فطلب من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إقناع القادة الخليجيين اللقاء به علنًا. وقال نتنياهو: «لو وافق العرب، فسوف يظهر هذا الأمر لشعب إسرائيل أنه قد تكون هناك فائدة لإسرائيل من تطبيع العلاقات».بعد ذلك بأسابيع سافر أوباما إلى الرياض للقاء الملك عبد الله الذي كان قد اقترح، عام 2002، اعترافًا عربيًا موسعًا بإسرائيل مقابل الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 1967، فيما عرف بمبادرة السلام العربية. وعندما سأله أوباما إن كان يوافق على اللقاء علنًا بنتنياهو رد الملك ردًا قاطعًا: «محال». وقال: إنَّ تجميد المستوطنات ليس كافيًا. كان الملك يريد اتفاق سلام نهائي. ثم قال لأوباما: «سوف نكون آخر مع يعقد سلامًا معهم».
 
وخلال انتكاسة مؤقتة في العلاقة الاستخباراتية السرية بين إسرائيل والإمارات (بسبب عملية للموساد في دبي عام 2010) اقترحت الإمارات، لإصلاح الأمور، تزويد إسرائيل القوات الإماراتية بطائرات مسلحة بدون طيار. تقاعس الإسرائيليون عن هذه الفكرة خوفًا من استعداء إدارة أوباما التي رفضت بيع هذه الطائرات للإمارات.
 
ثم لما انهارت مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 2014، طلب نتنياهو من إسحق مولهو، أحد أقرب مستشاريه، التركيز على تعزيز الاتصالات السياسية مع الدول العربية. أراد نتنياهو تحريك العلاقات مع الإمارات والسعودية بما يتجاوز القنوات السرية.
 
 
عهد جديد
 
أفسح موت العاهل السعودي الملك عبد الله في يناير (كانون الثاني) عام 2015، عن عمر يناهز 90 عامًا، الطريق لقيادات سعودية أخرى، بما في ذلك الأمير محمد بن سلمان، ذو الـتسعة والعشرين عامًا، والذي أصبح وليًا للعهد فيما بعد. كان ابن سلمان يشارك ابن زايد الرؤى حول إيران ويتخذ موقفًا أقل أيديولوجية تجاه إسرائيل. وفي اجتماعاته مع المسؤولين الأمريكيين في الرياض وواشنطن كان يشير بشكل روتيني إلى أنَّ «إسرائيل لم تهاجمنا قط» و«لدينا عدو مشترك». وقال سرًا إنه مستعد لعلاقة كاملة مع إسرائيل. وعبر ابن سلمان في حواراته مع المسؤولين الأمريكيين والمجموعات اليهودية الأمريكية، مثله في ذلك مثل ابن زايد، عن احتقاره للقيادة الفلسطينية. وبدا شغوفًا لإنهاء هذا الصراع، حتى لو كان ذلك يعني عدم رضا الفلسطينيين عن شروط إنهائه.
 
وقد شك الأمريكيون لسنوات في مزاعم إسرائيل حول قدرتها على تمديد روابطها بدول الخليج، لكن مع نهاية الفترة الرئاسية الثانية لأوباما، علمت وكالات الاستخبارات الأمريكية بمكالمات هاتفية بين مسؤولين إماراتيين وإسرائيليين بارزين، بما في ذلك مكالمات بين مسؤول إماراتي بارز ونتنياهو. ثم علمت هذه الوكالات بلقاء سري بين مسؤولين بارزين من كلا البلدين في قبرص، وشك المسؤولون في حضور نتنياهو لهذا الاجتماع، الذي تركز حول مواجهة اتفاق أوباما مع إيران. ولم يُعلم الطرفان إدارة أوباما بمناقشاتهما هذه. حاول أوباما جلب اليهود والعرب معًا من خلال السلام، لكنه نجح في ذلك من خلال المعارضة المشتركة لسياسته حول إيران.
 
وبحلول عام 2015، لم يعد نتنياهو يبالي برأي أوباما فيه. وانشغل مع محمد بن زايد في إقناع الرئيس الجديد بخلق ديناميكية جديدة في الشرق الأوسط. لم يكن ترامب ذا خبرة بتعقيدات السياسية، داخلية كانت أم خارجية، لكنه كان مهتمًا بالشخصيات، ولطالما أعجب بتبختر نتنياهو ومهاراته الخطابية وإصراره على عرض نفسه في صورة الشخصية التاريخية العظيمة، ورغبته في تحدي أوباما. ولما عرض أحد الدبلوماسيين، في أوائل عام 2013، على ترامب تسجيل فيديو يؤيد فيه نتنياهو في الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وافق ترامب وصور الفيديو في برجه المعروف بـ«ترامب تاور».
 
قال ترامب في هذا الفيديو: «اسمي دونالد ترامب، وأنا من أشد المعجبين بإسرائيل. وحقيقة، فإنَّ رئيس وزراء قوي يعني إسرائيل قوية. وأقول لكم بصدق: إنَّ بنيامين نتنياهو رئيس وزراء عظيم. لا أحد مثله. إنه رابح. شخص شديد الاحترام. يحترمه الجميع. والناس لديهم احترام عظيم عظيم بحق لما حدث في إسرائيل. لذا صوتوا لبنيامين. رجل ممتاز. زعيم ممتاز. عظيم لإسرائيل».
 
التحالف الاستراتيجي الجديد
 
في ديسمبر 2016، بعد خمسة أسابيع من الانتخابات، سافر محمد بن زايد إلى نيويورك للقاء كوشنر وبانون وفلين. التقوا سرًا في فندق فور سيزونز. أراد ابن زايد أن يُعلم مستشاري ترامب أنه ونظيره في السعودية، محمد بن سلمان، ملتزمون بالعمل معًا لدحر نفوذ إيران. وبينما أوضح ابن زايد وابن سلمان لمستشاري ترامب أنَّ إيران هي أهم أولوياتهم، فإنهم قالوا: إنَّ التقدم نحو إنهاء الصراع الفلسطيني أمر لازم لهم لتكون لديهم علاقة أكثر انفتاحًا مع إسرائيل.
 
وبحلول شهر مايو عام 2017، عندما التقى ترامب بزعماء عرب في الرياض، اتفق كوشنر وابن سلمان على الخطوط العريضة لما أسموه التحالف الاستراتيجي في الشرق الأوسط: سوف تبقى إسرائيل، مؤقتًا، «شريكًا صامتًا». الولايات المتحدة ملتزمة بتبني نهج أشد تجاه إيران، والدول العربية وعدت بالمساعدة على إقناع الفلسطينيين بمسايرة البرنامج الجديد. وقال محمد بن سلمان لأحد المستشارين الأمريكيين شارحًا تقسيم العمل «سوف نبرم هذه الصفقة. سوف أسلم الفلسطينيين، وهو (أي ترامب) سوف يسلّم الإسرائيليين».
 
وقال التقرير: «إنَّ ابن زايد، وهو أهم الفاعلين العرب في هذه الدراما الاستراتيجية، لطالما أحاط نفسه بشبكة من الشخصية المريبة من المستشارين غير المتفرغين، وشاركه الكثير منهم عداءه لإيران. حتى أنَّ أحد المتعاقدين المقربين من الإماراتيين والسعوديين والإسرائيليين قد تقدم بخطة لاستخدام الأسلحة السيبرانية المزروعة داخل البنية التحتية الإيرانية المهمة، بما في ذلك بورصتها، لإحداث فوضى اقتصادية تثمر عن شقاق سياسي. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا المتعاقد تقدم من تلقاء نفسه أو أنه فعل ذلك بإيعاز من الزعماء الإماراتيين والسعوديين والإسرائيليين».
 
وقال التقرير: إنَّ نتنياهو أراد هو الآخر استغلال حماس الإدارة الجديدة لخلق استراتيجية تحالف جديدة في الشرق الأوسط ضد إيران. وضغط المسؤولون الإسرائيليون على مستشاري ترامب لترتيب «قمة» في البيت الأبيض تجمع نتنياهو ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان وقادة عرب آخرون. لكن عندما عرض الأمريكيون الفكرة على القيادة السعودية والإماراتية جاء الرد سلبيًا. فتخلى الإسرائيليون عن الفكرة قائلين لنظرائهم الأمريكيين إنَّ نتنياهو يتفهم مخاوف ابن زايد وابن سلمان. كان هذان القائدان يمثلان أفضل آمال إسرائيل للحصول على القبول في المنطقة. وآخر ما يريده نتنياهو أن تؤدي صورة لهم معًا إلى تحريض ثورة شعبية ضدهم.
 
القدس مقابل التمويل
 
لما كان مستشارو ترامب يبحثون عن مناصر رفيع المستوى، استقروا على الملياردير المؤيد لليكود، صاحب إمبراطورية الكازينوهات في لاس فيجاس، شيلدون أديلسون. يملك أديلسون صحيفة شعبية في إسرائيل تدعى إسرائيل هايوم ولديه وجهات نظر تحقيرية تجاه الفلسطينيين، ويعتقد أنَّ إنشاء دولة لهم سوف يكون «خطوة محورية لتدمير إسرائيل والشعب اليهودي». وقد كان إيهود أولمرت أحد المستهدفين من صحيفته؛ إذ أراد التخلص منه لجهوده في التفاوض على حل الدولتين مع الفلسطينيين. وبعد إبعاد أولمرت ركز أديلسون على نتنياهو.
 
وقال التقرير: «إنَّ نفوذ أديسلون على السياسة الانتخابية في الولايات المتحدة لا يقل عن نفوذه في إسرائيل، فلا يستطيع أي مرشح جمهوري تجاهله بسهولة. كان أديسلون يعتبر أوباما عدوًا لإسرائيل، وفي 2012 تبرع، هو وزوجته ميريام، بما لا يقل عن 93 مليون دولار لجماعات تدعم مسؤولي الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد تعهد بإنفاق «ما يتطلبه الأمر» لمنع أوباما من تأمين اتفاقية سلام حال كونه في السلطة».
 
وبعد أن بات واضحًا في شهر مايو 2016 أنَّ ترامب سوف يحصل على ترشيح الحزب الجمهوري، قرر أديلسون دعمه، لكنه أعلم الحملة أنه يريد التزامًا بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. كان المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون والأمريكيون قد تناقشوا لسنوات طويلة حول دولة فلسطينية تكون عاصمتها على الأقل بعض أجزاء القدس الشرقية. لكنَّ أديلسون أراد محو مسألة العاصمة المقسمة هذه من طاولة النقاش. كان هذا هو الموضوع الوحيد المهم بالنسبة له. كان حلمًا.
 
وفي شهر أغسطس (آب) التقى أديلسون مع ترامب وكوشنر وبانون في نيويورك. سأل أديلسون مجددًا عن نقل السفارة. فرد بانون: «ينبغي لنا الفوز بهذه الانتخابات. وإلا فانس أمر نقل السفارة». لاحقًا أخبر أديلسون مساعديه أنه تلقى التزامًا بأنَّ ترامب سوف يعلن نقل السفارة في أول أيامه في المنصب حال انتخابه. وبعد ذلك الاجتماع بوقت قليل بدأ شيلدون وميريام أديلسون في تحرير الشيكات لدعم الحملة. كان أديلسون محوريًا في تأمين جزء ضخم من أصوات الجمهوريين.
 
وبعد فوز ترامب بدأ بانون في صياغة مشروع «اليوم الأول»، وكان على رأس قائمة بالإجراءات التنفيذية التي ينوي ترامب اتخاذها فور أداء اليمين أمرًا تنفيذيًا بنقل السفارة الأمريكية إلى واشنطن.
 
زار أديلسون ترامب وتحدث عن الانتصار بوصفه «معجزة». وعندما ذكر ترامب تطلعه لنقل السفر بكت ميريام من السعادة. وقال أديلسون لترامب: «بعد ألف سنة من الآن، سوف يذكرك التاريخ لهذا الأمر».
 
لكن بعد أن تلقى ترامب تحذيرات من جيمس ماتيس، وزير دفاعه، وريكس تيللرسون، وزير خارجيته، بتوخي الحذر، قرر تأجيل هذه الخطوة. ولما مرت الأسابيع دون إعلان بدأ أديلسون بالشكوى. فصرخ على الهاتف مع أحد المساعدين البارزين في البيت الأبيض: «إنكم تجعلونني أبدو كأحمق»، وفي النهاية ضغط أديلسون وآخرون على ترامب لإيقاف التأخير؛ لما حذروه بأنه يخاطر بخسارة الدعم بين المسيحيين الإنجيليين.
 
ورغم هذا الخلاف حول موعد نقل السفارة، فقد أثبت ترامب لا أنه مؤيد لإسرائيل فحسب، وإنما مؤيد لليكود أيضًا. أصبح نتيناهو الآن مطلق اليد لفعل ما بدا له بخصوص القضية الفلسطينية. وأصبح الشجب من البيت الأبيض، والمكالمات الداعية لضبط النفس أثناء اشتعال العنف في الضفة وغزة أمرًا من الماضي. وبعد يومين من قسم ترامب، تلقى مكالمة من نتنياهو. ولما أغلق الأخير سماعة الهاتف كان بالكاد يستطيع السيطرة على إثارته. كان كطفل تلقى أفضل هدية عيد ميلاد تخيلها في حياته.
 
الصفقة النهائية
 
كان ترامب مقتنعًا أنه الوحيد المؤهل للتفاوض حول «صفقة نهائية». وقد عبر في الحوارات الخاصة عن تأييده العام لحل الدولتين. ومنذ تولى الحكم قال علنًا إنه سوف يفضل أي حل يستطيع الطرفان الاتفاق عليه. ثم قرر ترامب تقليد كوشنر مسؤولية القضية الإسرائيلية الفلسطينية، دون أن يسأله إذا ما كان يرغب في هذا الأمر أم لا. وقد كان هذا الأمر منطقيًا، بحسب التقرير؛ لأنَّ زعماء الخليج يديرون بلدانهم كأنها تجارات عائلية، ومن ثم فسوف يشعرون بالراحة أكثر في التعامل مع فرد من أسرة ترامب.
 
حاول ترامب عرض نفسه بوصفه وسيطًا نزيهًا ومحايدًا، لكنَّ مستشاريه وسفيره لدى إسرائيل ومبعوثه للسلام في الشرق الأوسط كانوا منحازين تمامًا لنتنياهو. فقبل تولي فريدمان منصبه سفيرًا لدى إسرائيل، أطلعه خبراء من وزارة الخارجية على الموقف الإنساني في قطاع غزة. وفي نهاية العرض، بحسب أحد الحضور، قال فريدمان: «أنا لا أفهم. أولئك الناس الذين يعيشون هناك مصريون بشكل أساسي. فلماذا لا تستردهم مصر؟ حتى شرح له أحد الخبراء أنَّ ثلثي سكان غزة لاجئون، أو من ذرية لاجئين طردوا مما بات الآن إسرائيل. وقال التقرير: «إنَّ خمسة سفراء أمريكيين سابقين لدى إسرائيل وقعوا خطابًا قالوا فيه: إنَّ فريدمان غير مؤهل لهذه الوظيفة. أما نتنياهو فكان مسرورًا بهذا التعيين؛ إذ عرف أنه لا يمكن الحصول على سفير أكثر تعاطفًا مع إسرائيل من هذا».
 
قرأ كوشنر اتفاقيات السلام السابقة، بما فيها اتفاقية أوسلو لعام 1993، ليجهز نفسه لدوره الجديد دبلوماسيًا دوليًا وصانع سلام. ورأى أنَّ هذه الاتفاقيات كانت مليئة بمثاليات فضفاضة وخالية من التفاصيل لكي تغضب أقل عدد ممكن من الناس. وكانت خطة كوشنر اقتراح اتفاقية شديدة التفصيل، ثم الترويج لها.
 
كانت إحدى الاختلافات الأساسية بين إدارتي أوباما وترامب حول سياسة الشرق الأوسط تتمثل في الطريقة التي كانوا يفهمون بها القضية الفلسطينية. قال كوشنر لمساعديه إنه كان يعتقد أنَّ أوباما «كان يحاول الضغط على إسرائيل وإعطاء الفلسطينيين كل شيء». كانت هذه وجهة نظر سائدة بين اليمين. أما مستشارو ترامب فقد أرادوا أن يفكر الفلسطينيون في أنَّ قيمة أسهمهم في انخفاض. كان الهدف إجبار القيادة الفلسطينية على القبول بمقترحات أكثر «واقعية» مما عرضه رئيس الوزراء السابق إيهود باراك عام 2000، وإيهود أولمرت عام 2008. بصرف النظر عن أنَّ مفهوم الدولة التي أقرتها أوسلو، من وجهة النظر الفلسطينية، ليست سوى جزء بسيط من أراضي فلسطين التاريخية.
 
ضغوط على السلطة الضعيفة
 
قال مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية: «إنَّ محمود عباس يشعر بالعزلة أكثر من أي وقت مضى. في الماضي، كان الدعم العربي للفلسطينيين يعطيهم ثقة لمقاومة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية. لكنَّ هذا الدعم الآن صار أكثر تقلبًا».
 
وصف أوباما المبدأ المرشد لسياسته الخارجية بأنه: «لا ترتكب الحماقات». أما ترامب في المقابل، فيتباهى بالمقامرات الكبيرة في السياسة الخارجية ـ كوريا الشمالية، وإيران، والشرق الأوسط، وأوروبا والمكسيك. فيبدو أنه، مثله في ذلك مثل نيكسون، يتفاخر بمفاجأة الخصوم بالسلوك والخطاب المزعجين. وبدا أنَّ فريق ترامب لم يهتم بشعور الفلسطينيين أنهم قد تجوهلوا.
 
وقال مسؤول بارز في إدارة ترامب: إنَّه «كان من المهم اتخاذ هذا القرار الاستراتيجي في العام الأول؛ إذ كان يعتقد أنَّ الفلسطينيين لو استعدوا ترامب الآن فإنهم يخاطرون بثلاثة أو سبعة أعوام من العلاقات السيئة مع متبرع مهم بالمساعدات. ذلك أنَّ مليوني ساكن من غزة يعيشون في ظروف موحشة؛ إذ يعتمد ثلثاهم على المساعدات الإنسانية والخدمات الأخرى التي تقدمها وكالة الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)».
 
وقد جمد ترامب الدعم المالي للوكالة، أوائل العام الجاري، في محاولة واضحة منه للضغط على عباس. وتكررت تحذيرات مسؤولي الوكالة أنهم قد يجبرون على إغلاق مدارسهم في الأراضي الفلسطينية أو حتى الحد من المساعدات الغذائية. ومع ذلك، فيبدو أنَّ كوشنر كان يظن أنَّ الوكالة تتلاعب فحسب. إذ جاء في رسالة إلكترونية أرسلها إلى جرينبلات وفريدمان ومسؤولين آخرين: «تهددنا وكالة الأونروا منذ 6 أشهر بأنهم سوف يغلقون المدارس إذا لم يحصلوا على النقود. ومع ذلك فلم يحدث شيء من هذا».
 
أما القيادة الفلسطينية فقد عانت كثيرًا حتى قبل وصول ترامب لمنصبه. وخلال الفترة الانتقالية زار المفاوض الفلسطيني صائب عريقات واشنطن للقاء أعضاء من إدارة أوباما. سألته سوزان رايس إن كان قد تواصل مع أي شخص من الفريق الانتقالي لترامب فأجابها بالنفي. سألته: «أنت هنا ولن تلتقي أيًا منهم؟». قال عريقات: «لا أعرف أيًا منهم. لا أعرف كيفية التواصل مع أي منهم. ولا أعرف إن كانوا سوف يريدون التواصل معي». وقبل أن يغادر عريقات البيت الأبيض للمرة الأخيرة قالت له رايس: «سوف تفتقدوننا!».
 
ليس لديكم خيار
 
أحد القلائل في دائرة ترامب الذين جادلوا لصالح الحوار الجاد مع الفلسطينيين كان رونالد لودر، وهو رجل أعمال ثري ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي. بعد حفل الافتتاح، التقى ترامب لودر وذكر أنه يريد الاتصال بعباس ليعرف إن كان الأخير مهتمًا بعقد اتفاق. قال له لودر: «أعتقد أنه سوف يكون شخصًا يمكنك العمل معه».
 
وقال التقرير: «إنَّ أوباما قد اتصل بعباس فور إلقائه القسم مباشرة. أما ترامب فقد انتظر قرابة الشهرين. وفي 10 مارس (آذار) وضع أحد موظفي البيت الأبيض عباس على الخط مع الرئيس. دخل ترامب في الموضوع مباشرة وسأله: «ما رأيك؟ هل يمكننا عقد اتفاقية سلام؟». لم يجب عباس مباشرة، وبدأ بمدح «النتائج الديمقراطية العظيمة» للانتخابات الأمريكية. قاطعه ترامب قائلًا: «حسنًا» ليخبره أنَّ الاتصال الهاتفي لم يكن واضحًا. ثم كرر ترامب: «نحن نتكلم عن اتفاقية سلام تاريخية. ما رأيك؟». قال عباس: «نحن نعتقد أنه يمكننا الوصول لسلام مع الإسرائيليين من خلال المفاوضات» وقال إنه مستعد للكلام مع نتنياهو لبدء المفاوضات. قال ترامب: «حسن. هذا جيد جدًا».
 
بعد ذلك فاجأ ترامب عباس ومستشاريه قائلًا: «هل تظن أنَّ بيبي يريد عقد صفقة؟ ما رأيك؟». فاجأ هذا السؤال عباس. فكرر ترامب سؤاله. أجاب عباس، حذرًا: «إنه رئيس وزراء إسرائيل. ليس لدينا أي خيار آخر». أمّن ترامب على كلامه قائلًا: «ليس لديكم خيار».
 
بعد ذلك أخبر ترامب عباس أنَّ ثمة فرصة لعقد صفقة «بسببي» واصفًا نفسه بالطرف المحايد ووعد أنه سوف «يعطي الأمر مجهوده الكلي» وتوقع أنَّ «هذا الأمر سوف يحصل». قال عباس: «نحن نعتمد عليك سيدي الرئيس. ونؤمن أنَّ بإمكانك تحقيق هذا الأمر».
 
تمثل التحدي الآخر لعباس عند لقائه لترامب في البيت الأبيض في شهر مايو 2017، إذ اتخذ اللقاء طابعًا معقدًا عندما سأل ترامب عن إعطاء السلطة الفلسطينية نقودًا لعائلات الأسرى في السجون الإسرائيلية وأسر الإرهابيين. أخبر عباس الأمريكيين أنَّ الفلسطينيين يخوضون صراعًا طويلًا مع إسرائيل وقال: «نحن نعتني بأسر الشهداء». بعد الاجتماع استضاف ترامب غداء لعباس، لكنَّ بانون رفض الحضور قائلًا إنه لم يكن لـ«يتناول الطعام مع شخص يديه ملطخة بدماء اليهود الأبرياء».
 
في الشهر ذاته بعد زيارة ترامب للرياض، قابل الأخير نتنياهو في القدس. وهناك أظهر له نتنياهو فيديو لمقتطفات من خطابات عباس حرض فيها على العنف، بحسب الترجمة الإسرائيلية. بعد ذلك سافر ترامب إلى بيت لحم وواجه عباس بهذا الفيديو مقترحًا أنه يريد خداع الإدارة الجديدة لتظن أنه ملتزم بالسلام، لكنَّ الفلسطينيين اتهموا نتنياهو بعرقلة عملية السلام؛ ما حدا بترامب لتغيير الموضوع.
 
نقل السفارة
 
أعلن ترامب نقل السفارة في السادس من شهر ديسمبر. جاء رد الفعل العربي معتدلًا بشكل ملحوظ، ومع ذلك فقد أخبر الزعماء العرب كوشنر، سرًا، أنهم كانوا مستعدين للضغط على عباس لقبول ما يعرضه ترامب على الفلسطينيين. لكن بعد هذا القرار، فلن يعود بإمكانهم الضغط على عباس لقبول الخطة الأمريكية بسبب المعارضة الشعبية.
 
وذكر التقرير أنَّ محمد بن سلمان التقى منظمات يهودية أمريكية في نيويورك في شهر مارس، وانتقد عباس لرفضه عروض سلام. إذ قال ابن سلمان: «في العقود الكثيرة الماضية ضيعت القيادة الفلسطينية فرصة تلو أخرى، ورفضوا جميع مقترحات السلام التي أعطيت. لقد حان الوقت للفلسطينيين لقبول المقترحات والموافقة على الحضور لطاولة المفاوضات، وإلا فليصمتوا ويتوقفوا عن الشكوى».
 
ثم تواصل ترامب مع عباس مرة أخرى عندما نشر الكاتب مايكل جودوين مقالًا في «النيويورك بوست» بعنوان «فضح كراهية عباس لليهود». وصف المقال خطابًا لعباس حقّر فيه من التاريخ اليهودي. وظهرت في المقال صورة لعباس ملوحًا بقبضتيه. كتب ترامب ملحوظة على نسخة من المقال: «محمود، واو ـ هل هذه حقيقتك؟» ثم وقعها «أطيب التمنيات، دونالد ترامب». قال بعض مساعدي ترامب: «إنَّ إرسال مثل هذه الرسالة لن يكون فعلًا دبلوماسيًا». لكنَّ كوشنر أحبها وقال للمساعدين: «إنَّ الرئيس يتصرف الآن كرئيس. الرئيس يتحدى عباس قائلًا له: في الحقيقة أريد أن أعرف هل أنت قائد عظيم أم أنك إرهابي؟ أرني بنفسك. الأمر راجع إليك».
 
ولما تلقى عباس ومساعدوه الرسالة ضحكوا، وفسروها على أحسن النوايا الممكنة. كان المقال عدائيًا لعباس، لكنَّ استخدام ترامب للاسم الأول لعباس، وعبارة «أطيب التمنيات» كانت تشير إلى أنه يحاول جر عباس إلى حوار. رد عباس على الرسالة قائلًا: «لا، ليست هذه حقيقتي».
 
لكنَّ عباس في واقع الأمر أضر نفسه عندما صرح في اجتماع أمام المجلس الوطني الفلسطيني، في أواخر شهر أبريل (نيسان) في رام الله قائلًا: إنَّ اليهود الأشكيناز لم يأتوا من الأراضي المقدسة المذكورة في الكتاب المقدس، وإنما من إمبراطورية الخزر التركية، وأنَّ الذبح النازي لليهود الأوروبيين لم يكن نتيجة لمعاداة السامية وإنما جاء نتيجة لأنشطتهم المالية «الربا والمصارف وما إلى ذلك». هجم نتنياهو على عباس مغردًا باتهامه بأنه يكرر «أكثر الإشاعات المعادية للسامية خسة».
 
الشرق الأوسط الأحدث
 
قال التقرير: «إنَّ النهج المتشدد لاستراتيجية الشرق الأوسط قد ظهر مع نقل السفارة في شهر مايو من تل أبيب إلى القدس، وقرار ترامب بالانسحاب من الاتفاقية اليومية. في كلتا الحالتين اختارت الإدارة المقامرة، على الرغم من التحذيرات المتكررة. وفي يوم نقل السفارة، في 14 مايو، كان الجنود الإسرائيليون يطلقون النار على الفلسطينيين المحتشدين أمام السور الأمني المحيط بقطاع غزة للتظاهر ضد الاحتلال؛ فقتل حوالي 60 فلسطينيًا ذلك اليوم».
 
وبينما كان كوشنر في طريقه للاحتفالية، سمع الأخبار فأجرى تعديلًا في الدقيقة الأخيرة على خطابه، أضاف فيه أنَّ «أولئك الذين يستفزون العنف جزء من المشكلة لا جزء من الحل».
 
اتهم الفلسطينيون ومجموعات حقوقية وحكومات أجنبية الجيش الإسرائيلي باستخدام القوة المفرطة في غزة. وقال: متحدث باسم تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية: «لإسرائيل الحق في الدفاع عن حدودها… لكنَّ استخدام الذخيرة الحية أمر مقلق للغاية». وغرد رجب طيب أردوغان قائلًا: إنَّ نتنياهو رئيس وزراء «دولة فصل عنصري»، ورد متحدثون باسم الحكومة الإسرائيلية بأنَّ الجيش كان يدافع عن الشعب الإسرائيلي وأرضه، وأنَّ الفلسطينيين كانوا في واقع الأمر مسلحين بالصخور والمتفجرات واستخدموا «دروعًا بشرية».
 
وردًا على العنف في غزة، أصدرت دول الخليج استنكارًا شعائريًا ودعمًا للفلسطينيين، لكنَّ المسؤولين الإسرائيليين رأوا اللغة باردة بشكل لا يمكن إنكاره، بطريقة مماثلة لردهم على قرار القدس.
 
وقال التقرير: «إنَّ التعاون بين إسرائيل ودول الخليج قد توسع مؤخرًا ليصل إلى شبه جزيرة سيناء، حيث نشر محمد بن زايد قوات إماراتية لتدريب القوات المصرية ومساعدتها في قتال المسلحين بمساعدة الطائرات العسكرية الإسرائيلية ووكالاتها الاستخباراتية. وقامت قوات إماراتية في بعض الأحيان بمهام مكافحة الإرهاب في سيناء. وعلى الرغم من أنَّ نتنياهو يحب جعل هذه العلاقات أكثر علانية، فإنه لا يريد تعريض ابن زايد وابن سلمان للخطر. ويأمل نتنياهو في النهاية أنَّ أولئك القادة سوف يتخذون خطوات للاعتراف بإسرائيل، وهي لحظة لا يريد الفلسطينيون رؤيتها، لا سيما في حالتهم الحالية».
 
واختتم التقرير بالقول: إنَّ الفلسطينيين يبدون خاسرين على الأرجح في هذا الشرق الأوسط الجديد. وكما قال مسؤول عربي كبير في هذا التحالف الاستراتيجي: «فإنَّ هذا التحالف سوف يتم بصرف النظر عن وجود خطة سلام أو عدم وجودها». وقال أحد كبار مستشاري ترامب: إنَّ «إيران هي السبب في حدوث كل ذلك».