واشنطن تدخل على خط الهدنة في افغانستان.. مناورة تكتيكية أم تغيير استراتیجي؟

واشنطن تدخل على خط الهدنة في افغانستان.. مناورة تكتيكية أم تغيير استراتیجي؟

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٨ يونيو ٢٠١٨

لأول مرة منذ الاجتياح الأمريكي لأفغانستان، طغت صور عناصر حركة طالبان خلال تجولهم في شوارع العاصمة الافغانية كابول، بعد ساعات من اعلان الحكومة الافغانية وقف اطلاق النار خلال فترة عيد الفطر ومن ثم تمديها الى اجل غير مسمى، على مظهر الحياة العامة في العاصمة التي عادة ما تكون مشاهد الدخان والانفجار هي المشهد المميز لها.
 
وبدلا من صور الدمار والانفجارات الممزوجة برائحة البارود، انتشرت صور جديدة لم يعتد عليها المواطن الافغاني عن عاصمته و أنعشت آمالا لديه بأن بداية سلام دائم طال انتظاره قد تكون اقتربت، حيث نشرت مواقع افغانية عديدة في ظاهرة لافتة مقاطع فيديو لمسلحين من طالبان يحتضنون جنديا أفغانيا في قندز شمالي البلاد لتهنئته بالعيد. كما نشرت القناة الأولى الأفغانية صورا لمسلحين وجنود سويا جنوب كابول، كذلك نشرت صورة لعنصر من طالبان يرفع العلم الأفغاني على جسر في المدينة وبجانبه مجموعة من السكان المحليين يلتقطون صورة سيلفي.
 
هذه المشاهد الوردية تكللت ايضا بلقاء وزير الداخلية الأفغاني، ويس أحمد برمك، في اليوم الثاني من عطلة عيد الفطر مع عدد من أعضاء حركة طالبان، في ضوء تصريحات المسؤولين الأفغان حول الالتزام بوقف إطلاق النار مع طالبان، واظهرت الصور التي انتشرت على الشبكات الاجتماعية، أن برمك وأعضاء حركة طالبان، يتحدثون على رصيف طريق في العاصمة الافغانية .
 
وبعد اعلان الرئيس الأفغاني أشرف غاني عن تمديد غير محدود لوقف إطلاق النار مع حركة طالبان ، سارعت واشنطن الى الدخول على الخط وتعكير المشهد الوطني باعلان وزارة الخارجية الأمريكية استعدادها للانضمام إلى محادثات سلام مع طالبان، باعتبار ان التواجد الامريكي في أفغانستان وحتى تدخلها في مشهد الحياة العامة في البلاد يعد المصدر الرئيس للنزاع المسلح ،  وفي هذا الصدد ، قال وزير الخارجية الأمريكي ، مايك بومبيو ، رداً على الإعلان عن تمديد وقف إطلاق النار في عيد الفطر ، إن أي تفاوض وبناء سلام في افغانستان يجب أن يصحبهما التزام دولي ، مؤكدا أن بلاده مستعدة للانضمام إلى المحادثات، في حين ورحب حلف شمال الأطلسي بإصدار بيان تمديد وقف إطلاق النار ووقف الاشتباكات بين طالبان وقوات الحكومة الأفغانية وتحدث استعداده لدعم الخطوة.
 
أفغانستان ماتزال محتلة
 
وعلى الرغم من الادعاء الامريكي بالاستعداد للتفاوض مع طالبان وترحيب الناتو بوقف إطلاق النار في هذا البلد الذي يعاني منذ سنوات حروبا طاحنة ، إلا أن رد فعل طالبان على هذه المزاعم كان مختلفاً تمامًا، فبعد ساعات من اعلان وقف اطلاق النار، أكد المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد ، إن الحركة لا تخطط لتمديد الهدنة باعتبار أن البلاد ما زالت تحت الاحتلال، في اشارة الى الوجود العسكري الامريكي المستمر من 18 عاما والذي يمثل، وفقًا لتصريحات وبيانات طالبان، عقبة رئيسية أمام السلام والاستقرار في أفغانستان، اذ ان الحركة لطالما أكدت على ضرورة انسحاب القوات الأمريكية وقوات الناتو كشرط أولي لاستئناف محادثات السلام، وعليه فان تزامن اعلان واشنطن بدعمها لوقف اطلاق النار جاء كتذكير لحركة طالبان على انها ماتزال موجودة على الارض وتحريض مبطن لعدم تمديد هذه الهدنة.
 
التناقض الامريكي في أفغانستان
 
من ناحية أخرى ، فان القراءة المتأنية لسياسات واشنطن وأساليبها في أفغانستان منذ بداية الغزو حتى الان يظهر بوضوح حجم التناقضات الكبيرة لأطول حرب أمريكية في الشرق الاوسط، فمنذ احتلال افغانستان عام 2001 أيام الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش مرورا بعهد الرئيس بارك اوباما وصولا الى عهد ترامب الحالي، شكلت الساحة الأفغانية معضلة اساسية للبيت الابيض وساكينيه، وعادة ما تم استثمار هذه القضية داخليا من خلال المزاودة بين الرؤساء الامريكيين في قضية تخفيض عدد القوات الامريكية في أفغانستان والتي بقيت مشاريع حبيست الادراج في مجملها.
 
التناقض الامريكي ايضا يظهر باعلان واشنطن ترحيبها بالهدنة في افغانستان من جهة، وفي المقابل تعمل، ومن خلفها حلف الناتو، بشكل متواصل على زيادة عدة قواتها في هذا البلد بدل ان تسعى الى الانسحاب باعتبار ان خروج القوات الاجنبية شرط اساسي لحركة طالبان للجلوس على طاولة المفاوضات، مما يضع علامات استفهام عديدة حول مدى جدية واشنطن بتحقيق السلام والاستقرار في افغانستان.
 
ومن الضروري التذكير هنا بان الى الاستراتيجية الأمريكية الجديدة المعلنة لأفغانستان اشارت بوضوح الى أن واشنطن لا تفكر باجراء محادثات سلام مع حركة طالبان أو مناقشة وجودها العسكري مع اي جهة افغانية رسمية او غير رسمية، وهذا ما اعلنه ايضا الرئيس الامريكي دونالد ترامب خلال اجتماع مع ممثلي مجلس الأمن الدولي قبل 4 اشهر، الذي قال أن واشنطن لا تريد التفاوض مع حركة "طالبان"، لكنها تعتزم أن تنجز "ما ينبغي إنجازه" في أفغانستان، في حين يصر وزير الخارجية الامريكي على حشر بلاده في اي مفاوضات يتم اجراؤها بين الحركة والحكومة الافغانية وحتى ادخالها في اي اتفاق هدنة، فهل نحن الان أمام تبدل في السياسة الامريكية اتجاه هذا البلد أم هي محاولة أمريكية غير مباشرة لتخريب اي انجاز حقيقي بين الفرقاء الافغان يسعى لوقف شلال الدم المتواصل منذ اعوام؟.