إسرائيل وروسيا:اكتشاف فساد نظرية التابع والمتبوع… في سورية

إسرائيل وروسيا:اكتشاف فساد نظرية التابع والمتبوع… في سورية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٩ يونيو ٢٠١٨

يعدّ افشال اتفاق الجنوب السوري، شبه المبرم بين تل أبيب وموسكو، محطة في مسار الصراع في المنطقة، في/ وانطلاقاً من سوريا. وهي محطة كونها كاشفة لحقائق ومعادلات ومفاهيم مغلوطة، كانت تدفع البعض إلى رهانات وخيارات لا تجدي ولا توفر النتائج المرجوة منها، سواء في مرحلة الحرب الميدانية المتواصلة أو في مرحلة الإعداد للحل السياسي، الذي يريد البعض أن يكون مغايراً وغير متساوق، مع النتائج الميدانية للحرب.
«حق النقض»، إن صح التعبير، للدولة السورية تجاه الاتفاق، ومن ثم ثباتها على هذا الموقف والتأكيد عليه، كشف حدود القدرة على فرض معادلات لا تريدها ولا تصب في مصلحة الدولة السورية، كما تراها وتشخصها هي. ومن ناحية إسرائيل، أعاد هذا الموقف تل أبيب للبحث في خياراتها تجاه الساحة السورية التي باتت تدرك مسبقاً صعوبة وتعذّر تحقيق نتائجها. موقف سوريا وثباتها إلى حد تظهير التباين بينها والحليف الروسي، شكّل بمعان استراتيجية، صدمة لدى الإسرائيلي، واثبتت لديه أن إمكان الضغط على «الصديق» الروسي ودفعه للضغط بدوره على الدولة السورية، هو رهان دونه عقبات ويتعذر عليه كخيار، تحقيق النتائج التي تخدم المصالح الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، ظهّر ثبات الدولة السورية تجاه الحليف الروسي أيضاً، السقوف أمام قدرة الحلفاء، في الدفع نحو تغيير الموقف والامتناع عن التمسك بالثوابت. اكتشاف وتلمس هذا الفهم المغلوط لقدرة وإرادة الدولة السورية على الممانعة، وإن مع تباين لدى تل أبيب وموسكو تجاه تأثير وتداعيات هذا الفهم المغلوط، من شأنه تصويب الرهان الخاطئ على نظرية التابع والمتبوع وتبعاتها وسوء التخطيط بناء عليها، لتحقيق المصالح.
إلا أنّ الرئيس بشار الأسد لم يكتف بـ«حق النقض» على اتفاق الجنوب السوري وتظهير التباين مع الحليف الروسي، بل رفع درجة تظهير الثبات وربما أيضاً التباين، إلى الحد الذي أكد فيه حق الحليف الإيراني في الوجود العسكري في سوريا، مشدداً على أنه لا يوجد أي شيء يمنع إيران من إقامة قواعد عسكرية في الساحة السورية ما دام أنها دولة حليفة كما هي روسيا. موقف كان مفاجئاً للجانب الإسرائيلي، ودفع تل أبيب إلى إطلاق تهديدات ضد الدولة السورية والرئيس الأسد، مع إدراكها المسبق أنها غير قادرة من ناحية الإمكان، على تحقيقها فعلياً.
مع ذلك، مرحلة ما بعد تظهير التباين بين الدولة السورية وحليفها الروسي، تختلف عما قبلها. ولولا ضوابط ومعادلات الميدان، والقدرة والظروف والخطوط الحمر المتبادلة، لما كان بالإمكان استبعاد الخيارات المتطرفة التي كانت لتلجأ إليها إسرائيل. كذلك، كل الأطراف معنية بالتعامل وبلورة خياراتها بناء على هذا التباين وتأكد «مغلوطية» نظرية التابع والمتبوع، وتحديداً ما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية للدولة السورية، التي لا يمكن معها مراعاة طرف آخر، وإن كان من أقرب حلفائها.
على هذه الخلفية، بات بالإمكان فهم الزيارات المتبادلة والمواقف والتصريحات، وكذلك الأفعال، إن لجهة الحليف الروسي أو لجهة العدو الإسرائيلي، كل بحسب مصلحته ومستوى تأثير تظهير فساد نظرية التابع والمتبوع على مصالحه. من ناحية إسرائيل، التي يكثر لديها التهديد والتهويل، فهي تسعى في هذه المرحلة للتعويض عن إخفاق رهاناتها عبر رفع الصوت والتأكيد على ثبات موقفها، على رغم إدراكها تعثر إمكان تحقيقها، بعد أن تلمست محدودية قدرة «الصديق» الروسي على تغيير ثبات الموقف السوري، من قضاياه ومصالحه الاستراتيجية.
من ناحية روسيا، فهي تسعى بدورها إلى منع وعرقلة أي تصعيد من شأنه أن يؤثر سلباً في مكاسبها في الساحة السورية، بما يشمل الخط الأحمر المانع للمسّ بالدولة السورية التي ظهرت الأحداث الأخيرة أنها ملتصقة إلى حد كبير جداً، مع حلفائها الأقرب إليها: إيران وحزب الله.
وفي حين تسعى تل أبيب إلى التأكيد على قدراتها وإرادة وهامش المناورة لديها في العمل داخل سوريا على رغم إدراكها المسبق محدودية القدرة على تحقيق النتائج بقدراتها الذاتية، فهي في ظل تواصل الامتناع الأميركي عن التدخّل المباشر في قتال ميداني ضد أعدائها في سوريا، ستبقى تراهن على الجانب الروسي مع التشديد على عامل التهويل في موازاة إدراك تباينه عن الموقف السوري، بما خص مصالحها وعدائها. إلا أن إمكان تراجع تل أبيب عن مواصلة مساعيها، قولاً وفعلاً، غير وارد لأنه يمثل انكساراً مدوياً لا يقل سلبية من ناحيتها، عن انكسارها في الحرب السورية نفسها، التي أملت سابقاً بأن تحقق من خلال إسقاط الأسد مصالحها دفعة واحدة، بما يتجاوز سوريا نفسها.
ومع الإدراك المسبق، معنى ودلالة تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على أن إخراج إيران من سوريا هو «مسار طويل»، بعد أن كان قبل فشل اتفاق الجنوب السوري، يتحدث بلغة حازمة وحاسمة لا لبس فيها، على القدرة الوشيكة التي لا رجعة فيها، عن تحقيق هذه النتيجة. إلا أن ذلك لن يعني تراجع إسرائيل عن مساعيها التي لن تحيد عن خيار من ثلاثة: التراجع أمام الفشل وهو ما لا يمكن أن تلجأ إليه لسلبياته الكبيرة جداً؛ مزيد من الشيء نفسه مع الحرص على عدم التسبب بتصعيد شامل؛ أو التوصل إلى اتفاق جديد بخصوص الجنوب السوري مع الجانب الروسي، يراعي حقيقة التباين مع الدولة السورية، على أن يكون مراعياً لمصالح دمشق وشروطها.
كانت لافتة التعليقات الإسرائيلية والروسية، وذات دلالات، التي صدرت بعد زيارة قائد الشرطة العسكرية الروسية فلاديمير إيفانوفسكي إلى إسرائيل قبل أيام. وهي الزيارة التي تبعها اتصال مبادر إليه من تل أبيب، بين نتنياهو والرئيس فلاديمير بوتين. في التفسير الروسي لهذا الحراك، أكد الكرملين في بيان صادر عنه الاتفاق على تعزيز التنسيق في شأن سوريا وبذل جهود مشتركة لضمان الأمن في منطقة الحدود بين إسرائيل وسوريا، أي أن إرادة موسكو هي منع التصعيد في المنطقة الحدودية، فيما يرد في التعليق الإسرائيلي لهذا الحراك، تأكيد على ضرورة انسحاب جميع القوات الإيرانية و«الميليشيات» التابعة لها من المناطق القريبة من الحدود.
أعاد الموقف الرسمي للدولة السورية من التطورات و«الخطط» الأخيرة للجنوب السوري تصويب المفاهيم، وتحديداً فساد نظرية التابع والمتبوع التي راهنت إسرائيل عليها طويلاً. مع ذلك، وفي ظل الامتناع الأميركي عن التورط أكثر وبشكل قتالي مباشر في سوريا، ستبقى إسرائيل على اتصالها مع روسيا للاستفادة إن أمكن منه، على رغم فشل الرهان الكامل على «الضغط الروسي»، في موازاة مواصلة وتعزيز ما أمكن من سياستها العدائية، بمزيد من الشيء نفسه وفي «مسار طويل»، علّه يحقق لها في حربها الجديدة، ما عجزت عن تحقيقه وحلفائها في الحرب السورية.
الأخبار