من شينجيانغ إلى إدلب.. كيف اجتمع العرب والصينيون بمعركة واحدة ضد الأدوات الأمريكية؟

من شينجيانغ إلى إدلب.. كيف اجتمع العرب والصينيون بمعركة واحدة ضد الأدوات الأمريكية؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٤ يوليو ٢٠١٨

السيد شبل
الحملات المحمومة التي تنطلق بين فترة وأخرى حول اضطهاد مسلمي الصين حملات مضللة، وهي كلها تركز على الاضطرابات التي تتعلق ببعض الحركات داخل جماعة المسلمين الإيغور، وتتجاهل أن القومية المسلمة الأكبر هناك هي قومية الهوي، وهي تعيش بمنتهى الأمان وبشكل طبيعي تماما، هذا بالإضافة إلى أن الوضع داخل الإيغور أنفسهم محصور في نطاقات ضيقة، وليس شائع بين عموم المواطنين الصينيين الإيغور العاديين، والذين تظهر من بينهم نخب مثقفة ترد على هذه الحملات وتكذّبها، كما فعل قربان جيان صمد في كتاب "أنا من شينجيانغ"، وتدافع عن التعايش، وتطالب بالتنمية الحداثية للمنطقة، وتشير إلى المشكلات التي تواجه البشر حقيقة كـ"الفقر والمرض والجهل والتخلف". وعدد المسلمين في الصين يبلغ بالكاد 24 مليون نسمة - 1.7% من جملة السكان، وهذا الأقرب للصحة، وهناك من يصعد بالنسبة إلى 2 أو 3% على أقصى تقدير، وعدد المساجد التي تخدمهم من 35 إلى 45 ألف مسجد، وربما أكثر. الحملات المُعدّة خارجيًا بعناية تستهدف بالأساس تزكية نزعة انفصالية في إقليم تشينجيانغ (حيث يعيش الإيغور ذوي الجذور التركية وغيرهم)، وإزعاج النظام الصيني الصاعد كمنافس لواشنطن، وتأزيم العلاقات بين الشرق والشرق (عربي وشرق آسيوي). هذه الحملات يقف خلفها ما يسمى بـ "المجلس العالمي للإيغور" أو "مؤتمر الإيغور العالمي" الذي تأسس في 2004 بميونخ في ألمانيا، والذي يتلقى تمويلا من "الوقف الوطني الأمريكي للديمقراطية - نيد" الذي هو بمثابة واجهة قانونية لأنشطة السي آي إيه، ومنه تأتي تمويلات للمعهدين الجمهوري والديمقراطي. وهذا المجلس الإيغوري تقوده "ربيعة قدير" وهي سيدة تتناقل المواقع الإخبارية العربية أخبارها وتصريحاتها لكنها لا تتعرض للتمويلات الغربية التي تحظى بها، وكذلك لا تلفت النظر إلى أنها تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحمل الجنسية الأمريكية. كذلك هناك، جمعية الإيغور بأمريكا أو الرابطة الأمريكية الإيغورية، والتي تأسست في الولايات المتحدة في عام 1998، وتتلقى 249 ألف دولار سنوياً من الوقف الوطني الأمريكي للديمقراطية.. من أجل مشاريع البحوث والدفاع عن حقوق الإنسان!. وهذه المؤسسات تلعب كذلك دور خطير في توتير العلاقة بين المواطنين داخل إقليم تشينجيانغ الذي يحظى بالحكم الذاتي، وتضخيم المشكلات بين الإيغور (45,8% من سكان الإقليم) والهان (41%)..، كما حصل في أحداث أورومتشي 2009، والتي أدت لسقوط قتلي. "قدير" وبقية قادة هذه الجميعات، يلعبون دور الدالاي لاما البوذي الذي ترعاه ذات الجهات الغربية، وتستخدم قضية التبت لإزعاج النظام الصيني وشق وحدة البلد، كما يلعبون دور الظهير المدني لعصابات "السلفية الجهادية"، وهو دور شاهدنا من يشغله كثيرًا في الوطن العربي بالعقود الأخيرة. العصابات السلفية الجهادية في تشينجيانغ تتحرك تحت لافتة "حركة شرق تركستان الإسلامية / الحزب الإسلامي التركستاني"، الذي أسسه حسن محسوم (توفى عام 2003)، والذي كان مقربًا من قادة طالبان والقاعدة في أفغانستان، والذي تلقى تمويلا منهم. هذا الحزب اليوم يشارك في القتال الدائر ضد الجيش العربي السوري بشمالي البلاد، في إدلب بالأخص، وقد بايع فصيل "التوحيد والجهاد" التابع لـ جبهة النصرة، علمًا بأن كتيبة "التوحيد والجهاد" مكونة في معظم عناصرها من مقاتلين قادمين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. وتشير التقديرات إلى أن عدد مقاتلي الحزب في سوريا يترواح ما بين الـ3 آلاف والـ 5 آلاف، قدموا مع عائلاتهم من الصين وأوزباكستان وطاجيكستان وتركمانستان، ويقيمون في ريف إدلب الغربي، وريف اللاذقية الشمالي، ومرّوا بدعم وتسهيلات من حكومة العدالة والتنمية التركية، وقد شارك الحزب في معارك وقعت في "جسر الشغور"، ومطار "أبو الظهور" العسكري. وخلال نهايات عام 2017 ، وكما أشارت فضائية الميادين، صعّدت عناصر هذا الحزب من نشاطها عبر تنفيذ عمليات نهب، وتدمير لمرافق حيوية والإستيلاء على أموال عامة، والتنقيب عن آثار وكنوز، في خطوات تشير إلى أنهم يستعدون لجمع أكبر قدر من المكاسب قبل المغادرة؛ وفي 19 نوفمبر 2017 نفذ الحزب ما يشبه التباهي والاستعراض العسكري، ووجه أمير الحزب المعروف باسم "الشيخ عبد الحق" تهديداً مباشراً للحكومة الصينية واصفاً ما تقوم به في إقليم "شينغ يانغ" غرب الصين بـ"الإرهاب". ودعا "عبد الحق" إلى "الجهاد" ضد الحكومة الصينية، في موقف يعزز الإعتقاد بأن المرحلة الحالية هي مرحلة تصفية الحسابات، وإعادة ترتيب الساحة السورية وتوجيه المقاتلين الأجانب بما يخدم مصالح القوى الدولية. رجب طيب أردوغان مشتبك تمامًا في هذا الملف، وهو يتحرك في آسيا الوسطى باعتبارها "أرض أجداد الأتراك"، ويحتضن عدد من النشطاء الإيغوريين الداعين للانفصال، كما أن وسائل الإعلام التركية تغطي هذا الملف بحماس ملحوظ، كذلك فالمخابرات التركية وثيقة الصلة بالمقاتلين الإيغور في سورية، والذين يتواجدون بالقرب من الحدود التركية، كما أن بعض أنظمة الخليج تموّل تلك العصابات بشكل مباشر، أو عبر دعم الأفكار الوهابية التي توصّل لتلك النتائج تحديدًا عندما تختلط بأفكار المودودي وسيّد قطب، كذلك فإن محطة الجزيرة القطريّة لها سنوات تتبنى هذا الملف، وتقوم بتضخيمه، وجذب الأنظار نحوه. النظام الصيني عندما يحاول حصار نشاط هذه الجمعيات وتقليم أظافرها وغلق الهيئات والمراكز الدينية الداعمة لها، أو تكبيل انتشار الأفكار التي تغذيها، يتم تصوير الأمر على أنه حملة "اضطهاد ديني أو عرقي"، كما يتم تضخيم أي تجاوز إجرائي أو أمني، وعندما تقع صدامات في تشينجيانغ لها طابع عرقي إثني من هذا النوع التقليدي الذي من الممكن أن يقع في أي دولة بالعالم، يتم تصوير الأمر على أنه حملات عنف ممنهجة من طرف السلطة، ويتم ضخ تمويلات تشجّع جماعات من الإيغور على التصعيد بالعنف، كما تنمي لديهم الإحساس بالعزلة والاغتراب والانزواء. وكانت السفارة الصينية بالقاهرة قد نشرت في يوليو 2016 معلومات حول منطقة شينجيانغ تفيد بأنه يوجد بها 25 ألف مسجد، و29 ألف إمام، و8 مؤسسات تعليمية دينية من بينها معهد شينجيانغ للعلوم الإسلامية ومدرسة شينجيانغ الإسلامية، كما تُنشر فيها سلسلة إصدارات خطب الوعظ ومجلة المسلم الصيني التي تصدر باللغة الإيغوريةـ ويصل توزيعها إلي أكثر من مليون و760 ألف نسخة. وقد أشرفت الجمعية الإسلامية لمنطقة شينجيانغ الذاتية الحكم علي ترجمة وطبع معاني «القرآن الكريم» وكتب دينية أخرى بلغات سكان شينجيانغ من الإيجور والقازاق والقرغيز، ونشرت 800 ألف نسخة من هذه الكتب. وقد أنجزت منطقة شينجيانغ بحث وتصنيف وإصدار كتب وسجلات تاريخية إسلامية ذات علاقة بالأقليات العرقية، ومن ذلك «ديوان لغات الترك»، و«المقامات الإثنا عشر» و«موسوعة الطب والأدوية» الخ. وقامت مصلحة الكتب الأدبية القديمة للأقليات في شينجيانغ بجمع واقتناء مخطوطات للقرآن الكريم والأحاديث النبوية، كما قام بترتيب وإصدار أعمال أدبية كلاسيكية تتعلق بالثقافة الإسلامية مثل «سير الأنبياء» وغيره. كما قامت الدوائر الثقافية المعنية بترتيب ودراسة «الموسيقي السنية» و«الموسيقي الصوفية» و«الأغاني الشعبية». لكن ما يجري فيما يتعلق بالصين، شبيه بما يجري في أي قُطر عربي تقدّمي يواجه بحملات تضليل إعلامية غربية مكثفة تستر الحقائق وتشوهها، وتقدّم للرأي العام المعلومات التي تستهدف صناعة حالة عامة مؤيدة للأعمال المتطرفة والتخريبية.. والتجربة تكشف أنه عندما تعرضت الصين لعمليات إرهابية في السنوات الأخيرة، قامت المنظمات الغربية بتبرير تلك العلميات، واعتبرتها "تعبيرا عن حالة اليأس والإحباط"، في وضع مشابه لموقف تلك المنظمات مما يجري في عدد من الدول العربية. تأسيسًا على ما سبق فإن الصين عندما تتحالف مع العرب في المعركة ضد عصابات الكونترا "الوهابية-القطبية" فهي تخوض معركة ضد عدوّها ذاته، وتدافع عن نفسها، كذلك نحن كعرب عندما نعي بمخططات "السي آي إيه" في شرق آسيا أو القوقاز أو أمريكا الجنوبية، فإننا نكون على وعي بمخططات تضرّنا نحن أيضًا، بالضرورة.