تطبيع روسي - أميركي: سورية «نموذجاً»؟

تطبيع روسي - أميركي: سورية «نموذجاً»؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٧ يوليو ٢٠١٨

بعد ساعات من إلقائه باللوم على بلاده لـ«سوء العلاقة» بين واشنطن وموسكو، خرج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ليشيد بالحوار «المباشر والصريح» مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي مباشر بعد قمّة تاريخيّة عُقدت في هلسنكي، حيث اتفق كلّ منهما على «نجاحها». 
وفيما اتخذت قضية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية حيزاً واسعاً من المؤتمر الصحافي، تطرّق الطرفان إلى جملة قضايا أساسية، أبرزها العلاقة بين البلدين، والأزمة السورية، والحدّ من الانتشار النووي وإيران. 
على رغم النجاح العام للمؤتمر الصحافي، إلّا أن الإعلام الأميركي نظر إليه على أنه كان «مهيناً» بالنسبة إلى ترامب، ووصفه الصحافي في شبكة «سي أن أن»، أندرسون كوبر، بأنه «أكثر أداءٍ مشين لرئيس أميركي في تاريخ الولايات المتحدة أمام قائد روسي».
يأتي ذلك مع تكرار ترامب خلال المؤتمر الصحافي لموقفٍ أطلقه في تغريدة قبيل القمة، رأى فيها أن توتّر العلاقات بين بلاده وروسيا يعود لـ«سنوات من التهوّر والحماقة الأميركية، والآن الحملة السياسية» في إشارة إلى التحقيق الذي يجريه المدّعي الخاص، روبرت مولر، حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016.
 
قبيل بداية القمّة وخلالها، انتشر على موقع «تويتر» وسم «قمّة الخيانة»، للتدليل على أنّ لقاء ترامب ــ بوتين مذلّ للولايات المتحدة، خصوصاً في ظلّ اتهام روسيا بالتدخل لمصلحة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية. بعيد اللقاء الثنائي الذي استمرّ ساعتين وجمع بوتين وترامب والمترجمين، تلاه غداء عمل موسّع، أعلن ترامب أن القمة «بداية جيدة جداً».
 
«الكرة السورية في الملعب الأميركي»
شكّلت الأزمة السورية، كما كان متوقعاً، نقطةً أساسيةً في المؤتمر الصحافي للرئيسين الروسي والأميركي. وأعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه بعد القضاء على الإرهاب في سوريا يجب إعادة الوضع في الجنوب السوري إلى اتفاق فك الاشتباك (1974) الذي يرسّخ وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، مؤكداً أنه من مصلحة روسيا أن يتحقّق السلام، وفق قرار مجلس الأمن الرقم 338، صدر في 22 تشرين الأول/أكتوبر 1973.
وأشار بوتين أيضاً إلى أن العسكريين الروس والأميركيين نظّموا التعاون وتمكّنوا من تفادي الصدامات الخطيرة في سوريا، موضحاً أن العسكريين الروس والأميركيين حصلوا «على خبرة مفيدة في التعاون والتنسيق، ونظمّوا قنوات اتصال سريعة ما سمح بتفادي الحوادث الخطيرة والصدامات المفاجئة على ساحة المعركة في الجو وعلى الأرض». وأضاف أنه بحث مع ترامب «مسائل الأزمة في سوريا. إنها مسألة معقدة جداً. التعاون بين بلدينا يمكن أن ينقذ مئات آلاف الأرواح». تابع بوتين أنه «في ما يخص سوريا، فإن تسوية مشاكل إعادة السلام لهذه الدولة يمكن أن يكون مثالاً ناجعاً للعمل المشترك، بإمكان روسيا والولايات المتحدة لعب دور رائد في هذه المسألة وتنظيم التعاون لمنع وقوع أزمة إنسانية، والمساعدة في إعادة اللاجئين إلى بلادهم».
من جهةٍ ثانية، علّق بوتين ممازحاً على تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بأن «كرة التسوية» في سوريا تبقى في ملعب روسيا. قال بوتين: «في ما يتعلق بكون كرة سوريا في ملعبنا... فقد قال السيد الرئيس إنّنا نجحنا في استضافة كأس العالم لكرة القدم. وأريد أن أقدم هذه الكرة للسيد الرئيس، فهي الآن في ملعبه»، متابعاً أنّ الولايات المتحدة ستستضيف كأس العالم لكرة القدم في عام 2026. استلم ترامب الكرة من بين يدي بوتين وهو يبتسم، قائلاً: «صحيح ، علينا استضافة المونديال، ونأمل في أن ننجح نحن أيضاً في ذلك».
من جهته، رأى ترامب أن «الأزمة في سوريا معقّدة والتعاون بين البلدين ضروري لحلّها»، مضيفاً أنّ «التعاون بين بلدينا حول الأزمة السورية من شأنه إنقاذ آلاف الأرواح». وتابع إنه «لا يوجد أي اتفاقات أو ترتيبات عسكرية محدّدة الآن حول سوريا» مع الروس، لكنه أكّد أنه وبوتين يعملان من «أجل أمن إسرائيل، وأنا وبوتين متفقان على تحقيق ذلك».
 
«4 ساعات» تنهي التوتر 
في بداية المؤتمر الصحافي، أعلن ترامب أن الحوار مع بوتين كان «مثمراً للغاية»، فيما تحدّث بوتين عن «مفاوضات ناجحة مع ترامب»، معتبراً أنّه لا يوجد أي «سبب موضوعي» لكي تكون العلاقات بين البلدين صعبة.
وأكّد ترامب أن القمة مع نظيره الروسي «ليست سوى البداية» لعملية استعادة العلاقات، مضيفاً أنه «من مصلحة كل منا مواصلة حوارنا واتفقنا على القيام بذلك… أنا متأكّد من أننا سنلتقي مستقبلاً في كثير من الأحيان، وآمل في التوصل إلى حلّ المشاكل التي ناقشناها اليوم». 
واعتبر الرئيس الأميركي أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا كانت في أسوأ حالاتها «قبل أربع ساعات»، لكنّها تحسّنت بفضل هذه القمة. وشدّد ترامب على أن «الحوار البناء بين الولايات المتحدة وروسيا يعطي فرصة لتمهيد الطريق نحو السلام والاستقرار في العالم»، موضحاً أن «الخلافات بين بلدينا معروفة، وناقشتها اليوم بشكل مفصل مع الرئيس بوتين».
وشدد بوتين كذلك على ضرورة توحيد روسيا والولايات المتحدة جهودهما الرامية لمواجهة التهديدات المشتركة بالنسبة إليهما. وأوضح أن «روسيا والولايات المتحدة تواجهان اليوم تحديات أخرى تماماً، ومن بينها الانعدام الخطير لتوازن آليات الأمن الدولي والاستقرار، والأزمات الإقليمية، وتمدد التهديدات النابعة من الإرهاب والجرائم العابرة للقارات والعناصر الإجرامية، وزيادة عدد المشاكل في الاقتصاد العالمي، والأخطار البيئية وغيرها. وليس من الممكن حل هذه المشاكل إلا بتضافر الجهود». 
بالنسبة إلى ترامب، فإنه «إذا أردنا أن نحل الكثير من المشكلات التي تواجه عالمنا، فسوف يتعين علينا إيجاد سبل للتعاون». كذلك، قال إنه بحث مجموعة كبيرة من القضايا الحساسة للبلدين ومنها الحرب في سوريا وقضية إيران والإرهاب العالمي والحد من الأسلحة النووية. وأضاف أنه تناول أيضاً في محادثاته قضية التدخل الروسي المزعوم في الانتخابات الأميركية.
من جهته، رأى الرئيس الروسي أن محادثاته مع نظيره الأميركي جرت «وسط أجواء من الصراحة والعمل... في شكل عام نحن مرتاحان لهذا اللقاء الفعلي الأوّل… لقد تحادثنا بشكل جيد... وآمل بأن نكون قد بدأنا نفهم بعضنا البعض في شكل أفضل». 
وتابع بوتين أنه وترامب لم يتمكنا من «حلّ كلّ شيء، إلّا أننا أنجزنا خطوة مهمة في هذا الاتجاه». 
من جهته، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، اليوم، أن أول قمة ثنائية بين الرئيسين الروسي والأميركي في هلسنكي كانت «أكثر من ممتازة».
 
التدخل الروسي 
أعلن الرئيس الروسي أن بلاده لم تتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016 والتي فاز بها ترامب، فيما تؤكد تقارير استخباراتية أميركية حصول ذلك التدخل. لكن ترامب أعلن في المؤتمر الصحافي المشترك أن التحقيق في احتمال حصول تدخل روسي في الانتخابات التي فاز فيها بالرئاسة «كارثة» للولايات المتحدة، وأضاف أنه سأل بوتين ما إذا كانت روسيا قد تدخلت فعلاً. 
وتابع ترامب أنه فاز في الانتخابات «لأننا قمنا بحملةٍ رائعة»، مكرراً نفيه الشديد لمزاعم استفادته من حملة قرصنة ودعاية روسية لتحقيق الفوز في 2016 على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون. وأعلن ترامب أن بوتين ينفي «بشدّة» حصول أي تدخل روسي». بدوره، تحدّث بوتين عن أنه أراد وصول ترامب إلى الرئاسة «لأنه كان يتكلّم عن تطبيع للعلاقات».
كذلك، عرض الرئيس الروسي على واشنطن استجواب عناصر الاستخبارات الروس المتهمين بالتدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016، موضحاً أن «هناك اتفاق تعاون في القضايا الجنائية بين الولايات المتحدة وروسيا يعود تاريخه لعام 1999 لا يزال سارياً. في هذا الإطار يمكن (للنيابة العامة الأميركية) أن تطلب استجواب هؤلاء المتهمين».