"الناتو العربي" .. فكرة ولدت ميتة

"الناتو العربي" .. فكرة ولدت ميتة

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٣ أغسطس ٢٠١٨

تتوالى الأخبار هذه الأيام من واشنطن حول نية ادارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في بث الحياة مرة أخرى في الفكرة التي كانت مطروحة من قبل حول تشكيل نسخة عربية من حلف شمال الأطلسي أو "ناتو عربي" يتألف من دول عربية “سنية” هدفه مواجهة ايران.
وفي تفاصيل هذه الأخبار، ان هذه الدول هي الدول الخليجية اضافة الى مصر والأردن، وان مكان الإعلان عن هذا الحلف سيكون في العاصمة الامريكية واشنطن، خلال الإجتماع الذي دعا فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رؤساء وملوك وامراء هذه الدول للمشاركة فيه في اواسط شهر تشرين الاول / اكتوبر القادم.
وقيل ايضا ان هذا الحلف العسكري سيقام على ميزانية ضخمة تتجاوز مئات المليارات من الدولارات، حيث سيتم انشاء شبكة ضخمة للدفاع الصاروخي، ووضع إستراتيجية لمكافحة الإرهاب، وتطوير القواعد الامريكية المنتشرة في المنطقة، واقامت منشآت عسكرية جديدة وبيع اسلحة واستشارات امريكية.
من الواضح ان امريكا سوف لن تدفع دولارا كمساهمة في تأسيس هذا الحلف، بل على العكس تماما سوف تقبض مئات المليارات في مقابل بيع الأسلحة وتقديم استشارات ونفقات الحضور العسكري، ومن الواضح ايضا ان النفقات الضخمة لهذا الحلف ستأتي من خزينيتن حصرا وهي خزينتا السعودية والامارات.
ومنذ الإعلان عن هذا الخبر حتى توالت التقارير والتحليلات التي تناولت الموضوع من مختلف جوانبه، وبالرغم من اختلاف توجهات اصحاب هذه التقارير والتحليلات، الا انهم اتفقوا على نقطتين، الأولى وهي ان مشروع الناتو العربي يأتي في اطار عملية الحلب الجشعة التي يمارسها ترامب للدول العربية الخليجية الثرية وفي مقدمتها السعودية والامارات، وهي عملية تبدو انها استراتيجية ثابتة يتعامل بها ترامب مع هذه الدول، والتي يستكثر عليها عوائدها النفطية، التي يرى وبصلف لا يوصف، ان امريكا ليست شريك في هذه العوائد بل ان لها الحق ان تحصل على اغلب هذه العوائد، بسبب ما تقدمه امريكا من دعم لهذه الدول على مدى عقود.
النقطة الثانية، التي يتفق عليها اصحاب التحليلات الخاصة بالناتو العربي، هي ان مثل هذا الحلف لن يرى النور ابدا، لأسباب لا حصر لها، ومن بينها التباين السياسي الواضح في مواقف دول مثل سلطنة عمان وقطر والكويت من جانب وبين السعودية والامارات والبحرين من جانب اخر، بالإضافة الى الموقف المتشكك لمصر والاردن من هذا الحلف، وعدم تطابق المواقف السياسية لهذين البلدين مع المواقف السياسة للسعودية والامارات ازاء اغلب القضايا الاقليمية.
أغلب الدول التي تحاول امريكا إدراجها في هذا الحلف، بإستثناء السعودية والامارات الى جانب البحرين، تشكك في حقيقة "الخطر الايراني" الذي تدفع به امريكا ليكون سببا لقيام مثل هذا الحلف، فهذه الدول تقيم علاقات مع ايران مبنية على الاحترام المتبادل، ولا تجد اي ضرورة ان تنخرط  في تحالف عسكري لمواجهة ايران، التي لا تشكل اي خطر عليها، بل العكس تماما، انها ترى في ايران بلدا اسلاميا شقيقا وجارا تربطها معه اواصر مشتركة عديدة.
في خضم كل هذه الضجة التي تقام الان حول هذا الحلف واهدافه، يبقى هناك سؤال كبير يطرح نفسه على المراقب وبقوة وهو: ما هي حقيقة الإرهاب الذي سيقوم هذا الحلف بمكافحته؟ هل هو الإرهاب التكفيري؟ ام الإرهاب الصهيوني؟.
من الواضح ان الإرهابين التكفيري والصهيوني لا مكان لهما في تفكير القائمين على تأسيس هذا الحلف، فالإرهاب التكفيري هو بالاساس صناعة امريكية بالتعاون مع دول اقليمية في مقدمتها السعودية، اما الإرهاب الصهيوني، فهو ايضا صناعة امريكية غربية، كما ان"اسرائيل" تحولت ومنذ فترة الى "حليف" مقرب جدا من بعض دول هذا الحلف، حتى بات من شبه المؤكد ان ل"اسرائيل" دورا كبيرا ومؤثرا  في الدعوة الى تشكيله وبث الحياة فيه.
أخيرا، نعود ونؤكد، ان فكرة حلف ناتو عربي ليست الا اضغاث احلام، لدى بعض الدول العربية"السنية"!، وليست الا وسيلة لابتزاز هذه الدول ماليا، لدى ترامب، وليست الا ورقة ضغط في الحرب النفسية ضد ايران، لدى "إسرائيل"، والا فهي فكرة ولدت ميتة، ولن تنفع كل اموال السعودية والامارات ، في بعث الروح فيها.
جمال كامل - شفقنا