"يوم الإثنين" بنكهة الحظر وبتوقيت ترامب

"يوم الإثنين" بنكهة الحظر وبتوقيت ترامب

أخبار عربية ودولية

السبت، ٤ أغسطس ٢٠١٨

بعد خروجه من الاتفاق النووي، بذل الرئيس الامريكي دونالد ترامب أقصى جهوده خلال الاشهر الثلاثة الماضية، ليؤلب الرأي العام العالمي على ايران، لكن يبدو أنه لم يحصد سوى الفشل والإنهيار.
صحيح إنه سيعيد الحظر المعطِّل –على حد زعمه- على ايران، إلا أنه لايعلم أن من جرَّب قبله "الحظر على ايران" لم يحصد سوى تنامي صلابة الموقف الإيراني؛ وتأكيد إيران على البقاء قوية، مرفوعة الرأس، دون الإعتماد على أي مساعدة خارجية على الصعيدين العسكري والتواجد الإقليمي، وبالتالي تحصين وتقوية البنى التحتية في الداخل.
 
فحقيقة الأمر هي أن بعد توقيع الإتفاق النووي بانت على وجوه بعض المسؤولين الإيرانيين ظواهر الإنقسام الى قسمين، اولهما كان قسم يحسن الظن بالإتفاق، فيما بات القسم الآخر ينظر اليه بعين الشك والريبة والتشاؤم.
 
وقد تكون استراتيجية المسؤولين العسكريين الإيرانيين إعتمدت الرؤية الثانية منذ البداية، ومن اجل ذلك اصرت ومنذ اليوم الاول لتوقيع الإتفاق، على أن العدو لايمكن الثقة به، وعلينا الإستمرار بتحصين البلاد قبل توقيع الإتفاق، بل وبوتيرة أسرع، لتصبح طاقات ايران العسكرية متكاملة تُمكنها من البقاء قوية على مستوى المنطقة. لكن في نفس الوقت، كانت بعض الوجوه السياسية تعتمد الرؤية الأولى، معتمدة بذلك على القوانين والأعراف الدولية، وراحت تنتظر سلوكا متعارفا في إطار القوانين الدولية من قبل كل الاطراف الموقعة على الاتفاق، خاصة الولايات المتحدة الامريكية. لكن سرعان ما اثبتت لها التطورات ان الرؤية الثانية هي السائدة، وعلى الشق الذي أحسن الظن بأمريكا، ان يعمل وبكل جدية على تعويض ما فاته جراء ثقته بأطراف لاتعرف الثقة ولاتستحقها. في حين في ظل الظروف الراهنة تعتبر قضية القوة العسكرية، وخاصة القوة الصاروخية الرادعة للجمهورية الاسلامية الايرانية، وحضورها السلمي الفاعل في المنطقة، من أهم النقاط التي تمنع أي إعتداء على ايران، وفي نفس الوقت تبقى قضية الإهتمام بتنمية الإقتصاد وتنشيطه، على رأس جدول أعمال المسؤولين، لتبقى رؤية الشعب، أن الحظر مؤامرة العدو الذي يذرف دموع التماسيح على الشعب الايراني بين الحين والآخر، وإنه لن يحصد شيئا من سياسته هذه مهما بذل وحاول تأليب عملاءه ضد ايران.
 
اما المراقبون بدورهم يؤكدون امكانية تعويض ما فات على ايران بسبب توقيعها الاتفاق النووي، خاصة وان من يعرفون إمكانيات وطاقات ايران الإحتياطية من العملة الصعبة والذهب، ومدى التعامل والتعاون بين ايران وباقي البلدان الاخرى، يعرفون ان ايران بإمكانها السيطرة على أي معظلة يفتعلها ترامب من خلال إعادة فرض الحظر غير الشرعي على ايران. فقد اكدت الأزمات الإقتصادية الأخيرة التي شهدتها امريكا قبل اوروبا وجنوب شرق اسيا وباقي نقاط العالم، وإن ارتفاع الاسعار في الداخل لايعني انهيار اقتصاد البلاد، بل انه قد يكون مؤشرا لدفع الطاقات المحلية لمعالجة الموقف، كما أن ايران أثبتت في معالجة أزماتها السابقة أنها تفوقت على المقاطعات والحظر الذي كان يفرضه اسلاف ترامب على ايران. فهل يعي الأخير أنه لن يتمكن من تحقيق ما يصبو إليه إزاء ايران؟
 
كل الشواهد تؤكد عدم نجاح ترامب في خطوته هذه، وإن عدم مواكبة اوروبا والصين وروسيا له في الخروج من الإتفاق النووي، خير دليل على فشل سيناريو تأليب الرأي العام ضد إيران.
 
وحتى لو افترضنا ان ترامب ينوي فرض حظر على بعض وزراء تركيا بدعوى احتجازهم القس الأمريكي، الا أنه في الحقيقة يريد التشفي بتركيا لرفضها مواكبته في مقاطعة ايران، وإلتحاقها بما يحلم له تسميته بـ "الناتو العربي" تتويجا لمساعي محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو وبن زايد، الذين يزعمون أن خطر ايران على المنطقة بات يهدد حتى باب المندب وعليهم كبح جماحها و....!!! لكنه وماذا سيفعل مع باقي دول العالم؟
 
فترامب قد اثبت اكثر من مرة انه رجل التناقض والنفاق، ففي الوقت الذي يعلن في مؤتمر صحفي يجمعه مع نظيره الإيطالي بأنه جاهز للحوار مع ايران دون اي قيد أوشروط مسبقة، وفي اي مكان وزمان يحدده الايرانيون، لكنه في نفس الوقت يتابع هدفين اساسيين، الأول تبرير خروجه من الاتفاق النووي للداخل الإيراني، عسى ان يتمكن من ايجاد هوة بين الشعب والحكومة الايرانية، والهدف الآخر هو أن يقوم وزير خارجيته باستجداء التمهيد للحوار مع ظريف، وقد يحظى بلقاء نظيره الايراني حسن روحاني على هامش الإجتماع السنوي للأمم المتحدة في ايلول القادم.
 
في حين أن هذا السمسار المدمن على فرض الحظر والمقاطعات على الآخرين، لا يتفاوض إلا من اجل التفاوض؛ بل إنه لا يرضى بالتفاوض في ظل وجود الحظر، أي انه سيتلقى كل انواع النكهات "يوم الإثنين" سوى تمتعه بما يتصوره من "حلاوة" فرض الحظر على ايران.