أحمدي نجاد «مُعارِضاً»: عودة إلى الواجهة من بوابة العقوبات

أحمدي نجاد «مُعارِضاً»: عودة إلى الواجهة من بوابة العقوبات

أخبار عربية ودولية

السبت، ١١ أغسطس ٢٠١٨

 يُقال إن الإيرانيين يضعون خلافاتهم الداخلية جانباً «عندما يسمعون دويّ قدوم الأجانب». هذا ما تجلّى في دعم المرشد الأعلى علي خامنئي، والحرس الثوري، للرئيس حسن روحاني، وخصوصاً في رسالة اللواء قاسم سليماني، رغم الخلافات بين الرجلين. يمكن القول إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومنذ وصوله إلى الرئاسة، وعبر تهديداته المتواصلة، دفع الأطياف السياسية في إيران إلى التضامن والتعاطف، بل إلى تقبيل بعضهم أيادي بعض! ثمة أدلة واضحة على عودة الإصلاحيين نهائياً إلى أحضان النظام، خصوصاً بعد تنديدهم بالاحتجاجات التي شهدتها مدن إيرانية في رأس السنة الميلادية. فالإصلاحيون أكدوا حرصهم على حفظ النظام، ووضعوا خطاً فاصلاً بينهم وبين الاحتجاجات التي تطالب بإسقاطه، عبر تبرّئهم منها، واعتبارهم إياها مشاغبات وأعمالاً تخريبية غير بناءة.
حتّى الملكيون الإيرانيون الموجودون في أوروبا وأميركا (على سبيل المثال: وزير السياحة في حكومة الشاه داريوش همايون) أعلنوا رفضهم خطة ترامب لتأجيج الشارع في إيران وفرض العقوبات على الشعب الإيراني. وكان لافتاً موقف للرئيس الأسبق المُقال، أبو الحسن بني صدر، الذي يعيش منذ ثلاثين عاماً في منفاه الباريسي بعد هروبه من إيران، أعلن فيه وقوفه مع الشعب الإيراني، وطالب بالصمود أمام خطة ترامب الجنونية، واصفاً الأخير بأنه أصبح عرضة لسخرية العالم أجمع. كما أكّد بني صدر أن الشعب الإيراني لن يتخلى عن استقلاله وحريته أمام ضغوط ترامب، مُحذِّراً معارضة الخارج من الجري وراء الخطة الخبيثة، ومن أن ترامب لن يفرش سجاداً أحمر لقدومكم في حال إسقاط النظام. هذه المقارنة ينطلق منها اليوم خصوم الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، في مقاربتهم المفارقة بين مواقف بني صدر المنفي في الخارج، ومواقف نجاد الحالية، وهو العضو في «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، بعدما رُفض طلبه للترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة بأمر من المرشد علي خامنئي.
أول من أمس، طالب نجاد، روحاني، بالتنحي عن منصبه بعد فشله في حل المشكلات الاقتصادية وفي المفاوضات النووية، وذلك في مقطع فيديو نشره على قناته في تطبيق «تلغرام». خاطب نجاد الرئيس روحاني بالقول: «الشعب لا يريدك. إن الشعب ليس راضياً عنك! فكيف وبأي لغة يقول لك إنه لم يعد يقبل بك؟!». ورأى نجاد أن تنحّي الرئيس يصبّ في مصلحة إيران ومصلحة روحاني نفسه، واقترح اللجوء إلى آلية الاستفتاء الشعبي من أجل تغيير الحكومة. الجدير ذكره أن نجاد كان رفض تطبيق فكرة الاستفتاء في بداية ولايته الثانية، عندما طالبت به «الحركة الخضراء» في عام 2009، بعدما اتُهمت حكومته بتزوير نتائج الانتخابات، علماً بأن الدستور الإيراني ينصّ على آلية الاستفتاء الشعبي لحسم القضايا المصيرية. في خطابه الأخير، استغلّ نجاد التوقيت السياسي لضرب التيارين الرئيسين: الإصلاحي والمحافظ، ورئيسَي السلطة القضائية والبرلمان، صادق وعلي لاريجاني، واعتبرهما شركاء في خلق الأوضاع السيئة للبلد، ودعاهما إلى استرضاء الشعب، واعتبر أن أفضل طريق لاسترضاء الشعب ربما يكمن في تنحيهما. كما شدد على أن حكومة روحاني، في الولايتين، تم تصميمها «على أسس غير سليمة»، وأن التزامه الصمت طيلة السنوات الخمس الماضية كان سببه «احترام إرادة الشعب» والحفاظ على مصالح البلد. ثم اتهم نجاد روحاني بفرض «ركود اقتصادي» استمر لخمسة أعوام، وتقديم «امتيازات» للغرب من دون أن يقدم شيئاً للشعب.
وسط كل هذا السجال، يمضي نجاد في مسعاه إلى اجتذاب الطبقات الفقيرة والفئات المُهمَّشة المعارِضة، التي عبّرت عن نفسها في الاحتجاجات التي أطلقتها قبل سبعة أشهر، عبر محاولته نزع المصداقية عن التيارين السياسيين الرئيسيين: الإصلاحي والمحافظ. وهو لا يرى ضيراً في أن يقترب من المعارضة عبر تكرار مطالبها، ومنها المطالبة بالاستفتاء الشعبي لحسم القضايا المصيرية. الآن، ومع عودة نجاد إلى الواجهة، يسأل منتقدوه عن هدفه من المطالبة بتنحّي روحاني، وما إذا كانت مشكلات البلد الاقتصادية ستُحلّ بتنحّيه عن منصبه، وتنحّي رئيس السلطة القضائية ورئيس البرلمان في الوقت نفسه، مع ما يتركه ذلك من فراغ هائل في السلطات الثلاث، في ظلّ الأوضاع الحساسة التي تعيشها إيران بعد استئناف العقوبات الأميركية.
يقول منتقِدو الرجل إنه يتحدث «باسم الشعب» بثقة مردّها اعتقاده بأن فوزه في انتخابات 2005 و2009 لا يزال ساري المفعول، لأن فوز روحاني قبل عام تم إلغاؤه ـــ من وجهة نظره ـــ من قِبَل الشعب بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. من هنا، يُستعاد اليوم الحديث عن تلك الحقبة، فتُستحضر رسالة نجاد إلى نظيره الأميركي السابق باراك أوباما، حين طلب منه الدخول في التفاوض معه كرئيس لجمهورية إيران. لم يَردّ أوباما حينها على الرسالة، لكنه دخل في تفاوض مع مندوبي المرشد الأعلى علي خامنئي، في العام الأخير لولاية نجاد، بوساطة عمانية. إلا أن نجاد أعلن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي أنه لم يكن موافقاً على تلك المفاوضات المباشرة التي تمت بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، علماً بأن نجاد ـــ وبعد إبرام الاتفاق النووي بين حكومة روحاني والدول الست ـــ بذل جهداً لنسب «إنجاز» المفاوضات مع الولايات المتحدة والحصول على اتفاق معها إلى ولايته.
أما في ملفَّي الاقتصاد والفساد، فيكاد يجمع الإيرانيون على أن استئناف العقوبات الأميركية تسبّب في صعوبات اقتصادية ومعيشية، قد لا تتحمّل حكومة روحاني معظمها. لكن استغلال الصعوبات التي نجمت عن قرار ترامب تبدو فرصة لتأجيج التجاذبات السياسة وتمرير الرسائل، ولو من طريق تجاهل خطورة الأوضاع، وفق أنصار روحاني الذين يهاجمون نجاد اليوم. هكذا تستعر الاتهامات ضد نجاد، وتصل حدّ وصفه له بأنه لا يألو جهداً في سبيل إضعاف النظام. يحاججه خصومه بأنه يريد الظهور بصورة «المنقذ» الذي بإمكانه أن يزيل جميع العقبات من أمام الشعب، فيما هو نفسه مُتّهم بالتورط في ملفات فساد مالي ضخمة، بمعية عدد من معاونيه السابقين الذين حكم عليهم القضاء بالسجن لفترات طويلة، إذ يتردد أن هناك 11 حكماً قضائياً صدرت بحق نجاد، إلا أن اعتبارات خاصة أجّلت تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقه، وهو ما يؤكده البرلماني فاضل موسوي، عضو «لجنة مادة 90» في البرلمان. فضلاً عن ذلك، يعتقد خصوم نجاد أن جزءاً من مشكلات الاقتصاد الإيراني سببها سياسات الرجل إبان فترة حكمه، في وقت يقبع معاونه التنفيذي في الرئاسة، حميد بقائي، في السجن تنفيذاً للعقوبة على تورطه في ملفات للفساد المالي.