نهاية أسبوع دامية في الأردن: «الإنجاز» الأمني ليس مُحصّناً

نهاية أسبوع دامية في الأردن: «الإنجاز» الأمني ليس مُحصّناً

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٣ أغسطس ٢٠١٨

في خضم انشغال الأردنيين بالهموم المعيشية وقضايا الفساد والإشاعات حول وضع ملك البلاد، جاء تفجير الفحيص وما تلاه من عملية مداهمة دامية في مدينة السلط، ليعيد تصدير المخاوف الأمنية إلى الواجهة. مخاوف تكمن خلفها الكثير من التساؤلات حول الخلايا النائمة في المملكة، والتي لا تفتأ تهدّد الأمن منذ عام 2016، في ظل مؤشرات إلى بدء تسرّب السلفيين من معاقلهم التقليدية
 
عمّان | كانت نهاية أسبوع حافلة بالنسبة إلى الأردنيين. أُعلنت صباحاً نتائج الثانوية العامة، واستمرّت تفاعلاتها حتى المساء، حيث كانت مدينة الفحيص على موعد مع اليوم الأخير من مهرجانها الفني السنوي. لكن اليوم المزدحم لم ينتهِ بسلام؛ إذ سرعان ما تواردت أنباء عن انفجار بالقرب من مكان المهرجان، تبيّن أنه بفعل فاعل. بادرت السلطات إلى نفي أي طابع إرهابي عن الهجوم، لكنها عادت وتراجعت، مؤكدةً ما كان تبادر إلى أذهان كثيرين حال وقوع الحادث، وبعد انتشار صور لرئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأردني محمود فريحات، مرافِقاً وزير الداخلية سمير المبيضين في عيادة مصابي الانفجار، إلى جانب قائد قوات الدرك وقائد الأمن العام ومدير الدفاع المدني، في مشهد أنبأ بأن الحادث ليس عرضياً ولا عابراً.
أول من أمس، شُيّع جثمان الدركي علي قوقزة الذي قضى في الانفجار، لتنتشر إثر ذلك مقاطع مُصوّرة من منطقة نقب الدبور في مدينة السلط القريبة من الفحيص، تظهر وقوع تبادل إطلاق نار ومن ثم انهيار بناية. وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، جمانة غنيمات، أعلنت أن الأجهزة الأمنية داهمت مبنى في مدينة السلط يُشتبه في علاقة ساكنيه بتفجير الفحيص، «بعد عمليات استخبارية حثيثة ودقيقة». لكن المشتبه بهم رفضوا - بحسب الرواية الرسمية - تسليم أنفسهم، وبادروا إلى إطلاق نار كثيف تجاه القوة الأمنية المشتركة، وقاموا بتفجير المبنى الذي يتحصّنون فيه بعدما كانوا فخّخوه في وقت سابق، ما أدى إلى انهيار أجزاء منه خلال عملية المداهمة، التي أسفرت عن مقتل 4 من قوات الأمن، واعتقال 5 من المشتبه بهم.
ومع تصريح غنيمات بأن خلية السلط الإرهابية «قد تكون ممتدة في المملكة»، تمّ الإعلان عن خلية أزمة ضمّت رئيس الوزراء، وزير الداخلية، وزير الدولة لشؤون الإعلام، رئيس هيئة الأركان المشتركة، مدير الاستخبارات العامة، مدير الأمن العام، مدير عام الدرك، ومدير عام الدفاع المدني. ويوم أمس، ترأّس الملك عبد الله الثاني، في قصر الحسينية، اجتماعاً لمجلس السياسات الوطني، حضره ولي العهد وبعض الأمراء ورئيس الوزراء ومسؤولو الأجهزة الأمنية. وقال عبد الله، خلال الاجتماع، إن «الأردنيين يصبحون أقوى عندما يواجهون مثل هذه الأحداث، وتزيد حماستهم لتنظيف بلدنا والإقليم وحماية ديننا من هؤلاء الخوارج».
ومع مواراة الضحايا من قوات الأمن الثرى، عمّت المملكةَ حالةٌ من السخط، في ظلّ مزاج عام ينحو إلى ربط الأحداث بتنظيم «داعش»، على رغم أن السلطات لم تُوجّه أصابع الاتهام صراحة إلى الأخير. ربط توازيه تساؤلات حول الهدف من زرع قنبلة بدائية الصنع في موضع لن يسفر تفجيره عن عدد كبير من الضحايا دائماً ما كان «داعش» يتقصّد إيقاعه، فضلاً عن قدرة الأجهزة الأمنية في المملكة الخاضعة لمراقبة استخباراتية عالية على اكتشاف تحركات خلايا كهذه. في هذا الإطار، يرى مراقبون أن العملية بما تحمله من خصوصية في المكان والزمان تُعدّ رسالة للدولة، مُذكّرين بعمليات مشابهة استهدفت مكاتب الاستخبارات، ومشددين على أنه لا يمكن التنبؤ بتفكير هذه الخلايا وأهدافها وحتى فحوى رسائلها. لكن، في المقابل، ثمة مؤشرات إلى خروج السلفية من معاقلها التقليدية في المملكة، بدليل تنامي وجودها في مناطق أخرى ومنها السلط، تحت عيون أجهزة الدولة التي تعتقد أنها ناجحة في احتواء تلك التيارات.
والجدير ذكره هنا أنه على رغم تمكّن الأردن من التخلّص من آلاف الجهاديين الذين خرجوا من أراضيه إلى العراق وسوريا، إلا أنه لم يسلم من عمليات مكثفة استهدفته، خصوصاً منذ عام 2016. من ذلك خلية إربد (شمال الأردن) التي اكتُشفت في آذار/ مارس 2016، وأسفر ضبطها عن مقتل 7 من أعضائها ورجل أمن وإعدام 5 منها وقتل لاحق. وفي هجوم آخر، استهدف في بداية حزيران/ يونيو من العام نفسه مكتب استخبارات البقعة (تم تنفيذ حكم الإعدام بالمنفذ في آذار/ مارس 2017). وفي الشهر عينه، هوجم مخيم الركبان الحدودي مع سوريا، ما أدى إلى مقتل 6 عسكريين أردنيين من حرس الحدود والانتحاري الذي كان يقود السيارة المفخخة. وفي كانون الأول/ ديسمبر، تحصّن عدد من الإرهابيين في قلعة الكرك، قبل أن يُقتلوا مع 3 من قوات الدرك و4 من الأمن العام و3 مدنيين منهم سائحة كندية. وقبل نهاية عام 2016، تمت ملاحقة شخص آخر غير أردني في الشوبك (محافظة معان جنوب الأردن) وقتله واعتقال ابنه. أما في عام 2017، فقد أُلقي القبض على شاب عشريني من المروجين لتنظيم «داعش»، بعدما كان بصدد تنفيذ عمليات في الأردن وإسرائيل.
وفي الشهر الأول من العام الحالي، أعلنت السلطات الأردنية ضبط خلية إرهابية كانت تنوي تنفيذ عمليات عسكرية في المملكة نصرة لتنظيم «داعش». وقد عُلم أن أفراد الخلية لا ينتمون لـ«داعش»، بل متأثرون بأفكاره، ومناصرون له. وإذا كان في ذلك عامل تطمين إلى أن ليس ثمة وجود فعلي للتنظيم في الأردن، إلا أن حقيقة وجود 13 شخصاً (من أصل 17 هم عداد الخلية) يروجون لأفكار «داعش» علانية، وفي نيّتهم خلق بيئة حاضنة للتنظيم، ولم يتم القبض عليهم إلا بعد اكتشاف مخططهم، تطرح علامات استفهام حول وجود آخرين من الصنف نفسه يسعون إلى «الخلافة الإسلامية» على طريقتهم.