جدل النقاب في بريطانيا: معركة أخرى لزعامة المحافظين والحكومة؟

جدل النقاب في بريطانيا: معركة أخرى لزعامة المحافظين والحكومة؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٤ أغسطس ٢٠١٨

وتر مشاعر المسلمين في بريطانيا، أو على الأقل فئة منهم، مثار جدل كبير في حزب المحافظين الحاكم حاليا، إذ بات يرتبط إلى حد ما باتهام بعض أعضائه بالإسلاموفوبيا، تماما كما تعرض حزب العمال مؤخرا لانتقادات لاذعة تتعلق بالمصطلح الرائج معاداة السامية.
ويبدو أن المسألتين ستكونان عاملين مؤثرين نسبيا (إلى جانب عوامل أخرى) في زعامة الحزبين، وربما أيضا في توجيه المعارك الإنتخابية المقبلة حزبيا وبرلمانيا، حيث تبقى الاحتمالات كلها واردة حول زعامة المملكة المتحدة قبل الموعد المتوقع للخروج من الاتحاد الأوروبي وبعده.   
الوتر المعروف في أوساط المسلمين بالإسلاموفوبيا، قد يكون حاسما لمستقبل الزعامة الذي تتنافس عليه تيريزا ماي مع وزير الخارجية المستقيل من حكومتها بوريس جونسون. ويبدو أن من يتقن اللعب على هذا الوتر الحساس سياسيا، ويكسب مؤيدين كثر لموقفه في المحيط الحزبي الضيق والقواعد الشعبية، قد يتمكن من إزاحة الآخر من طريقه، إما بالحفاظ على المنصب في حالة ماي، أو الوصول إليه في وضع جونسون.
طموح رئيس بلدية لندن السابق في زعامة المحافظين ورئاسة الحكومة البريطانية ليس مستجدا، إذ كانت استقالة ديفيد كاميرون (مدفوعا بنتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي) فرصة مواتية لتحقيق ذلك الطموح حينها، لما كان يحظى به من مكانة في أوساط المحافظين ولا يزال، فضلا عن دوره في المعسكر المؤيد للخروج، لكن ترشح صديقه المقرب آنذاك وزير البيئة الحالي مايكل غوف كان بمثابة الطعنة من وراء الظهر، رغم نفي الأخير لذلك.
تحقيق بوريس جونسون حلمه لرئاسة الوزراء ليس بالأمر السهل، في ظل الجو العام المحكوم بمفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتي لها انعكاسات سياسية على المحافظين والعماليين على حد سواء، إذ ليس مضمونا بقاء الحزب الذي تقوده ماي حاكما بأغلبية، أو حتى ائتلاف حاكم كما هو الآن، فالقاعدة الشعبية للمحافظين قد فقدت مؤخرا بعض منتسبيها لصالح حزب استقلال المملكة المتحدة، وإن كان هناك من يسعى حتى إلى إمداد جونسون بناخبين من اليمين المتطرف لإيصاله إلى رئاسة الوزراء.
سيناريو تحضير جونسون نفسه لخلافة ماي بعد كسر شوكتها، أصبح هو الآخر أمرا قابلا للتأجيل في حسابات بعض المؤيدين كما كشفت "الميل أون صانداي"، حيث عرضت تفاصيل لخطة سرية بموجبها يسعى المتشددون لصالح فك ارتباط حقيقي عن الاتحاد الأوروبي إلى إزاحة تيريزا ماي، لإفساح المجال لوزير بريكسيت المستقيل ديفيد دايفيس كرئيس وزراء انتقالي، تمهيدا لرئاسة جونسون للحكومة بعد الانتهاء من الخروج ربيع العام المقبل.   
وفي ظل هذه التجاذبات السياسية، وتحرر جونسون من انضوائه تحت حكومة تيريزا ماي، يرى مراقبون لبيت المحافظين، الغارق في خلافات حادة، أن منافس ماي حاول اللعب على وتر النقاب، لرفع رصيده من الداعمين له في استطلاعات الرأي. وهذه المقاربة تتجاوز كونها مجرد تحليل أو قراءة لخلفيات تشبيه جونسون لمرتديات النقاب بـ"صندوق البريد" و"لصوص البنوك"، إذ يبدو الأمر خلافا جوهريا آخر في داخل الحزب المحافظ، بعد أن اتهمته الرئيسة المشاركة سابقا لحزب المحافظين سعيدة وارسي صراحة باستخدام تعليقات معادية للمسلمين، بغرض الوصول إلى الزعامة عبر كسب أصوات أعضاء الحزب المتطرفين يمينا.  
وعلى النقيض من ذلك، وجدت تيريزا ماي أيضا نفسها في قفص الاتهام السياسي بطلبها الاعتذار من المتمرد المستقيل من حكومتها بوريس جونسون، والذي كانت على الدوام تتجنب حتى الحديث عن إقالته كاحتمال وارد، قبل أن يقرر التبرؤ من خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي، عقب استقالة زميله ديفيد ديفيس. وتشترك ماي، التي تعاني أزمات متلاحقة في حكومتها، مع جونسون في تهمة الصراع على الزعامة. وبالنسبة للنائب في حزب المحافظين جاكوب ريسموغ، فإن ماي هي من تستغل التعليقات حول النقاب للسعي لإزاحة خصمها جونسون، لاسيما أنه بات حسب استطلاع أخير يحظى بشعبية أكبر.
وفي محاولة للدفاع عن وزير الخارجية السابق، اعتبر جاكوب أن التحقيق حول التشبيه الذي أطلقه بوريس جونسون على المسلمات المتنقبات، قد يكون محاولة للحد من حظوظه المتنامية في زعامة الحزب، وأن دافع هذا الأمر هو منافسة شخصية بين تيريزا ماي وجونسون. لكن المنافسة التي يقصدها النائب المحافظ لا يقتصرُ الاصطفاف فيها على البريطانيين، فقد دافع مستشار ترامب السابق ستيف بانون عن جونسون (والذي لم يُخْف الرئيس الأميركي دعمه له حتى في مؤتمر صحفي مع تيريزا ماي في ضيافتها له)، معتبرا أنه لا شيء يستحق الاعتذار. وهذا الموقف من بانون يتسق مع هدفه المعلن، وهو السعي لاكتساح الأحزاب القومية والشعبوية لأوروبا خلال الانتخابات المقبلة.
قد يكون صراعا سياسيا بين جونسون، أو لنقل المعسكر المؤيد لجونسون، ورئيسته السابقة في الحكومة، أو لنقل أيضا المعسكر الداعم لخروج سلس دون قطيعة مع الأوروبيين، تمهيدا لمعركة تبدو حتمية في المستقبل القريب لسحب الثقة من تيريزا ماي، لكن هذا الصراع يتجاوز جانبه السياسي الذي أشعلت خطة الخروج فتيل أزمته الحادة، فمن بيت المحافظين سيء السمعة في قضية الإسلاموفوبيا يخرج الجدل حول النقاب، وهو ليس بالجديد كطرح يتعلق بما يرتديه المسلمون، إلى الشارع البريطاني المنقسم كغيره في أوروبا حول هذه القضية.
المفارقة تكمن في أن جونسون وقف في مقاله المثير للجدل ضد منع النقاب، لكن هناك من تلقف الخلاف السياسي المستعر بل التشبيه الذي أطلقه جونسون كضوء أخضر، للتعبير عن معارضته الشديدة لهذا اللباس في الأماكن العامة. وليس من قبيل الصدفة أن تتعرض امرأة لمضايقة من قبل سائق حافلة، طلب منها أن تنزع نقابها بشكل أحست بسببه "بمعاملتها كإرهابية". وتقول المرأة إن الرجل وصفها بالمخيفة والخطيرة، وذاك وصف لا يختلف كثيرا عن تشبيه جونسون لمثيلاتها بـ"صندوق البريد" و "لصوص البنوك".
المرأة لم تكن إلا حالة تضاف إلى حالات أُخَر، فقد سجل مشروع "تال ماما" الذي يرصد الاعتداءات على المسلمين ارتفاعا في الشكاوى من استهداف المسلمات بخلفية ما يرتدين من لباس، وتقول إن هناك علاقة مباشرة بين تعليقات جونسون الأخيرة وهذا الارتفاع في أقل من أسبوع. ووفقا لما أعلنته، فقد تعرضت أربعة نساء على الأقل لوصفهن في أماكن عامة بـ"صناديق البريد"، ما يجعل جونسون تحت طائلة المساءلة من منتقديه حول تعريضه المسلمات للإساءة.
مقال جونسون لم يحدث زوبعة في فنجان، بل زوبعةً تجاوزت حزب المحافظين إلى الرأي العام البريطاني بأكمله، إذ باتَ "التحقيق التأديبي الكامل" معه مطلبا ملحا لدى المجلس الإسلامي البريطاني، في رسالة قالت الغارديان إنه يعتزم توجيهها إلى تيريزا ماي، وتتضمن الرسالة في مقطع منشور أنه لا ينبغي السماح لأحد أن يسيء للأقليات ويتمتع بالحصانة.
جونسون لم يعتذر حتى بعد عودته من إيطاليا، ولم يقل شيئا يُذكر للصحفيين حول هذه القضية المتدحرجة ككرة الثلج، وكذلك لم يفعل في مقاله الجديد بالديلي تلغراف، على خلاف ما كان متوقعا.
محمد بو عبدالله - لندن