هل بدأت السعودية بالعودة للنهج التقليدي؟

هل بدأت السعودية بالعودة للنهج التقليدي؟

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ٢١ أغسطس ٢٠١٨

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للباحث نيك باتلر في جامعة كينغز كوليج، يقول فيه إن تحركات السعودية الأخيرة قد تكون جزءا من تحول واقعي بعيدا عن الرؤية الكبرى
ويشير الباحث إلى أن هناك ملامح لعودة السياسة السعودية للنهج التقليدي الواقعي والبراغماتي الحذر، الذي تميزت به سياسات الملك عبدالله، لافتا إلى أن الإشارات يمكن رصدها من السياسات المتعلقة بالطاقة والقضايا المحلية، من التعامل مع المعارضة، والخلاف مع كندا وقطر، وحرب اليمن التي كشفت عن ضعف الجيش السعودي.
ويلفت باتلر في بداية مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى التحركات المرتبكة للسعودية فيما يتعلق بخفض إنتاج النفط، رغم الحديث العام عن زيادة إنتاجه، وتأجيل وضع أسهم من شركة النفط السعودية "أرامكو" في السوق المالية لأجل غير محدد، بالإضافة إلى نزاع "غير ضروري" فتحته السعودية ردا على تصريحات عادية من كندا حول حقوق الإنسان. 
وينوه الكاتب إلى أن التحرك الأخير كان الحديث عن تمويل الصندوق السيادي السعودي لشركة السيارات الإلكترونية "تيسلا"، التي يريد صاحبها إليون ماسك تخصيصها، مشيرا إلى أنه من غير المعلوم إن كانت السعودية ستمول هذه العملية أم لا.
ويرى باتلر أن "هناك ثلاثة سيناريوهات يتم تداولها لتفسير الوضع، الأول وهو مرض الملك سلمان أو عجزه، بشكل يعني أنه وابنه ولي العهد لا يسيطران بالكامل على مقاليد القرار، الذي يترك في هذه الحالة لمؤسسات الدولة التي تدير البلد دون قيادة واضحة، أما الثاني فهو أن الأمير محمد بن سلمان قرر تسريع جهوده وتطبيق خطته الطموحة (رؤية 2030)، التي أعلن عنها عام 2016، والسيناريو الثالث هو أنه وخلافا لما تريده القيادة، فإن هناك مجموعة تمثل العائلة المالكة والمسؤولين والدبلوماسيين تتراجع عن رؤية 2030، وتعيد البلد إلى النهج التقليدي الحذر الذي يضمن بقاء عائلة آل سعود في الحكم". 
ويعلق الكاتب قائلا إنه "بالنسبة للسيناريو الأول فإنه يقوم على الشائعات، ولا أساس له، فالأمير محمد بن سلمان معروف بتصرفاته العشوائية، أما عن تسريع ولي العهد جهوده لتطبيق رؤيته 2030، وهو السيناريو الثاني، فهو غير محتمل؛ نظرا لفشل الحكومة في تنفيذ أي من الخطط الكبرى التي أعلنت عنها في عام 2016، فلم يحدث أي تنويع للاقتصاد الذي يواصل اعتماده على النفط، ولم يبدأ العمل على مدينة نيوم، التي ستكلف 500 مليار دولار في شمال غرب البلاد".
ويقول باتلر إنه "علاوة على هذا كله، فإنه لا توجد هناك أموال فائضة، فزيادة أسعار النفط كانت مساعدة بدرجة محدودة بسبب تخفيض إنتاجه وانكماش النمو الاقتصادي بنسبة 07% العام الماضي، والتطور الحقيقي الوحيد هو قدرة النساء المحظوظات على قيادة السيارة بعد رفع الحظر عنهن".
ويعتقد الباحث أن "السيناريو الثالث هو الأكثر احتمالا، أي عودة السعودية للنهج التقليدي والحذر، والدليل على هذا هو صفقة (أرامكو/ سابك) التي تحصل على المال عن طريق الاقتراض، بدلا من المخاطرة في ييع أرصدة أو خسارة السيطرة، وتقوم (أرامكو) باقتراض المال من أجل الشراء، ثم تقدمه إلى الحكومة باعتبارها مالكة لـ(سابك)". 
ويجد باتلر أن "هذا أفضل من طرح أسهم الشركة في السوق العامة، ويحفظ ماء الوجه في حال تم تقييم الشركة بما بين 800- 900 مليار دولار بدلا من تريليوني دولار أو أكثر، وهو المبلغ الذي يريده ابن سلمان، حيث تم التخلي عن الفكرة التي تريد تحويل (أرامكو) إلى شركة خاصة".
ويبين الكاتب أن "السعودية عادت في سوق النفط إلى دور المنتج المتأرجح، وحافظت على سعر برميل النفط بحدود 70 دولارا، ومع زيادة الإنتاج في أماكن أخرى، على سبيل المثال في الكويت، فإن السعودية ستتمكن من موازنة السوق، من خلال إنتاج قليل، كما تشير أرقام شهر تموز/ يوليو". 
ويقول باتلر إن "السعودية أظهرت مستوى من الواقعية فيما يتعلق بالغاز الطبيعي، والحاجة لواردات كبيرة منه، لكن النهج الجديد يتجاوز مسألة النفط إلى السياسات الداخلية، فهناك تراجع عن سياسة تخفيض عدد العاملين في القطاع العام، التي تعد من أهم طموحات رؤية 2030، حيث أن الإعلان عن خلق 500 ألف وظيفة جديدة لتخفيض البطالة دليل على هذا الأمر". 
ويجد الباحث أن "الخلاف مع كندا يشير إلى أن القمع ضد المعارضة في الداخل أهم من قضايا حقوق الإنسان وصورة المملكة في الخارج".
ويذهب باتلر إلى أنه "في موضوع شركة (تيسلا)، فإن الأمر يتعلق بالولايات المتحدة لا السعودية، فالذي أعلن عن الصفقة المحتملة ماسك نفسه، ولم يصدر تأكيد من المسؤولين السعوديين، والسؤال هو من سيستفيد من فكرة استثمار السعودية في الشركة؟".  
ويستدرك الباحث بأن "العودة للنهج التقليدي تحتاج إلى طريق طويل، وتقتضي خطوات قادمة محتملة، مثل وقف الحرب في اليمن، التي كشفت عن ضعف الجيش السعودي، فكشفت المواجهة مع إيران أن السعودية ليست مؤهلة لمواجهتها في نزاعات المنطقة، بالإضافة إلى نهاية النزاع الذي لا معنى له مع كل من قطر وكندا، والعودة للسياسات البراغماتية التي تبناها الملك عبدالله". 
ويفيد باتلر بأن "السعودية مجتمع معقد بقيادة متطورة وواقعية أكثر مما يتخيل البعض، وكانت السنوات الثلاث الماضية انحرافا نحو عبادة الشخصية الغريبة عن ثقافة المجتمع المحافظ الراغب في الحفاظ على نفسه". 
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "السعودية تحتاج للإصلاح، لكنه لن يتحقق من خلال المشاريع العظيمة، بالإضافة إلى أن العودة للنهج التقليدي لن تكون سهلة، لكنها قد تعيد الاستقرار للمنطقة ولسوق النفط".