من الجد إلى الحفيد: لماذا يُحب آل سعود تل أبيب كل هذا الحب؟

من الجد إلى الحفيد: لماذا يُحب آل سعود تل أبيب كل هذا الحب؟

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ١٤ سبتمبر ٢٠١٨

رفعت سيد احمد
الأمر ليس جديداً ولا هو بالمفاجئ، لكنه ينطوي هذه المرة على مبالغة في الحب وترجمته إلى أفعال وعلاقات، إننا نتحدّث عن العلاقاتِ التي لم تعد سرية بين الحكم في السعودية وبين الكيان الصهيوني، وهو عشق ترجم إلى صفقات سلاح ودعوة إلى بناء لقبة حديدية تمنع صواريخ الحوثيين على حد قول بعض المسؤولين السعوديين.
 
وفي تفاصيل الخبر الذي انتشر الأسبوع الماضي أكّدت صحيفة "باسلر تسيتونغ" السويسرية أن "السعودية والكيان الصهيوني يقيمان تحالفاً سرياً من أجل منع التمدد الإيراني في الشرق الأوسط"، ونقلت عن مصادر رفيعة في الرياض، أن السعودية تدرس بجدية شراء منظومات أسلحة من "تل أبيب"، مضيفة أنه على الرغم من عدم وجود علاقات رسمية بينهما، فإن الجانبين يقيمان تعاوناً مكثفاً في المجال العسكري، بهدف وقف ما أسمته "المخطط الإيراني".
 
وأكدت الصحيفة أن "السعودية معنية جداً في شراء أسلحة صهيونية، خاصة منظومات دفاع من الدبابات"، بالإضافة إلى منظومة "القبّة الحديديّة".
 
وكشفت المصادر للصحيفة أن سلسلة من اللقاءات جمعت عسكريين صهاينة وسعوديين لتعزيز التعاون بينهما، مشيرة إلى أنه "في الفترة الأخيرة اجتمع قادة سابقون في المخابرات السعوديّة مع نظرائهم في إسرائيل".
 
وفي تفسيره لهذا التطوّر في مجال العشق التسليحي - إن جاز الوصف - كشف المحلل الإسرائيلي د.إيدي كوهين، المقرب من وزارة الخارجية في تل أبيب، النقاب عن أنّ العلاقات بين الرياض وتل أبيب ازدادت زُخماً مع طرح المُبادرة السعودية في العام 2002، (مبادرة الملك عبدالله التطبيعية)، لافتاً إلى أن لقاءات غير رسمية تتم بانتظام بين الطرفين، وأن العلاقات تحسّنت وتطورت جداً منذ العام 2015، وأنه تم عقد لقاءات رسمية بين ممثلين من الرياض وتل أبيب وأن محمد بن سلمان كان هو الراعي الرئيسي لتلك اللقاءات.
 
وأكد في مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم"، على أن المحرك الرئيس لتطور العلاقات بين الطرفين هو معارضتهما التامة للبرنامج النووي الإيراني، لافتاً إلى أنه نشر في الماضي عن زيارة قام بها رئيس الموساد الأسبق مئير داغان إلى السعودية.
 
وفي السياق ذاته، أكد محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"  أليكس فيشمان، أن هذا التعاون بين السعودية وإسرائيل يأتي في سياق إقامة حلف عربي إسرائيلي ضد إيران وحلف المقاومة، في المرحلة الأولى لا يتحدّث الأميركيون عن حلف دفاعي إقليمي في الشرق الأوسط على شاكلة حلف شمال الأطلسي، بل إنهم يؤكدون إنشاء تعاون بين هذه الدول في مجال تبادل المعلومات الأمنية والتقديرات واللقاءات.
 
وأشار فيشمان إلى أن "أموراً تجري وراء الستار بين الرياض وتل أبيب"، مرجحاً "انتقالها قريباً إلى العلن"، موضحاً أن التعاون السعودي الصهيوني حساس للغاية، وأن الإدارة الأميركية تدعمه وترى أن أي تعاون بين تل أبيب ومجموعة من الدول العربية لا مستقبل له من دون أن يكون مرتكزاً على السعودية.
 
إن هذه التطورات الجديدة تأتي في سياق تاريخ ممتد من العلاقات الدافئة بين أسرة آل سعود والكيان الصهيوني، إما مباشرة أو عبر الراعي الأكبر لكليهما وهو الولايات المتحدة الأميركية، والهدف الاستراتيجي والتاريخي لهذا التقارب بين السعودية وإسرائيل، كان دائماً هو خدمة المصالح الغربية، والتي يأتي في مقدمها الحفاظ على أمن إسرائيل من تهديدات المقاومة العربية والإسلامية بكافة أشكالها ،هذا من جهة ومن جهة ثانية الحفاظ على النفط السعودي وحمايته خدمة لمُستغلّيه وناهبيه الغربيين. إن الأمر ليس جديداً عندما نفتش في وثائق التاريخ لنكتشف حميمية العلاقة بين الأسرة السعودية وتل أبيب من المؤسس عبدالعزيز آل سعود حتى الحفيد محمد بن سلمان.
 
ومن صفحات التاريخ دعونا نربط الحاضر بالماضي في مجال كراهية آل سعود للمقاومة والشعب الفلسطيني وبالمقابل حبهم ،الذي وصل إلى حد الإفراط في بعض الحقب التاريخية مثل حقبة فهد بن عبدالعزيز، والحقبة الراهنة التي يقودها محمد بن سلمان، وكل واحد منهما يدين بهذا العشق إلى الجد المؤسس "عبدالعزيز" والذي يقول تاريخه  أنه قد ساهم في إجهاض العديد من الانتفاضات الفلسطينية خاصة ثورة 1936 وأنه كان دائماً يُطيع الغرب (بريطانيا تارة والولايات المتحدة تارة أخرى) خدمة للمُخطّطات الصهيونية، ويحدّثنا التاريخ أنه في مواجهة الثورات الفلسطينية كان موقف السعودية بين أمرين:
 
الأول: السكوت والتجاهُل لما يجري، وذلك حينما كانت الغلبة للمحتل، وهذا ما حدث لانتفاضات 1929م، و 1933م، و 1935م.
 
الثاني: التدخل السريع لإطفاء الثورة، وذلك بعقد اللقاءات مع قادة الثورات وإرسال النداءات التي تحث على السكينة، بعدة ذرائع تشمل حقن الدماء والمحافظة على الوطن، ولا تكتفي السعودية بالعمل بنفسها، بل تشرك معها ملوك العرب وذلك لطمأنة الثائرين وأخذ قسط من المسؤولية في ما لو حدث خلاف ما يتوقع.
 
وهذا فعلاً ما حدث في ثورة عام 1936م حينما أرسل عبد العزيز نداءه الموقّع من ملوك العرب ، وخاطب الثائرين قائلاً "ندعوكم للإخلاد إلى السكينة ووقف الإضراب حقناً للدماء، معتمدين على الله وحُسن نوايا صديقتنا بريطانيا".
 
وعلى عكس ما تتداوله وسائل الإعلام ، فإن العلاقات السعودية - الإسرائيلية عميقة الجذور. وقد ظلّت خافية حتى ظهرت إلى العَلَن خلال حرب الخليج الثانية (الحرب العراقية الكويتية) وفي حروب داعش والربيع العربي المُزيَّف الحالية. ويمكن القول إن أول لقاء سعودي - صهيوني يعود تاريخه إلى عام 1939 ، عندما عُقِدَ في لندن مؤتمر حول القضية الفلسطينية حضره الأمير فيصل الذي كان آنئذِ وزيراً  للخارجية ، إذ اجتمع الأمير السعودي عدّة مرات مُنفرداً  بالوفد اليهودي في المؤتمر ، حيث كان الملك عبد العزيز يبذل قُصارى جهده لتوطيد علاقاته بالأميركان. وبمرور الوقت وعندما أصبحت القضية الفلسطينية أكثر التهاباً، أفلح الأميركان في إقناع الملك عبد العزيز بالتحايل اللفظي من أجل التخلّص من المسؤولية التاريخية، وذلك بإصدار بيان شديد اللهجة ضد اليهود ولكن من دون أيّ تعهّد من جانبه بالعمل ضدّهم. وقد ظهر ذلك بوضوح في حرب عام 1948.
 
واستمر هذا الموقف ليكون أساساً للسياسة السعودية حول القضية الفلسطينية: مجرد بيانات فارغة ومسايرة للرأي العام العربي لكن من دون أي التزام. وهو عينه ما يفعله اليوم حكام المملكة مع كل إرهاب صهيوني جديد ضد الشعب الفلسطيني، إلا أن ما بات يحرِج جيل الكبار في مملكة النفط هو اندفاعات محمد بن سلمان وتقاربه العلني والفج مع تل أبيب وعدم مداراته لعشقه المفرط لإسرائيل مثلما كان يفعل أجداده وأعمامه، الذين جمعتهم المصالح والعلاقات الوثيقة بإسرائيل، لكنهم تحايلوا على عملية إعلانها أمام الرأي العام العربي والإسلامي حتى لا يفقدوا المكانة السياسية والروحية التي أعطتهم إياها سيطرتهم على الأماكن الحجازية المقدسة، من دون مسوغ شرعي، والتي آن أوان انتزاع الأمة لهذا الإشراف وإعادته لها، إن جيل الأبناء بقيادة محمّد بن سلمان فضح المستور من العلاقات الدافئة بين آل سعود وتل أبيب.
 
ونحسب أن سيل الأخبار المتواترة عن لقاءات وصفقات تسليح وعلاقات اقتصادية وسياسية لن يتوقف وهو بمثابة قمة جبل الثلج في العشق الاستراتيجي بين الحليفيين الأميركيين الأهم في المنطقة. واللذان تصادف أن الجغرافيا باتت تجمعهما بعد التاريخ السري، فتلك إسرائيل في شمال الجزيرة العربية وتلك إسرائيل أخرى بحكم الدور والوظيفة - في وسطها وجنوبها، والأيام المقبلة ستكشف عن مدى التحالف الاستراتيجي  بين الشمال والجنوب الأميركيين، في جزيرة العرب، مواجهة قوى المقاومة على اتّساع جغرافيتها. والله أعلم.