معركة إدلب.. الأسباب السياسيّة والعسكريّة للموقف التركي

معركة إدلب.. الأسباب السياسيّة والعسكريّة للموقف التركي

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٦ سبتمبر ٢٠١٨

 تتركّز الأنظار على مدينة إدلب السورية بانتظار ساعة الصفر، جميع الأطراف تتعاطى مع معركة إدلب بحذر شديد نظراً للتعقيدات السياسيّة والميدانية التي تتّسم بها هذه المعركة، وفي حين تصرّ سوريا وحلفاؤها على الدخول في المعركة ضد الجماعات الإرهابية هناك - لاسيّما جبهة النصرة - تمارس واشنطن تهديداتها باستهداف الجيش السوري تارةً عبر الشمّاعة الكيمائية، وأخرى الإنسانيّة.
 
لكن الموقف التركي يبدو مختلفاً بعض الشيء ورغم توصّل "قمّة طهران" بين الرؤساء روحاني وبوتين وأردوغان إلى نتائج إيجابيّة، إلا أنه لا يمكن القول أنّ هذه القمة توصلت إلى صيغة نهائية لحل أزمة إدلب نظراً لالتباس الموقف التركي.
 
تأكيد الرئيس أردوغان على ضرورة الاستمرار في مسار أستانا ومواصلته عبر التنسيق بين البلدان الثلاثة، لم يخفِ الارتياب التركي الواضح من المعركة الحاسمة حيث طلب الرئيس التركي مزيداً من الوقت لاستكمال الاستعدادات على الجانب التركي، وبالفعل شهدت الأيام القليلة الماضيّة تحرّكات غير مسبوقة للجيش التركي على الحدود السوريّة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ما هي الأسباب التي تحول دون انضمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المسار السوري الروسي الإيراني في إدلب؟ وبعبارة أدقّ: لماذا لا يريد الرئيس أردوغان أن يخط الجيش السوري كلمة البداية لمعركة إدلب، وبالتالي يضع نقطة نهايتها على السطر الذي يريده؟
 
أسباب عدّة قد تفسّر الموقف التركي الملتبس حالياً، فهناك أسباب عسكرية وأخرى سياسيّة تكشف الواقع الذي تعيشه أنقرة اليوم.
 
أسباب عسكريّة
 
هناك سببان رئيسيان يتعلّقان في الشقّ العسكري الأوّل كردي والآخر يتعلّق بجماعات أنقرة العسكريّة في إدلب.
 
فيما يتعلّق بالشقّ الكردي، استخدمت تركيا ذريعة الأكراد للتوغّل بشكل مباشر داخل الأراضي السورية عبر عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون، ومع تحرير إدلب والقضاء على إرهاب القاعدة هناك سيولي الجيش السوري أهمية أكبر للورقة الكردية التي سينحسر تأثيرها وبالتالي ستسقط هذه الذريعة من أيدي أنقرة، تماماً كما ستسقط ذريعة "الإرهاب من أيدي واشنطن. تركيا التي تضرب بحربة "الجيش الحر" في المناطق الكردية ستكون أمام مأزق مواجهة واسعة مع الجيش السوري وستدفع بهؤلاء المسلحين إلى الأراضي التركية بعد معركة مكلفة على الجانبين.
 
وأما بالنسبة للجماعات المسلّحة في إدلب فهي منقسمة، منها ما يخضع للقيادة التركية ومنها ما يخضع للجولاني أو يرتبط مع القاعدة بشكل مباشر كتنظيم حراس الدين، أولاً الهجوم العسكري على إدلب سيعزّز عمليات التناحر بين الجماعات المسلّحة هناك، الإرهابية منها وتلك المحسوبة على تركيا، وبالفعل تشير المعلومات إلى أن مسلحي "أحرار الشام" اختبؤوا خلف زوجاتهم خلال اقتحام "النصرة" بلدة بريف إدلب، ثانياً قد تشهد تركيا هجمات إرهابيّة لاسيّما بعد أن شنّ منظر تيار السلفية الجهادية أبو محمد المقدسي، هجوماً حاداً على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، معلناً "تكفيره".
 
أسباب سياسيّة
 
أما الأسباب السياسية فيمكن الإشارة إليها أيضاً في ثلاث نقاط رئيسيّة: ورقة المفاوضات وورقة الأكراد وورقة المهاجرين
 
تعدّ أنقرة أحد اللاعبين الرئيسيين في الأزمة السورية، وأحد أبرز الأقطاب في مسار أستانا، حيث تمثّل تركيا الجماعات المسلّحة في إدلب ومحيطها على طاولة المفاوضات، وبالتالي فإن خسارة إدلب ستؤدي إلى إضعاف الجهة الممثلة لجماعات إدلب، أي تركيا، على الصعيد السياسي، تماماً كما حصل مع الهيئة العلياً للمفاوضات حيث شكّل الانكسار الميداني لها انكساراً سياسياً أكبر للجانب السعودي، وبالتالي قد حذف من المعادلة السياسية، أو بعبارة أدقّ بات دوره هامشيّاً.
 
وأما فيما يتعلّق بالورقة الكرديّة من ناحيتها السياسيّة، فإضافة إلى تأثيراتها العسكرية شكّل امتلاك الأكراد لورقة الأكراد سياسياً ذريعة لرسم معادلات تركيا في الشمال السوري، وورقة ضغط كبرى على الحكومة السورية التي وجدت نفسها أمام نارين تارةً كردية تسعى لتقسيم البلاد وتهجير المواطنين، وأخرى تركية تسعى لاحتلال البلاد وضرب الأكراد السوريين، ولكن هذه الورقة بعد معركة إدلب ستصبح بيد دمشق، وبالتالي ستمتلك القدرة على استخدامها للضغط على تركيا بعد أن استخدمتها الأخيرة لسنوات في الضغط على الأولى، الإمساك بالورقة الكردية يسمح لدمشق بفرصة مناورة أكبر بكثير والتلويح بخيارات تجبر أردوغان على اتخاذ مواقف طالما رفضها خلال السنوات السابقة.
 
وأما فيما يتعلّق بالمهاجرين، تخشى تركيا من أن تفرز عملية إدلب موجة نزوح جديدة، فقد حذّر المتحدث باسم الحكومة التركية من مشكلة ستواجه أوروبا بسبب نزوح جديد للسوريين في حال شُنّ هجوم عسكري على مدينة إدلب، في الحقيقة، لا تقتصر تبعات النزوح على أوروبا، بل إن الاقتصاد التركي الذي يعاني اليوم من ويلات هبوط الليرة غير قادر على تحمّل تبعات موجة جديدة من النزوح، الأمر الذي سيشكّل ورقة ضغط داخلية كبيرة على الرئيس أردوغان، هنا لا يمكن التغافل عن أن امتلاك تركيا لورقة إدلب لا تعدّ ورقة ضغط على دمشق فحسب، بل تطول بروكسل، وبالفعل يلجأ أردوغان إلى تهديد أوروبا بموجات لجوء جديدة كلما ساءت العلاقة مع الاتحاد الأوروبي.
 
رغم أن أغلب الأسباب التركية غير مبرّرة بالنسبة لدمشق، إلا أن هناك من يبرّر بعضها كهجمات الإرهابيين على تركيا، ولكن حلّ هذه المسألة لا يكون من خلال وقف العملية وتحميل دمشق جميع التبعات، بل من خلال التعاون مع دمشق على قاعدة رابح- رابح، وإلا ستكون تركيا بالتأكيد أحد أبرز الأطراف الخاسرة، فلن تخسر دمشق اليوم أكثر مما خسرته بالأمس.