هجرة الأطباء... أزمة اختصاصات في مستشفيات غزة

هجرة الأطباء... أزمة اختصاصات في مستشفيات غزة

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ١٥ أكتوبر ٢٠١٨



مشكلة جديدة تلقي ظلالها على الصحة في غزة، القطاع الوظيفي الأكثر إشكالية بعد الأمن والتعليم. أطباء من اختصاصات عدة قرروا السفر إلى الخارج بعدما ضاقت بهم حكومتا غزة ورام الله، ما انعكس مباشرة على عمل المستشفيات في ظل إصابات تتوافد بالمئات كل أسبوع ومرضى ينتظرون دورهم من سنوات

غزة | تعاني المستشفيات والمراكز التابعة لوزارة الصحة، وكذلك الخاصة في قطاع غزة، أزمات متتالية منذ عام 2007، تتركز في نقص الكوادر والمستلزمات الطبية، وكذلك الأدوية، لكن ثمة أزمة جديدة هي «هجرة» الكوادر الطبية وما يتبعها من نقص في اختصاصات أساسية وأخرى مهمة. جزء من هذه الأزمات يعود إلى أسباب تتعلق بالحصار الإسرائيلي، لكن أخرى ترتبط بالظروف التي خلّفها الانقسام السياسي بين حركة «حماس»، التي لا تزال تدير القطاع عملياً منذ عام 2007، و«فتح» الموجودة بصورة شكلية عبر بضع وزارات.

وفق معلومات، غادر عدد كبير من الأطباء المختصين منذ أيار/ مايو الماضي، بهدف اللجوء أو البحث عن فرصة عمل أفضل. وتضم القائمة نحو خمسين طبيباً في تخصصات تراوح بين جراحة القلب وطب الأطفال وطب العظام والتخدير والمناظير والمسالك البولية. غالبية هؤلاء يقولون إن مشكلة الرواتب المنقطعة أو المجتزأة هي المسبّب الأول، إذ إنهم ضمن فئتين: الأولى التابعة لحكومة غزة، وتتقاضى ما نسبته 40% من الراتب أو أقل كل خمسين يوماً، والثانية تابعة للسلطة الفلسطينية وصارت تتقاضى 50% شهرياً جراء الخصومات التي طاولت رواتبهم. يشرح المدير الطبي لمستشفى العيون في غزة، حسام داوود، أن راتب الطبيب في القطاع «يعتبر دون الحد الأدنى بالمقارنة مع الطبيب في الضفة أو الدول المجاورة». ويؤكد أنه إذا استمرت الحال على ما هي عليه، فإن القطاع الصحي الحكومي «معرض للانهيار في أي لحظة».
بمراجعة بعض الأطباء المهاجرين، قالوا إن السبب الثاني لرحيلهم هو ضعف إمكانية البحث العلمي والتطور في ظل الحصار الذي يمنعهم من التواصل جيداً مع العالم الخارجي، كذلك لا يمكنهم السفر لحضور المؤتمرات العلمية التي يحتاجونها كي يتماشوا مع التطور الطبي. وهناك سبب ثالث وأساسي هو «الحزبية الطبية». يقول أحد الأطباء: «عندما حدث الاقتتال الداخلي (2007) كنت أعمل رئيساً لقسم، وحين طلب من موظفي رام الله عدم العمل في المستشفيات وخالف بعضنا هذا القرار، قطعت السلطة رواتبنا، فيما عملت حكومة غزة على تعويضنا». لكن هذا الطبيب يقول إنه صدم بمنعه من تدريب الأطباء في القطاع في تخصص العظام من الحكومة السابقة نفسها، مضيفاً: «لم أكن أعلم أن هناك مافيا للتحويل إلى الخارج وسوق سوداء تديرها عصابات مدعومة من جهات كثيرة».

    وصلت الحال ببعض الأقسام إلى حجز عمليات في عام 2022


يكمل الطبيب نفسه: «التحويلات كارثة طبية، لأنها تغطي على الطبيب الفاشل، بمعنى أن أي عملية لا يجيدها الأطباء في غزة يعملون على تحويلها إلى الخارج، حتى إن كانت لا تحتاج ذلك، وإذا منعت التحويلات، فإن هذا الطبيب سيُكشف أمره وهذا يشكل كابوساً لهذه الفئة». ويشير أيضاً إلى «استفادة مادية من التحويلات، إذ يتقاضى الطبيب المختص 400 دولار من أجل أن يوقع على التحويلة». ومن جهة أخرى، يقول المدير العام للمستشفيات في غزة، عبد اللطيف الحاج، إن القطاع أصلاً بحاجة إلى اختصاصات فرعية مثل الأمراض المناعية والجهاز الهضمي والصدرية والأورام والأوعية الدموية وغيرها.
وفضلاً عن عدم استجابة مسؤولين من وزارة الصحة لتوفير بعض المستلزمات بعد نفادها، فإن بعض الأطباء اشتكوا عندما منعوا من إتمام مبادرات فردية لعلاج المرضى، بل عمل المسؤولون على استجوابهم. تواصلنا مع طبيب آخر وصل إلى ألمانيا وتحدث عن الإشكالية نفسها، قائلاً إن «الأطباء نفسهم هم السبب في ما يحدث»، ولافتاً في الوقت نفسه إلى تكرار أزمات الاعتداء على الأطباء «لكونهم الحلقة الأضعف». تعقيباً على الأزمة، يقول المدير العام للاستقبال في مستشفى الشفاء في غزة، أيمن السحباني، إن «هجرة الأطباء مقلقة لأن القطاع بأمسّ الحاجة إلى هذه الكوادر، خاصةً أن التوظيف متوقف منذ سنوات... في تقديري، أرى أن أطباء كثيرين يفكرون في الهجرة، والسبب أن مقومات الصمود ليست متوافرة لهم». يضيف السحباني: «موضوع هجرة الأطباء زاد الضغط على مستشفيات القطاع خاصة أن عدد الحالات تصل إلى الآلاف سواء من الجرحى (مسيرات العودة)، أو المرضى العاديين». ولفت إلى تأثير موجة التقاعد المبكر الأخيرة التي طاولت موظفي السلطة، ومنهم الأطباء، ما ساهم في هجرة عدد منهم خاصة حملة الجنسيات.
ووفق شهادات، بدأ المرضى يلمسون في بعض الأقسام غياب الأطباء المختصين، إذ ذهب أحدهم بابنه ليحجز عملية جراحية صغيرة، وعند موظف الحجوزات عبر الكمبيوتر فوجئ الأب بأن عملية ابنه سيأتي دورها عام 2022. كذلك وصل مريض آخر وهو ينزف دماً، فاضطر إلى الانتظار ساعة ونصف ساعة لأنه لا يوجد في القسم طبيب أوعية دموية. كل ذلك أثّر بوضوح في خدمات أقسام الطوارئ والمناوبات الليلية، كذلك تأثرت أقسام عدة خاصة، منها الأشعة في المستشفى الإندونيسي شمالي القطاع، والعظام في مستشفى الأقصى في دير البلح (وسط) الذي توقفت فيه الخدمة لأيام، وكذلك الأمر في مستشفى ناصر في خانيونس (جنوب) بسبب غياب طبيب العظام هناك، بالإضافة إلى أن أقسام التخدير والعناية المركزة مهددة في مجمل المستشفيات. وهنا يؤكد مدير شؤون الأطباء في وزارة الصحة، أحمد شتات، أن مستشفيات الوزارة «تعمل تحت ضغط كبير نتيجة ازدياد الحالات، وكذلك الاكتظاظ في أقسام حضانة الأطفال والولادة».
وطبقاً لأحدث الإحصاءات، فإن لكل 1000 مريض طبيباً واحداً في غزة. وبينما يتوافر لدى «الصحة» 2000 سرير، يحتاج القطاع عملياً إلى 3000. كذلك، يبلغ عدد الأطباء في مستشفيات القطاع البالغة 12 نحو 1500 طبيب، منهم 700 تابعون لرام الله، في حين أن الآخرين تابعون لـ«حكومة غزة» السابقة، وذلك في وقت يبلغ فيه عدد الحالات التي تعاين يومياً في أقسام الطوارئ (الاستقبال) في مستشفيات الوزارة الصحة 3500.