عقوبات ترامب توحّد إيران: أميركا ليست قدَراً

عقوبات ترامب توحّد إيران: أميركا ليست قدَراً

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٥ نوفمبر ٢٠١٨

بلغة تتّسم بالتحدي، تستقبل إيران الحزمة الثانية من العقوبات «الأقسى» عليها. وفي وقت لا ينكر فيه الإيرانيون تأثير الحظر على صناعة النفط، يؤكدون أن الحملة الجديدة زادت من توحّد البلاد، وستُواجه هذه المرة بأوراق قوة أكبر وأمضى، وسط تغيّر ملامح الخريطة السياسية في العالم
طهران | تنطلق اليوم الحزمة الثانية من العقوبات على إيران، والتي تعد الأقسى من نوعها في الظاهر، نظراً إلى ما تشمله من استهداف لقطاعات الاقتصاد الحيوية، وفي مقدمها الطاقة والنفط، بالإضافة إلى شركات تمويل الموانئ وقطاعات الشحن وبناء السفن وشراء المنتجات البيتروكيماوية. عقوبات وضع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أول هدف لها إرغام الإيرانيين على الذهاب إلى تفاوض جديد. لكن، اليوم، ثمة إجماع لدى مختلف التيارات الإيرانية، هو الأول من نوعه، على فشل التفاوض مع أميركا مهما كان مستواه، وخصوصاً أنه لم يكن لإيران المبادرة إلى نقض الاتفاق النووي الذي دخلت من خلاله أول مرحلة حوارية مباشرة مع واشنطن. عن ذلك يقول رئيس «اللجنة الاقتصادية» في «التيار المعتدل» (تيار الوسط بزعامة الرئيس حسن روحاني)، حسين روي وران، لـ«الأخبار»، إن «أميركا ليست قدراً لا يمكن تجاوزه. نعم، أميركا ترسم المخططات، لكن إيران أيضاً ترسم مخططات حول كيفية الصمود». ويتابع «في إيران اليوم تضامن اجتماعي كبير على أن قدر إيران هو تقبل العقوبات ومواجهتها».
ويعود وران للتذكير بأنه «كنا قبل ثلاث سنوات نطالب بالحوار مع أميركا، وفعلاً دخلت إيران حينها الحوار ووقعت الاتفاق النووي ولم تخلّ به، أما أميركا فانقلبت عليه. ومع هذا الانقلاب، لم يعد هناك من يطالب بالحوار باعتبار أن هذا الخيار استنفد، وهذا التضامن الاجتماعي والرسمي حول هذه النقطة يعتبر نقطة قوة للحكومة». وفي إيران التي خبرت العقوبات منذ خروجها من بيت الطاعة الأميركي قبل 40 عاماً، تخاض المعركة على أنها معركة القضاء على النظام وسياساته، من زاوية إجراءات تستهدف الوصول إلى الانهيار الاقتصادي الذي يؤدي بنظر واشنطن إلى انهيار اجتماعي وسياسي يقضي على النظام. ولتحقيق الهدف، فإن الحملة الأميركية الجديدة لا تقتصر على المعاقبة الاقتصادية، بل تشمل برنامجاً أوسع، يوصل فيه الحصار الاقتصادي إلى «تضييق الخناق أكثر وإيجاد ناتو عربي وحالة من التضامن في المنطقة ضد إيران»، وفق وران.
وتتقاطع التصريحات الإيرانية الرسمية، ومعها آراء النخب في طهران، على أن الهدف من العقوبات ضرب النظام الإيراني ودوره كـ«دولة سائدة» في الإقليم، وفق ما يقول خبير العلاقات الدولية هاني حسن زادة. وفي حديث إلى «الأخبار»، يرى زادة أن طهران تعاقب على «أدائها دوراً إيجابياً في تسوية المشاكل الإقليمية وخصوصاً في ما يتعلق بمواجهة الجماعات التكفيرية في المنطقة»، وبالتالي «إفشال الولايات المتحدة في إمرار أجندتها». في مقابل الجهود الأميركية، يشعر الإيرانيون بأنهم اليوم أقدر من أي وقت مضى على مواجهة العقوبات وإيجاد بدائل، وخصوصاً مع تراجع دونالد ترامب عن قراراته وإعطاء الاستثناء لثماني دول من قرار منع شراء النفط، ما ألغى مشروع «تصفير النفط» الذي لوّحت به الإدارة الأميركية بشكل دائم. وفي طهران، ينظر بعين الارتياح إلى الافتراق بين الأميركيين والأوروبيين، فضلاً عن ثبات كل من موسكو وبكين إلى جانبها. ويلفت زادة إلى أن «هناك اتصالات عديدة جرت من دول مؤثرة في الأيام القليلة الماضية مع وزير الخارجية جواد ظريف، من بريطانيا وفرنسا وروسيا وغيرها، أعلنت خلالها الاستعداد للذهاب أكثر في عمليات التبادل الاقتصادي مع إيران»، معتبراً أن ذلك «يؤكد على أن موقف إيران اليوم أقوى على الساحة الدولية، وإن كانت تعاني من أزمات اقتصادية خانقة» وإمكانية تراجع المبيعات النفطية بشكل كبير، فضلاً عن وجود الإمكانيات الداخلية الذاتية. ويذهب زادة أبعد من ذلك، متوقعاً أن يكون لمعركة العقوبات ارتدادات عكسية على واشنطن، جراء المفاوضات الإيرانية مع بعض الدول على استبدال عملات مكان الدولار في التعاملات، كجزء من استراتيجية إيران لمواجهة العقوبات، ما يجعل «الخسائر مشتركة» في الحد الأدنى.
اللغة الإيرانية الواثقة في القدرة على «الصمود» ترجمتها المشاركة الشعبية أمس في «يوم مقارعة الاستكبار العالمي»، الذي يصادف ذكرى اقتحام السفارة الأميركية. حيث شهدت البلاد خروج مسيرات رفعت شعارات التنديد بالسياسات الأميركية، واستغلت المناسبة لإعلان استعدادها لمواجهة العقوبات الجديدة. مواقف التحدي هذه، من المتوقع أن تترجمها القوات الإيرانية، ابتداء من اليوم، في مناورات للدفاع الجوي تستمر يومين. ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن مساعد شؤون التنسيق في الجيش، حبيب الله سياري، قوله «نطمئن شعبنا الى أن العدو لن يتمكن من تنفيذ تهديداته ضد بلادنا». في المقابل، جدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، التهديد بأن العقوبات التي تبدأ اليوم «هي الأشد قسوة على الإطلاق» على إيران، موضحاً أن الإعفاءات التي قدمتها واشنطن مؤقتة وتشمل «دولاً قامت بالفعل بخفض وارداتها بشكل كبير من النفط (الإيراني)، وتحتاج إلى قليل من الوقت للوصول بذلك إلى الصفر». وتوعّد بومبيو، في مقابلة مع «فوكس نيوز»، بأن العقوبات ستتزامن مع عقوبات مالية تدرج على «أكثر من 600 فرد وشركة في إيران». لكن كل ذلك، وفق صاحب الكلمة الأولى في إيران المرشد علي خامنئي، لا يأتي سوى بمفعول عكسي لن يحقق هدف أميركا وهو «إعادة الهيمنة التي كانت تفرضها (قبل الثورة)». ووفق خامنئي، تواجه سياسات ترامب اليوم معارضة في أنحاء العالم، أما أميركا «فقد هزمت من قبل الجمهورية الإسلامية طوال أربعين عاماً»، فيما قوتها تتراجع.