إبن سلمان محاطاً بسرية الحركة في مصر وتونس: وعود وتسجيل حضور

إبن سلمان محاطاً بسرية الحركة في مصر وتونس: وعود وتسجيل حضور

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٨ نوفمبر ٢٠١٨

تحاشى محمد بن سلمان في زيارته المختصرة لتونس، أمس، مواجهة الاحتجاجات الرافضة لاستقباله، إلا في الجبهة الافتراضية، ما مثّل مرحلة جديدة من جولته العربية لتبييض صورته كجواز سفر إلى الأرجنتين، بعد الاستقبالات في الدول «الصديقة»
 سجّل ولي العهد، محمد بن سلمان، حضوره في تونس، أمس، بزيارة قصيرة، متأخرة وخجولة، حتى كاد الناس يشكّون في قدومه أصلاً. حطّ في مطار لم يُعلن عنه، بعيداً عن أنظار منتظريه الغاضبين في قلب العاصمة التونسية، فيما اقتصرت أجندة الزيارة، على لقاء الرئيس الباجي قايد السبسي، وسط تكتم رسمي على برنامجها وموعدها. فعل الشارع التونسي، من ناشطين مدنيين وسياسيين، ما كان يخشاه ولي العهد في جولته الخارجية الأولى بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي (2 تشرين الأول/ أكتوبر). ورغم أنه «حرس» جولته بعدم إعلان ــ في بيان الديوان الملكي ــ الوجهات التي ستشملها، لترك هامش «التعديل» واسعاً، لكن في الحالة التونسية، بدا خيار إلغاء الزيارة، التي جاءت بطلب منه، حسب تصريحات سابقة للمتحدثة باسم الرئاسة، سعيدة قراش، مكلفاً له وللسلطة التونسية معاً، في ظل موقف الأخيرة المرحّب، الذي عبّر عنه مستشارون في رئاسة الجمهورية.
لا شك في أن موقف غالبية التونسيين رافض للزيارة، لكن المفارقة تكمن في أن الأغلبية السياسية الحاكمة، غلّفت استقبال ابن سلمان بـ«الواقعية السياسية»، مبدية الأولية لما ترمي تحصيله من «عطايا» مادية من الضيف غير المرحّب به، تتمثل في هذه المناسبة، في وديعة بالبنك المركزي قيمتها مليارا دولار، ونفط بأسعار تفاضلية، ومساعدات عسكرية (تضاف إلى 48 طائرة من طراز «أف 5»، وصلت قبل ثلاثة أعوام مقابل الانخراط الرمزي في «التحالف الإسلامي»).
حاولت السلطة من خلال المساعدات السعودية، التي سُرّبت بهدف التخفيف من غضب الناس، تحييد جزء من الناشطين! لكن وجهة النظر هذه لم تخرج عن العالم الافتراضي ودوائر السلطة، على عكس وجهة النظر الرافضة للزيارة، التي تمثلت على الأرض باتجاهين قويين، الأول، تحرك شعبي من أحزاب من المعارضة اليسارية والقومية العربية، وأحزاب أخرى مثل «الحزب الجمهوري»، فضلاً عن منظمات طلابية وجمعيات حقوقية ونقابات مهنية. ثانياً، تحرك قانوني، إذ فتح القضاء تحقيقاً ضد ولي العهد بشأن انتهاكات في اليمن، بالتزامن مع زيارته، بناءً على شكوى أودعتها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أول من أمس، لدى وكيل الجمهورية في المحكمة الابتدائية، اعتماداً على التقرير المتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في اليمن.
بدا أن الرافضين للزيارة، يمثلون النواة المدنية الصلبة في تونس، من بين آلاف الجمعيات الموجودة (وكثيرة منها وهمية أو مرتبطة ببرامج الممولين)، فيما المؤيدون، انحصروا في دوائر السلطة فقط. فعلى امتداد اليومين الماضيين، شهد الشارع الرئيسي في العاصمة، تجمعات احتجاجية، شملت آلاف الناس، وندوات صحافية، استعرضت إنجازات القنابل والأسلحة السعودية في اليمن، ودورها في مفاقمة الأزمة السورية، وتوقيع عريضة شعبية تنديدية، بالإضافة إلى مجموعة من «المهرجين الناشطين» ذكّروا بالاغتيال الوحشي لجمال خاشقجي، من خلال إعادة تمثيل الجريمة/ المشهد، من أمام «المسرح البلدي»، وقد التقطت وسائل إعلام دولية صور العرض الفني/ التشهيري، ما أسهم في تشديد زخم التنديد بالزيارة على الأرض، فيما لم يجد السعوديون من سبيل للرد، إلا بإطلاق عنان الذباب الإلكتروني في محاولة لخلق زخم «افتراضي» مضاد تحت وسم «تونس ترحب بمحمد بن سلمان»، الذي تصدّر قائمة الأكثر تداولاً في المملكة، بفعل حسابات وهمية بدت مفضوحة في تونس.
صحيح أن التونسيين لم يمنعوا ابن سلمان من زيارة قصر قرطاج الرئاسي، وأن السلطة رجحت كفة المصالح المادية على المبادئ في ميزان علاقتها مع الرياض، لكن الزيارة السريعة، بدت في تفاصيلها مجرد محاولة «ترقيع» لجولة عربية دخلت مرحلتها الثانية، بعد الاستقبالات «الرفيعة» في الإمارات والبحرين ومصر. فلأول مرة، منذ اشتداد الخناق على النظام السعودي، يواجه المتهم الرئيسي في اغتيال خاشقجي، وبالمسؤولية عن جرائم الحرب في اليمن، احتجاجات شعبية بالوضوح والزخم الذي بدا، أمس. وهي احتجاجات لا تعكس المزاج الشعبي التونسي فحسب، بل مزاج أغلبية الشعوب العربية، التي تفاعلت معها بشكل نشط في ساحة التواصل الاجتماعي، ما يشي بأن الزيارة، في محطتها التونسية، على الأقل، انقلبت على ابن سلمان، من محاولة لحشد الدعم العربي، إلى مناسبة للتذكير بجرائم نظامه.
«مرجعية بورقيبة»؟
بعد تسريبٍ إلى الصحافة، يفيد بأن ولي العهد سيزور البلاد يوم الثلاثاء (أمس)، لجسّ نبض الأحزاب الكبرى، جاء رجع الصدى بـ«الموافقة». رحبت حركة «نداء تونس» بزيارة ابن سلمان، ودافع نوابها في البرلمان عنها بشراسة، مُدّعين تمسكهم بـ«ثوابت الديبلوماسية التونسية» التي تشمل «عدم التدخل في شؤون البلدان الأخرى»، و«النأي بالنفس عن سياسة المحاور». وهي عبارات ترددت أيضاً على ألسنة نواب كتلة «الائتلاف الوطني» المكونة حديثاً، والتي تتمايز عن الكتلة السابقة بدعمها لرئيس الحكومة، يوسف الشاهد. لكن تلك العبارات اللامعة، التي يدعي أصحابها أنها إحدى ركائز مرجعيتهم «البورقيبية» لا تعكس حقيقة السياسة الديبلوماسية التونسية. لم تكن تونس حيادية يوماً، بل كانت منحازة بوضوح مُعلن بعد الاستقلال، إلى المحور الأميركي ضد السوفيات، وانحازت مبكراً إلى الخيار التصفوي للثورة الفلسطينية، إذ كان بورقيبة من أنصار «حل الدولتين»، حين كان النطق به يُعَدّ خروجاً عن «الصف العربي». وقد توج هذا المسار الحافل بالانحياز، بانخراط تونس في ما سُمّي «التحالف الإسلامي» العسكري المعلن في كانون الأول/ ديسمبر عام 2015.
تشمل الموافقة على الزيارة حركة «النهضة» أيضاً، على قاعدة «السكوت علامة الرضى»، إذ لم يصدر عن الحركة أي موقف رسمي، وتجنب كبار قادتها تناولها إعلامياً، باستثناء بعض الأصوات داخلها، مثل النائب محمد بن سالم، الذي أكد أن موقفه الرافض «شخصيٌّ» لا يلزم أحداً غيره. أما دوافع هذا الصمت، فتتلخص بالأساس في عدم رغبتها في تعميق الشرخ بينها وبين رئيس الجمهورية، الغاضب من دعمها رئيس الحكومة، وكذلك تجنّبها الخوض في مسائل عربية، سعياً لتخفيف الضغط المسلط عليها من المحور السعودي ــ الإماراتي، وتأكيداً لـ«طابعها التونسي» الصرف، البعيد عن مواقف «الإخوان المسلمون».