ما بعد «العشرين»: إرضاء الحلفاء ثمن حماية ابن سلمان

ما بعد «العشرين»: إرضاء الحلفاء ثمن حماية ابن سلمان

أخبار عربية ودولية

الاثنين، ٣ ديسمبر ٢٠١٨

استأنف محمد بن سلمان، أمس، جولته العربية، في أعقاب اختتام «قمة العشرين»، التي ظلّ ولي العهد قادراً على التعامل مع أضرارها الجانبية. لكن التحدي الحقيقي سيبدأ مع الاستحقاقات السياسية والاقتصادية الجدية، التي ستجد السعودية نفسها ملزمة بإرضاء حلفائها فيها، وخصوصاً أن «التهديد» الأميركي لم ينته بعد، والطوق التركي لا يزال محيطاً بالرياض
تجاوز ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، قطوع حضوره في «قمة العشرين»، من دون أن تعني خسائره المحتملة انتهاء المأزق الذي وضع نفسه فيه منذ واقعة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. قرابة عشرة أيام مرّت على مغادرة ابن سلمان أراضي المملكة، لم تظهر خلالها مؤشرات إلى محاولات لاستغلال غيابه في إحداث تبدلات على مستوى هيكلية الحكم، وهو ما يمنحه عنصر طمأنة داخلياً، أقله على المدى المنظور. على المستوى الخارجي، وعلى الرغم من محاولات الزعماء الغربيين التظاهر بالحزم، إلا أن حديث المصالح والصفقات ظلّ غالباً على ما سواه. مع ذلك، فإن أمام ولي العهد استحقاقات سياسية واقتصادية يتعيّن عليه تخطّيها تحت الضغط المتواصل من الحلفاء، في وقت لم توحِِ فيه تركيا باستعدادها لقلب الصفحة.
وحطّ ابن سلمان، أمس، في موريتانيا، التي كان قد أعلن أكبر ائتلاف معارض فيها رفضه الزيارة، داعياً إلى عدم استقبال «سند إسرائيل القوي». إلا أن الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، استقبل ولي العهد، ووقّع معه سلسلة اتفاقيات بدا بعضها أشبه بمحاولة لاستبقاء ولاء نواكشوط، وتعزيز انخراطها في المعسكر السعودي. نموذج من ذلك ما كشفه وزير الإعلام السعودي، عواد العواد، من أن ابن سلمان قرّر إنشاء مستشفى جامعي يحمل اسمه في العاصمة الموريتانية. ومن موريتانيا، توجّه الأمير الشاب إلى الجزائر، حيث يجري مباحثات تتناول «رفع حجم التبادل التجاري، وتوسيع الشراكة الاقتصادية»، وفق ما أعلنت الرئاسة الجزائرية التي تحاشت الإشارة إلى موضوع أسعار النفط، على رغم أنه يشكّل مادة خلافية بين الجانبين. وسبق وصولَ ابن سلمان إصدار شخصيات إعلامية وثقافية بياناً رافضاً لاستقبال «الآمر بجريمة فظيعة في حق خاشقجي»، توازياً مع دعوة أحزاب معارضة إلى عدم استقبال «المسؤول عن قتل أعداد هائلة من الأطفال والمدنيين في اليمن».
هذه الصورة بدا، يومَي الجمعة والسبت الماضيين، أنها تلاحق ابن سلمان في «قمة العشرين» أيضاً، لكن الزعماء الغربيين الذين حرصوا على تجلية نفورهم منها ظهر سلوكهم أقرب إلى الحركات الدعائية منه إلى التعامل الجدي. إذ لو كان في نية هؤلاء، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، معاقبة ولي العهد لأمكنهم فعل ذلك منذ زمن، لكنهم لا يفتأون يغطّون ممالأتهم ابن سلمان بمظلّة «العلاقات التاريخية» مع السعودية، فيما لا تجد واشنطن حرجاً في القول إنها تريد بقاء الرجل و«نقطة ومن أول السطر». مظلّة لن تكون من دون ثمن طبعاً، وخصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تعتمد في تنظيرها للداخل الأميركي على ضرورة حماية ولي العهد على «فوائد» الأخير لمشاريع الولايات المتحدة في المنطقة. في هذا الإطار، يُفترض أن تكشف المفاوضات اليمنية، المنتظر انطلاقها أواسط الأسبوع الجاري، مدى جدية الدفع الغربي نحو إنهاء الحرب في اليمن، في حين يشكّل الاجتماع المرتقب لمنظمة «أوبك» في فيينا في الموعد نفسه محطة مفصلية في تحديد كيفية تعامل السعودية مع الضغط الأميركي عليها لناحية رفع إنتاجها من النفط.
يرى الخبراء المتابعون لشؤون «أوبك» أن السعودية واقعة بين نارَين: الاستمرار في زيادة الإنتاج، مع ما يعنيه الأمر من انعكاسات سلبية على الموازنة السعودية التي يحتاج تحقيق التوازن فيها إلى سعر لا يقلّ عن 73 دولاراً للبرميل، أو المجازفة باستثارة غضب ترامب عبر تخفيض الإنتاج. ما بين الخيارين، يقدّر المحللون أن تلجأ المملكة إلى نوع من الحيلة، عبر الدفع نحو اتخاذ قرار داخل «أوبك» بالتخفيض، من دون أن يُعلَن ذلك صراحة (يمكن المنظمة، مثلاً، تعليل قرارها بانخفاض متوقّع في مستويات الطلب). لكن، ومن أجل تحقيق هدفها، يتعيّن على الرياض أن تقنع موسكو بتخفيض إنتاجها هي الأخرى، علماً بأن روسيا لا تجد ضيراً في انخفاض أسعار النفط، وهو ما كان قد أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين عندما وصف تراجع الأسعار إلى 60 دولاراً للبرميل بأنه كان «رائعاً للغاية». وعليه، يبدو أنه لا يزال أمام السعودية مفاوضات «صعبة» مع الجانب الروسي، إلا أن التوصل إلى اتفاق لا يظهر مستحيلاً، في ظلّ إعلان بوتين ــــ خلال «قمة العشرين» ــــ أن بلاده ستواصل المساهمة في خفض الإنتاج.
مع ذلك، وحتى لو توصّلت السعودية، عبر «أوبك»، إلى اتفاق «غامض» يُخليها من المسؤولية أمام ترامب، إلا أنها لن تتمكن ــــ وفقاً لمراقبي «أوبك» ــــ من تحقيق ما تصبو إليه اقتصادياً. فشل متوقّع من شأنه أن يزيد موقف الرياض ضعفاً، في ظلّ عملية ابتزاز واضحة يمارسها الرئيس الأميركي تجاهها. وهي عملية لا شيء يحول دون سلوكها مساراً تصاعدياً، بالنظر إلى أن ثمة انقساماً داخل المؤسسات الأميركية حول كيفية التعامل مع ابن سلمان، عاد وتجلّى أول من أمس في تسريب وكالة الاستخبارات المركزية معلومات عن أنها رصدت 11 اتصالاً بين ولي العهد والمستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، في الساعات التي سبقت اغتيال خاشقجي وتلك التي أعقبتها. وما يفاقم حجم المأزق السعودي هو إصرار تركيا ــــ إلى الآن ــــ على إبقاء قضية خاشقجي حية أطول فترة ممكنة، والاستفادة منها في مواجهة الأمير الشاب. ولعلّ التصريحات التي أدلى بها، السبت، الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على هامش «قمة العشرين»، والتي وصف فيها تفسيرات ابن سلمان لحادثة القنصلية بأنها «لا تُصدّق»، مجدداً أن مطالبة بلاده بتسليمها المتورطين في قتل خاشقجي تدلّ على أنه ليس لدى أنقرة حالياً رغبة في التهدئة.