السودان.. المحتجّون يتجاهلون تودّد السلطات: الاعتراف وحده لا يكفي

السودان.. المحتجّون يتجاهلون تودّد السلطات: الاعتراف وحده لا يكفي

أخبار عربية ودولية

الجمعة، ٨ فبراير ٢٠١٩

فيما تمضي السلطات السودانية في مواجهة التظاهرات بالترغيب والترهيب، يؤكد المحتجون أن الاعتراف بأحقية المطالب لن يؤدي بذاته إلى إنهاء الأزمة، من دون أن يترجم إلى خطوات على الأرض
تتبدّل عناوين التظاهرات المندلعة في السودان، للأسبوع السابع على التوالي، بحسب تبدّل ممارسات نظام الرئيس عمر البشير، والتي حوّلت دوافع المحتجين من التنديد بالأزمة الاقتصادية وفساد منظومة الحكم، إلى رفض استخدام العنف المفرط الذي راح ضحيته أكثر من 50 متظاهراً بالرصاص الحي، وصولاً إلى دعم المعتقلين الذين قدّرت المعارضة عددهم بأكثر من ألف شخص منذ بدء الاحتجاجات في الـ 19 من كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
وعلى رغم إصدار مدير جهاز الأمن والاستخبارات، صلاح قوش، قبل عشرة أيام، قراراً بإطلاق سراح جميع المعتقلين، إلا أن القرار لم يترجم على الأرض، ما دفع «تجمع المهنيين السودانيين»، الذي يقود الاحتجاجات بدعم من قوى المعارضة، إلى الدعوة للتظاهر دعماً للمعتقلين الذين يتعرضون «للتعذيب»، وذلك بعد أسبوع على مقتل مدرّس في ولاية كسلا شرق البلاد، أثناء احتجازه بتهم متعلقة بالاحتجاجات. وكان قريب للمدرّس قد أكد لوكالة «فرانس برس» الأسبوع الماضي أنه توفي نتيجة التعذيب الذي ظهرت آثاره على جثمانه، الأمر الذي أكده أيضاً أمس رئيس لجنة التحقيق التي شكلها النائب العام، بالقول إن تقرير الطبيب الشرعي أثبت أن المدرّس توفي جراء «الإصابات المختلفة فى جسمه بآلة صلبة مرنة»، مؤكداً أنه لم يتم العثور على أي سموم في جثة المعلم، بعدما كان مسؤولون قد ذكروا في البداية أنه توفي نتيجة تسمم غذائي.
واستجابة لدعوات «تجمع المهنيين» وتحالفات المعارضة الثلاثة، شارك المئات في مسيرات في وسط الخرطوم أمس، بعد نحو أسبوعين من عدم تمكّنهم من التظاهر في تلك المنطقة جراء التضييق الأمني، فيما ردّت قوات «مكافحة الشغب» على المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع. كذلك، انتشرت صور ومقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت عناصر الأمن وهم يلقون القبض على متظاهرين، ويقتادونهم إلى عربات أمنية. ولم تنحصر التظاهرات في وسط العاصمة، بل انتقلت إلى عدد من الأحياء القريبة في حي الديم والخرطوم ثلاثة، حيث تجمهر المحتجون قبل أن تفرّقهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع. كما شهدت أحياء الحماداب والشجرة والكلاكلة جنوب الخرطوم، وبري شرق الخرطوم، وشبمات في مدينة بحري شمال الخرطوم، تظاهرات واجهتها الشرطة أيضاً بالغاز المسيل للدموع.
وبعد أكثر من 50 يوماً على الاحتجاجات، يبدو التخبط الذي يعيشه النظام جلياً في خطاب البشير وممارساته، ولا سيما تجاه الشباب. فبينما أعلنت السلطات الإفراج عن جميع المعتقلين، عادت واعتقلت محتجين في تظاهرة أمس. جاء ذلك في حين أمر البشير أيضاً بإطلاق سراح جميع الصحافيين الذين اعتُقلوا منذ اندلاع الاحتجاجات، والمقدّر عددهم بـ 18 صحافياً، لكن لم يتضح عدد الصحافيين الذين أُفرج عنهم حتى الآن. تخبّط يتمظهر أيضاً في محاولة البشير التودد إلى الشباب، الذين سبق أن اتهمهم بالعمل لمصلحة «جهات وسفارات»، بالإقرار بأن معظمهم شبان يحوم شبح الفقر فوق رؤوسهم، إذ قال لصحافيين تمت دعوتهم إلى القصر الرئاسي لمناقشة الاحتجاجات إن «معظم المحتجين من الشباب، وهناك ما دفعهم للخروج إلى الشارع، من ضمنها التضخم الذي أدى الى ارتفاع الأسعار»، مقرّاً بأن «فرص التشغيل والوظائف المحدودة لا تتوازن مع عدد الخريجين».
تصريحات البشير، التي تتناقض مع مطالبته «الفئران بالعودة إلى جحورها» ووصفه المتظاهرين بـ«شذاذ الآفاق»، عدّها البعض جزءاً من استراتيجية جديدة لتهدئة موقف الحكومة تجاه المحتجين، بعدما أدلى رئيسها معتز موسى، بتصريحات مشابهة السبت الماضي، حينما وصف مطالب المتظاهرين بأنها «مشروعة»، ليليه وزير الدفاع محمد أحمد بن عوف، الذي اعتبر أن للشباب «طموحاً معقولاً». وعلى رغم أن البشير بات يعترف بأحقية المطالب ذات العلاقة بالأزمة الاقتصادية، إلا أنه ذهب في حديثه عن أسباب تفجر الاحتجاجات بعيداً، بقوله إن غضب الشبان نابع من التطبيق الخاطئ «للقانون بصورة بعيدة عن مقاصد الشريعة الإسلامية».