ثورة 11 فبراير... أُكلَت يوم تلبّستها السعودية

ثورة 11 فبراير... أُكلَت يوم تلبّستها السعودية

أخبار عربية ودولية

الثلاثاء، ١٢ فبراير ٢٠١٩

انقسمت المكوّنات والأحزاب اليمنية حول توصيف الثورة الشعبية التي انطلقت قبل ثماني سنوات لإطاحة نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، بين مؤيد ومعارض. غير أن جميع الشرائح والفئات السياسية والمجتمعية تُجمع على اعتبار ثورة 11 فبراير 2011 محطة تحول بارزة في تاريخ اليمن المعاصر. اللافت أن طرفي الصراع في اليمن اليوم (حركة أنصار الله من جهة وحزب الإصلاح والرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى) كانا من المكونات المؤيدة للثورة، كلّ وفق حساباته ومصالحه وتطلعاته، وقد شاركا معاً في التظاهر والاعتصامات وبقية الاحتجاجات السلمية.
 
 
لقد جرى احتواء الثورة من قِبَل دول الخليج، بمشاركة من واشنطن ولندن. وبدل أن تطيح الثورة الحكم، وتنتج مؤسسات سياسية ودستورية لتحصين سيادة البلد، وإخراجه من الوصاية والهيمنة، وإزالة الأسباب التي أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والانحدار السياسي في البلد، خُطفت من خلال مسارعة دول الخليج إلى التدخل عبر ما سُمّي «المبادرة الخليجية». تجاهلت مخرجات الحوار الوطني، الذي انعقد بناءً على توصية المبادرة الخليجية، معالجة قضيتَي الجنوب وصعدة، وهما قضيتان استنزفتا البلاد لعقدين من الزمن. والأسوأ من ذلك، أنها قسّمت اليمن إلى ستة أقاليم وفق الرؤية الخليجية، من دون أن تلحظ الكثافة السكانية والتوزيع العادل للثروة. ويرى الكثير من المطلعين أن نزوع الشمال إلى الصمود والاستبسال في ردّ العدوان، مردّه التقسيم الجائر للأقاليم، الذي يفصل الفئات السكانية الكبيرة عن الثروات والبحر، وهذا ينطبق أيضاً على المحافظات الجنوبية التي قُسّمت إلى إقليمين عُزلت فيهما الكثافة السكانية عن الثروة. أما الأطراف المتضررة من الثورة، فهي بالإضافة إلى معظم الحراك الجنوبي الذي انخرط في الحرب لمصلحة السعودية والإمارات، «حزب المؤتمر الشعبي العام» الذي يعاني من التشتّت والضياع وسط زحمة الأطماع والأجندات الخارجية والداخلية.
يحيي اليمن الذكرى السنوية الثامنة للثورة الشعبية، التي أُطلق عليها اسم «ثورة الشباب اليمنية»، والتي انضمت معظم الأحزاب إليها، معلنة تأييد التغيير في الإطار الشعبي السلمي. وقد اندلعت الثورة على نظام صالح، الذي تربّع على حكم اليمن 33 سنة، بسبب تردي الأوضاع السياسية والاجتماعية في البلاد، حيث بلغت نسبة البطالة 35%، فيما كان يفتقر 31% من السكان إلى الأمن الغذائي، ويعيش 40% تحت خط الفقر. وقد طالب الثوار، الذين افترشوا الساحات العامة في العاصمة صنعاء والمدن الكبيرة، برحيل النظام، بالإضافة إلى الإصلاح السياسي والدستوري، ومنع توريث الحكم الذي كانت مؤشراته واضحة.
 
استطاع النظام السابق إعادة إنتاج نفسه من دون تغييرات جوهرية
 
لكن المفارقة في ثورة 11 فبراير هي تفكّك المنظومة التي تقاسمت النظام قرابة 33 سنة بين الرئيس السابق الذي كان يتزعم «المؤتمر»، وبين «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان مسلمون)، بانحياز أحد أبرز أعمدة النظام البارزين، الجنرال علي محسن الأحمر، قائد الفرقة الأولى مدرع، الذي شارك في اجتياح الجنوب عام 1994، وقاد الحروب الست على صعدة، إلى جانب الثوار. كذلك، استغلّ «الإصلاح» ثورات الربيع العربي لإسقاطها على ثورة 11 فبراير، وباتت القاهرة (إبّان صعود نجم الإخوان) وجهة قادة الحزب، فيما اعتبرت الرياض أن «الإصلاح» خرج عن التفاهمات التاريخية التي جمعت الطرفين، وعدّت ذلك بمثابة خيانة لتلك التفاهمات. وقد كشفت وثائق «ويكيليكس» أن القيادي البارز في «الإصلاح»، حميد الأحمر، تآمر على شريك والده عبد الله الأحمر في الحكم، علي عبد الله صالح، وتحيّن الفرص أكثر من مرة للانقضاض عليه.
وخشية من تحقيق الثورة أهدافها في تغيير النظام، وإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية، والخروج من الوصاية إلى السيادة، سارعت دول الخليج، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى الالتفاف على الثورة، وإطلاق المبادرة الخليجية، وهي اتفاقية سياسية قضت بمنح الرئيس صالح وأعوانه حصانة من أي ملاحقة قانونية أو أمنية، مقابل نقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، على أن تلي ذلك انتخابات رئاسية في غضون 30 يوماً، ويطلق الرئيس المنتخب حواراً مع المكونات الوطنية من أجل الإعداد لدستور جديد للبلاد.
في 23 نوفمبر 2011، جرى في الرياض التوقيع على خطة للانتقال السياسي. وفي عام 2012، انتُخب هادي رئيساً انتقالياً لليمن باعتباره مرشحاً وحيداً أجمع عليه «المؤتمر» وأحزاب «تكتل اللقاء المشترك»، ومن ضمنها «الإصلاح». والمفارقة الأخرى أنه مرة جديدة استطاع النظام السابق إعادة إنتاج نفسه، من دون أي تغييرات جوهرية في الحكم، باستثناء تغيير شخص صالح، مع الإبقاء على حزبه وكامل منظومته في الحكم، لتتشارك السلطة من جديد مع «الإصلاح»، بعدما تشاركا قبل ثورة 11 فبراير، 33 سنة. وبذلك، يكون النظام الجديد - القديم قد نجح في احتواء «ثورة الشباب»، وأفشل أهدافها، وتسيّد مرة أخرى على البلاد من دون منازع.