الاستراتيجية الإسرائيلية في سورية.. جعجعة بلا طحن!

الاستراتيجية الإسرائيلية في سورية.. جعجعة بلا طحن!

أخبار عربية ودولية

الأحد، ١٧ فبراير ٢٠١٩

على وقع استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتوجّه على رأس وفد عسكري إلى موسكو الخميس المقبل، حذّر الجنرال احتياط عاموس جلعاد، رئيس الهيئة الأمنيّة والسياسيّة السابِق في وزارة الأمن الإسرائيليّة "من فشل الدولة العبريّة في إجبار إيران على التخلي عن خططها في إنشاء وجودٍ عسكريٍّ دائمٍ لها في سوريا، على الرغم من الهجمات التي يُنفذّها الجيش الإسرائيلي في هذا البلد"، وفق زعمه.
 
لا شكّ أن الكيان الإسرائيلي حقّق فشلاً ذريعاً في سوريا، عبر فشل أهدافه الاستراتيجية المتمثّلة بإسقاط الرئيس الأسد ومحاصرة المقاومة، بل تحوّل هذا التهديد إلى فرصة لمحور المقاومة، وبالتالي ارتداد السحر على الساحر.
 
جلعاد الذي تحدّث عن احتمالية تحقيق نجاحاتٍ تكتيكيّةٍ مُحدّدّة، أشار إلى فشل الكيان الإسرائيلي استراتيجياً في تحقيق أهدافه داخل سوريا، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى جملة من النقاط:
 
أوّلاً: يتجاهل الكيان الإسرائيلي أن الحضور العسكري الإيراني في سوريا جاء بطلب رسمي من الدولة السوريّة لمكافحة الإرهاب. وقد بات الإسرائيلي اليوم أمام أزمة كبرى في ظل الواقع الجديد الذي صبّ في مصلحة المقاومة رغم أن الكيان الإسرائيلي هو من أشعل فتيله.
 
ثانياً: هناك سعي واضح من قبل المسؤولين في الكيان الإسرائيلي ولاسيّما مع اقتراب الانتخابات على التباهي بعملياتهم العسكرية على الأراضي السورية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأهداف التي رسمها الجيش الإسرائيلي لهذه العمليات؟ هل حقّقت أهدافها؟
 
العديد من الخبراء الإسرائيليين قد أجابوا على مثل هذه الأسئلة مؤكدين فشل الأهداف، هناك من ذهب بعيداً من المحللين الغربيين ليؤكد أن أي نتيجة تأتي من الصراع السوري ستؤثر على وجود "إسرائيل" في المنطقة، لذلك تورطها في الصراع أمر واضح ومفهوم.
 
ويضيف: "تل أبيب تتمنى أن تخرج إيران وحزب الله من سوريا بالوسائل العسكرية، وأن تضع مكان الرئيس السوري بشار الأسد حليفها، ولكن هذا فقط حلم لا يمكن تحقيقه".
 
ثالثاً: هناك من يراهن على التنافس الإيراني الروسي في سوريا، متجاهلين حجم العلاقات والمصالح المشتركة في بحر قزوين والعديد من الملفات الاستراتيجية.
 
يعلّق جلعاد على مراهنة نتنياهو لشقّ الصف الإيراني السوري في سوريا بالقول: هناك قصة خرافية مفادها أنّ الروس قادرون على إخراج الإيرانيين من سوريّا، وبصفتي شخص صاحب عشرات السنين من الخبرة مع كلا الجانبين، أقول إنّ ذلك ليس صحيحاً.
 
رابعاً: أقصى ما يقدّمه نتنياهو أو أي ضابط إسرائيلي يتحدّث عن الملف السوري هو الضربات التي توجّه للجيش السوري وحلفائه، والسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه: هل غيّرت هذه الغارات شيئاً في المعادلة العسكرية؟ نحيل الباحثين عن الإجابة على هذا السؤال إلى التقارير الاستخبارية الإسرائيلية التي تحدّثت عن تعزيز حلفاء الجيش السوري لحضورهم عسكرياً.
 
خامساً: هناك من يراهن على زيارة نتنياهو المقبلة إلى موسكو برفقة وفد رفيع يضم كلّاً من رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية تامير هيمان، وقائد سلاح الجو عميكام نوركين وضباطٍ آخرين.
 
في الحقيقة، تندرج هذه الزيارة بشقّها الأكبر في إطار الانتخابات الداخلية الإسرائيلية حيث يسعى نتنياهو، وخصوصاً بعد مؤتمر وارسو، ليقدّم نفسه على أنّه المنقذ للإسرائيليين.
 
سيخرج نتنياهو بتصاريح إعلاميّة برّاقة تصلح للاستخدام الداخلي الانتخابي لا أكثر، لكنّها في الحقيقة لن تغيّر شيئاً على أرض الواقع.
 
لطالما وجهّت لحكومة نتنياهو المستقيل وزير حربها، والملاحق رئيس حكومتها قضائياً، اتهامات بمحاولات الهروب إلى الأمام عبر القصف في سوريا.
 
في الختام، يدرك نتنياهو جيّداً أنّه فشل في تحقيق الأهداف الإسرائيلية في سوريا، بدءاً من إسقاط الرئيس الأسد، وليس انتهاءً بإضعاف محور المقاومة في سوريا.
 
وبالتالي، فإن كل الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة بدءاً من تصريحات نتنياهو بقصف سلاح الجو الإسرائيلي لمقرّات عسكرية ومستودعات أسلحة إيرانية في سوريا، مروراً بتصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت لوسائل إعلام إسرائيلية ولصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية حول الأمر ذاته، وليس انتهاءً بزيارة نتنياهو المتكرّرة إلى سوريا هي جعجعة بلا طحن وتحمل أبعاداً سياسية أكثر منها عسكرية يسعى لاستخدامها رئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة، ورئيس أركانه المنتهية ولايته في مسيرته السياسية بعد فترة التبريد التي يكون فيها مجبراً على الابتعاد عن السياسة.
 
يؤكد العديد من المحللين والسياسيين والعسكريين، أن آيزنكوت يهدف من خلال التصريحات حول سوريا وإيران وحزب الله، لتأطير صورة انتصار بعد أربعين عاماً بالخدمة العسكرية، ويسعى لترك بصمات وترسيخ معلومات بالذاكرة الجماعية للإسرائيليين حيال رصيده العسكري.
 
وأما نتنياهو الذي يشغل حالياً منصب وزير الدفاع أيضاً، والذي لطالما طالب وزراءه والقادة العسكريين بالصمت حيال ما ينفذه الجيش، عمد إلى "عراضة" إعلامية تسعى لخطف الأضواء وتوظيف ما يجري في الانتخابات المقبلة.