جامعات تركيا: الطلاب يزيدون والتعليم يتراجع

جامعات تركيا: الطلاب يزيدون والتعليم يتراجع

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ٢٠ فبراير ٢٠١٩

جامعات تركيا: الطلاب يزيدون والتعليم يتراجع

جملة عوامل تؤدي بجامعات تركيا نحو تراجع كبير بعد أن شهدت لسنوات حضوراً مميزاً في التصنيفات العالمية على مستوى جودة التعليم، قبل أن يصبح التطور في التعليم العالي مقتصراً على زيادة عدد الطلاب!
 
إسطنبول | زادت أعداد الطلاب الجامعيين الملتحقين بالجامعات التركية والمتخرجين منها خلال السنوات الأخيرة. وبينما تواكب البنية التحتية تلك الزيادة المطّردة، لا يمكننا قول الشيء نفسه عن جودة التعليم فيها. تشير الأرقام إلى أن الزيادة في أعداد الطلاب والقدرات الأكاديمية ارتفعت 10 أضعاف خلال العقد الماضي فقط. في 1979، لم يكن هناك سوى 12 جامعة في تركيا، بينما عددها الآن نحو 203. عام 1980، ومن بين 467 ألف طالب شاركوا في امتحانات القبول، لم يتمكن سوى 42 ألفاً منهم من الالتحاق، أي ما نسبته 9% فقط، في حين أنه في 2018 تقدم نحو 1.7 مليون طالب إلى امتحانات القبول، والتحق فعلياً نحو 710 آلاف طالب، أي ما نسبته 40٪ من المتقدمين.
 
 
وفقاً لبيانات 2018، يوجد في تركيا 455 ألف طالب جامعي بدرجة البكالوريوس، و95 ألف طالب دراسات عليا. وفي 2018 أيضاً، أحصت الأرقام نحو 25 ألف أستاذ جامعي، و15 ألف أستاذ مشارك، و37520 أستاذاً مساعداً في الجامعات التركية. وعندما يضاف إليهم الباحثون المساعدون، نخرج بمحصلة إحصائية لنحو 160 ألف أكاديمي يعملون في مجالات التدريس كافة. مع ذلك، من بين 86 ألف منصب متاح لأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات الخاصة في 2018، شُغل 62 ألف مقعد فقط، أي ما نسبته 72%. أما قبل عامين، فكانت هذه الجامعات قادرة على ملء 90% من الوظائف المتاحة لديها.
في السنوات الأخيرة، شملت تصنيفات الجامعات العالمية باستمرار نحو ثماني جامعات تركية من بين أفضل 500 جامعة في العالم، كان منها: «كوتش»، «بيكنت»، «بوغازيتش»، «ميدل ليست تكنيكال»، «صابنجي»، «إسطنبول تكنيك»، لكن اثنتين فقط أُدرجتا على قائمة 2019 الجديدة لأفضل 500 جامعة في العالم، هما «كوتش» و«بيكنت»، ما يدل على تدهور في الترتيب العالمي. لا توجد قاعدة بيانات موثوقة وموضوعية لترتيب جودة الجامعات في البلاد، ولا يشارك «المجلس الرسمي للتعليم العالي» (YOK)، الذي يجمع البيانات بانتظام حول الجامعات التركية هذه المعلومات مع الجمهور، كما يمتنع عن إجابة الصحافيين.
يرى أستاذ أساليب التدريس في جامعة أنقرة، متين أوزلاق، هذا الأمر «عيباً كبيراً»، إذ بدلاً من المعلومات الموضوعية عن الأداء الأكاديمي للجامعات التركية يتعين على المهتمين الاعتماد على الإعلانات التلفزيونية واللوحات الإعلانية العملاقة والأساليب التسويقية لمعرفة ترتيب الجامعات وطبيعة مخرجاتها التدريسية والبحثية. مع ذلك، أشار تقرير أعده إرهان إركوت، الأستاذ في جامعة «MEF» في إسطنبول، إلى تراجع في جودة التعليم، وربط إركوت سبب انحدار الجودة بسياسات الحكومة المتمثلة في «جامعة لكل مدينة»، و«الربح الجذاب الذي سيتحقق من التعليم الجامعي والدراسات العليا والتعليم الجامعي الخاص، ما يحول هذه الجامعات إلى شركات ربحية مكتملة».
 
جامعتان فقط على قائمة 2019 الجديدة لأفضل 500 جامعة في العالم
 
في السنوات الأخيرة، ركزت الشركات الكبرى على الاستثمار في ما بات يعرف بـ«الجامعات الفندقية» التي يبلغ عدد الطلاب فيها ما بين 10 آلاف و15 ألفاً. وفق إركوت، يسعى العديد من رجال الأعمال للحصول على «البريق» الذي يتأتّى من افتتاح جامعة كبيرة! لكن أول إشارة خطر ظهرت أمام هذه الاستثمارات في الجامعات جاءت في 2018، عندما انخفض معدل الالتحاق بالجامعات الخاصة (تبلغ تكلفتها نحو 4 آلاف إلى 10 آلاف دولار سنوياً) بشكل كبير للمرة الأولى. وبينما انخفض معدل الالتحاق بالجامعات الحكومية المجانية العام الماضي إلى 85%، عما كان عليه قبل تسع سنوات فقط، انخفض معدل الالتحاق بالجامعات الخاصة إلى 73%، عمّا كان عليه في السابق. وهو ما يدلّ على أن العديد من الطلاب يكونون أكثر انتقائية ولا ينتسبون إلى المؤسسات الخاصة الأكثر تكلفة.
في هذا السياق، تلفت بينار إلديمير، وهي طالبة دكتوراه وزميلة الأبحاث في شركة «Episteme Academic Consultancy» في إسطنبول، إلى أن مسألة الجودة مهمة في الجامعات التركية، فـ«بالنسبة إلى المرشح الأكاديمي الشاب، أكبر مشكلة هي التوظيف». وتقول لـ«الأخبار»: «نواجه مشكلات خطيرة في إيجاد موارد مالية لدعم دراساتنا العليا وأبحاثنا العلمية. علينا تسديد الائتمان الذي تقدمه الدولة». إلديمير تشكو من أنها وأمثالها من الباحثين يحتاجون إلى أكثر من الكفاءة الأكاديمية لإيجاد وظائف كباحثين. فللحصول على تعيين في مكان وظيفي تحتاج إلى نوع من الاتصالات أو العلاقات التي تندرج تحت نوع من المحسوبية. ثانياً، حتى إذا وجدت وظيفة، فأنت ملزم بتوفير خدمات تتعدى نطاق التدريس والبحث، أو كما وصفته بينار «نوع من التوظيف بمسمى كاتب». 
يقول أكاديمي آخر من الشركة نفسها إن المشكلة الحقيقية في الجامعات هي على مستوى الدكتوراه على نحو رئيسي. ويضيف الأكاديمي الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه: «نحن في الغالب نحصل على طلبات لكتابة أطروحات ومقالات أكاديمية لرؤسائنا. إن كتابة أطروحات ومقالات أكاديمية لشخص آخر أصبح قطاعاً مربحاً في تركيا، وعلى رغم أننا نرفض مثل هذه المطالب بشدة، فإنها مستمرة في التدفق علينا، وإن لم ننفذها قد نحرم وظائفنا».
كذلك، يبدو أن العديد من الطلاب على مستوى الدكتوراه لا يتلقون التوجيه الذي يحتاجونه من المستشارين الأكاديميين. ففي حديث إلى «الأخبار»، تلخص البروفيسورة أوزلم أوندر، وهي عميدة كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة إيجة العريقة، الوضع الأكاديمي بالقول: «يمكن إلقاء اللوم بشأن الانخفاض في الجودة الأكاديمية التركية على العديد من العوامل، فبالإضافة إلى نزف الأدمغة وعمليات التطهير الأكاديمي التي حدثت منذ الانقلاب الفاشل في 2016، شهدت الجامعات أيضاً نقصاً خطيراً في حرية الرأي والتعبير، وسيطرة على جميع أقسامها من المجلس الرسمي (YOK) بمفرده، وهو يمثل هيئة حكومية معينة بالكامل دون أي مشاركة من الأكاديميين في اختيار ممثليهم أو خضوع المعينين لمعايير محددة». 
تضيف أوندر: «ثمة أيضاً الجامعات الخاصة التي تركز على الأرباح تعتمد على الأكاديميين الذين لم يتدربوا بشكل كافٍ لشغل مقاعدهم، والعبء الثقيل من العمل يتحمله الأكاديميون الشباب الذين تنقصهم الخبرة... أيضاً للأسف، عندما توظف الجامعات طاقمها الأكاديمي، فإن العلاقات تتغلب دائماً على الجدارة».