مذبحة نيوزيلندا: إرهاب فردي أم تجليّات الإسلام فوبيا؟

مذبحة نيوزيلندا: إرهاب فردي أم تجليّات الإسلام فوبيا؟

أخبار عربية ودولية

السبت، ١٦ مارس ٢٠١٩

 بدم بارد وعنصريّة مقيتة ضد الإسلام والمسلمين، نفّذ المجرم الأسترالي برينتون تارانت مذبحة ضد المصلين خلال صلاة الجمعة في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش بنيوزيلندا.
لا شكّ أن هذا الهجوم الإرهابي الذيّ يعدّ انعكاساً لحملات التحريض والكراهية الممنهجة ضد الإسلام والمسلمين، لا يمثّل منفّذه فحسب، بل يمثّل تياراً متطرّفاً يتغذّى بشكل رئيسي من وسائل الإعلام الغربية التي تعمد على نشر "الإسلام فوبيا" بشكل كبير وتحميل المسلمين جميعاً، والإسلام كدين، تبعات أي حادث إرهابي رغم أن عدد الضحايا المسلمين جرّاء الهجمات الإرهابية التي تنفّذها الجماعات التكفيرية يفوق بأضعاف مضاعفة حجم الضحايا غير المسلمين الذي وقعوا في هجمات الجماعات ذاتها.
قد يسعى البعض اليوم لتحميل المسيحية تبعات هذا الأمر، كون المجرم مسيحي، وهو أمر خاطئ، فالإرهاب لا دين له، وكما أن الديانة المسيحية لا تتحمّل تبعات هذا الحادث، فإن الإسلام أيضاً لا يتحمّل تبعات أي حادث إرهابي يحصل.
يعدّ هذا الهجوم الإرهابي والعنصري على المصلين في نیوزیلندا، عملاً وحشياً وشنيعاً قد آلم قلوب جميع المسلمين والأحرار في العالم، ككل الأحداث الإرهابية التي تطول الأبرياء، ولعلّ العبارات العنصرية والتحريضية ضد المسلمين التي كتبها ذئب نيوزيلندا على سلاح الجريمة تشير لأيديولوجية عنصرية تلتقي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالعداء للمسلمين والمهاجرين، وهو الذي تجاهل المسلمين كما العديد من المسؤولين الغربيّين في تعازيه، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: لا تكفي ملاحقة السلطات النيوزيلندية للمخططين والمنفذين لهذا العمل الإرهابي، بل لا بدّ من اتخاذ الخطوات الكفيلة بعدم تكرار ما حصل.
وبالتالي لا بدّ للدول الغربية من الكفّ عن الخداع والنفاق في دعم "الإسلاموفوبیا" باسم الحرية، والعمل على معاقبة الترويج للعنصرية، وكل من يحاول تحميل حوالي مليار ونصف مسلم بشكل جماعي اللوم عن أي عمل إرهابي.
ثانياً: لو أنّ الفاعل كان مسلماً لقامت الدنيا ولم تقعد كما حصل في العديد من الحوادث السابقة في فرنسا وبلجيكا وغيرها.
تكفي ملاحظة أحداث العنف التي تحصل في واشنطن لمشاهدة هذه الازدواجيّة في المعايير، فمع وقوع أي حادث إرهابي وقبل أن تتّضح معالمه تتصدر عبارات الكراهية ضدّ الإسلام، وتحميل بعض من الصحافة الأمريكية الإسلام كدين لهذا الحادث، ويبدأ البعض بالأحاديث عن "عمل إرهابي" أي القصد من هذه الكلمة هو أن مسلماً من نفّذ هذا الهجوم، ولكن بعد أن يتّضح لاحقاً أن المنفّذ هو مسلّح أمريكي تحذف عبارة الإرهاب من الشاشات وكأن شيئاً لم يكن.
ثالثاً: هناك احتمال لأن تتكرّر مثل هذه الهجمات الإرهابيّة حيث يشكّل هذه الهجوم الإرهابي مؤشراً خطيراً على النتائج الوخيمة التي قد تترتب على انتشار ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في العديد من الدول الأوروبية وتصاعد خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب لاسيّما المسلمين، بعبارة أدقّ، لا بدّ للحكومات الغربية وفي مقدّمتها أمريكا الكفّ عن النفخ في خطابات الكراهيّة والعمل على التصدّي الشامل لمثل هذه الأفعال تجاه الأديان والقوميات، وفي مقدّمتها ظاهرة "الإسلاموفوبیا" الرائجة في الغرب والتي تنامت بشكل غير مسبوق بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
رابعاً: إن ما حصل اليوم هو أحدث مثال على تصاعد العنصرية ومعاداة الإسلام، لقد قتلت التغطية الخبرية غير المهنية واللا إنسانية لهذه الجريمة الإرهابية من قبل بعض الوسائل الغربية ضحايا الهجوم مرّة ثانيّة، وبالتالي ليس فقط من ارتكب هذه الجرائم البشعة بل أيضاً يتحمّل الساسة ووسائل الإعلام الذين يغذوّن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" القدر نفسه من المسؤولية عن هذا الهجوم الإرهابي.
خامساً: إن مثل هذه الأحداث تفرض على المسلمين الوحدة والتقارب أكثر فأكثر، والعمل على تشكيل لجنة مشتركة من قبل الأجهزة السياسية الخارجية للدول الإسلامية بغية مواجهة مثل هذه الأحداث الشنيعة.
لا بدّ من ردّ فعل جاد تجاه هذه الجرائم وهذا الأمر يتطلب أيضاً تعاوناً استخباراتياً بين الدول الإسلاميّة لفضح الحماة السريين والعلنيين لمثل هذه الممارسات.
سادساً: اللافت أن الكيان الإسرائيلي والديانة اليهودية تبقى بعيدة عن المشهد، بل إنّ أي كلمة تصدر تجاه أي تصرف إرهابي إسرائيلي يتمّ وضعها في خانة معاداة الساميّة.
إن الازدواجيّة الغربية التي نشاهدها اليوم في حادث نيوزيلندا، تحدث بشكل يومي في فلسطين المحتلّة حيث يعمد المتطرّفون الإسرائيليون إلى إهانة المقدّسات الإسلاميّة وهدر دماء المسلمين دون أن تحرّك الديمقراطيات الغربية ساكناً.
عوداً على بدء، لا شكّ أن للساسة الغربيين ووسائل الإعلام الدور الرئيسي فيما حصل في نيوزيلندا، وبالتالي لا بدّ للدول الإسلامية من العمل على سنّ قوانين تجرّم التعرض للإسلام، في الشرق والغرب، حتى تسود القيم الدينية التي تدعو إلى التسامح والحوار ونبذ التطرّف، فالإرهاب لا دين له.
في الختام، تعرب أسرة الوقت عن مواساتها لأسر الضحايا، وتقدّم العزاء لجميع المسلمين والأحرار في هذا العالم، سائلين الباري أن يمنّ على الشهداء بالرحمة وعلى الجرحى بالشفاء العاجل، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان.