استقالة رئيس «الدستوري»: خطوة أولى نحو حلّ توافقي في الجزائر

استقالة رئيس «الدستوري»: خطوة أولى نحو حلّ توافقي في الجزائر

أخبار عربية ودولية

الأربعاء، ١٧ أبريل ٢٠١٩

بدأت تلوح في أفق الأزمة الجزائرية بوادر حل، بعد إعلان رئيس المجلس الدستوري استقالته أمس، تاركاً المجال لإمكانية تعويضه بشخصية توافقية قد تؤول إليها شؤون تسيير البلاد، في وقت شدد فيه رئيس أركان الجيش على تمسكه بالدستور وانفتاحه على المخارج الممكنة
 سقط أحد «الباءات الثلاثة» كما يسميهم الشارع الجزائري نسبة إلى الأحرف الأولى من ألقابهم، بعدما طالب المتظاهرون الجزائريون برحيلهم يومَي الجمعة الماضيين، في مسيرات حاشدة جابت كل محافظات البلاد. ويتعلق الأمر برئيس المجلس الدستوري، الطيب بلعيز، أحد أبرز رموز عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي اشتهر بولائه المطلق له، ما بوّأه مناصب كثيرة حساسة في الدولة ـــ منذ مجيء بوتفليقة إلى الحكم عام 1999 ـــ بعدما كان مجرد قاضٍ مغمور.
وبرحيل بلعيز من المجلس الدستوري، تُفتح الأبواب أمام إمكانية إيجاد مخارج للأزمة السياسية المستفحلة منذ بدء الحراك الشعبي في 22 شباط/ فبراير، والتي لم تزدها استقالة بوتفليقة في الثاني من نيسان/ أبريل إلا تعقيداً؛ ذلك أن المنصب الذي كان يحتله بلعيز يُعَدّ شديد الحساسية، لكون رئاسة الدولة في حال شغور المنصب تؤول إليه آلياً إن تعذَّر على رئيس مجلس الأمة تولي المهمة لأي سبب كان. ومن المعروف أن رئيس مجلس الأمة السابق، عبد القادر بن صالح، الذي عُيِّن رئيساً مؤقتاً للدولة طبقاً لما تنص عليه المادة 102 من الدستور، شخصية تلقى رفضاً واسعاً، وهو أول الملقبين بـ«الباءات» التي يطالب الحراك الشعبي برحيلها. غير أن استقالة الرئيس المؤقت، مع بقاء بلعيز لخلافته، كانت ستعيد الأمور إلى النقطة الصفر، ما يجعل ذهابهما معاً ضرورياً لأيّ ترتيب جديد في إطار الدستور.
وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن نشطاء سياسيين وقانونيين عرضوا على القيادة العليا للجيش في الأسبوعين الأخيرين، عبر وسطاء، فكرة حل توافقي مبني على ما تتيحه المادة 102 من الدستور. واقترح هؤلاء استقالة رئيس المجلس الدستوري، ثم فتح نقاش على مستوى الأحزاب والحراك الشعبي، بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية، للتوافق على شخصية وطنية بإمكانها ترؤس المجلس، على أن يقوم رئيس الدولة الحالي، بعد تعيين رئيس جديد لـ«الدستوري»، بتقديم استقالته، وهو ما سيفضي تلقائياً إلى تبوّء هذه الشخصية الوطنية مهمات رئيس الدولة، ليتم بذلك تجاوز هذا الانسداد السياسي. ويُقابل ذلك المخرج، الذي يُحافظ شكلياً على الدستور، اقتراحٌ آخر يطرحه أيضاً نشطاء بارزون على غرار المحامي مصطفى بوشاشي، يدعو مباشرة إلى تجاوز إجراءات المادة 102 الشديدة التعقيد، والاكتفاء بالمادة 7 من الدستور، التي تنص على أن الشعب هو مصدر السلطات، من أجل تأسيس مجلس رئاسي يقوم مقام رئيس الدولة، من أجل تسيير فترة انتقالية بين 6 أشهر وسنة، يجري فيها ترتيب القوانين والآليات الضرورية للذهاب إلى انتخابات رئاسية تعطي الجزائريين حرية اختيار رئيسهم لأول مرة في تاريخهم، من دون تدخل أي طرف من النظام السياسي.
ويبدو من خلال التطورات الأخيرة، أن الحل الأول هو الأكثر حظاً للتفعيل، خصوصاً أن تصريحات رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، تشير إلى أنه يميل إلى هذا الحل، إذ يردد في كل مرة أنه يرفض وضع البلاد في حالة الفراغ الدستوري. وجدد الرجل القوي في النظام الجزائري هذا التأكيد في خطابه الأخير، أمس، في الناحية العسكرية الرابعة في الجنوب الشرقي للبلاد، إذ قال: «إننا كقيادة عليا للجيش، وأمام المسؤولية التاريخية التي نتحملها، نحترم بشكل كامل أحكام الدستور لتسيير المرحلة الانتقالية». وترك قايد صالح نافذة لإمكانية التجاوب مع بعض المطالب السياسية التي لا تضمنها إجراءات الدستور الحالي، بالقول: «أود أن أعيد التأكيد أن كافة الآفاق الممكنة تبقى مفتوحة في سبيل التغلب على مختلف الصعوبات، وإيجاد حل للأزمة في أقرب الأوقات، بما يخدم المصلحة العليا للوطن، بغضّ النظر عن مصلحة الأشخاص».
ومن بين التعقيدات التي قد تُصادف رئيس الدولة الجديد، في حال التوصل إلى شخصية توافقية، أنه لا يستطيع تغيير الحكومة بنص المادة 104 من الدستور، فيما يُطالب الحراك الشعبي وأحزاب المعارضة، بشكل واضح، بتعيين حكومة تكنوقراطية يُعهد إليها تصريف أعمال الدولة. كذلك فإن الدستور يفرض عليه تنظيم انتخابات رئاسية في ظرف 3 أشهر، وهي مدة لا تسمح بتغيير قانون الانتخابات، وإنشاء هيئة مستقلة لتنظيمها، فضلاً عن أن الدستور الحالي لا يتيح الصلاحيات الكافية لرئيس الدولة من أجل فتح كل هذه الورشات. لذلك، كان ردّ فعل أبرز وجوه المعارضة وأحزابها مُرحبة جزئياً باستقالة رئيس المجلس الدستوري، على غرار المرشح السابق للرئاسيات علي بن فليس، وحركة «مجتمع السلم» أكبر حزب معارض في البرلمان، و«جبهة القوى الاشتراكية» أقدم حزب معارض في البلاد.
لكن في المقابل، ثمة من يرفض كلياً اعتماد «الحل الدستوري»، حتى وإن استُبِق باختيار شخصية توافقية. ومن أنصار هذا الرأي، تبرز زعيمة حزب «العمال»، لويزة حنون، التي أكدت أن الحل الوحيد للأزمة هو انتخاب مجلس تأسيسي يعيد السلطة إلى الشعب. وقالت إنها ترفض الذهاب إلى انتخابات على أساس المادة 102 من الدستور، كذلك فإنها ترفض في الوقت ذاته أي اختيار لشخصية توافقية أو مجلس رئاسي. ويذهب حزب «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» إلى حدّ المطالبة برحيل رئيس أركان الجيش، الذي يتوجس كثيراً من أصحاب هذا الرأي من طموحات رئاسية مبطنة عنده، وهو اتهام يبدو أن الأخير ردّ عليه بشكل غير مباشر عندما قال في خطاب أمس: «لا طموح لنا سوى حماية الوطن، وبسط نعمة الأمن والاستقرار، والحفاظ على سمعة البلاد».