إسرائيل تكابر... وغزّة تقاوم

إسرائيل تكابر... وغزّة تقاوم

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٣١ يوليو ٢٠١٤

هي هستيريا السفاح المأزوم. سلوك قاتل في حال من انعدام الخيارات. قصف خبط عشواء، لم يستثن المساجد ولا المدارس، لعل في العالم من يتدخل لوقف النار، بالشروط الإسرائيلية، في مقابل مقاومة تتجلى في أدائها الاحترافي دفاعاً عن شعب وذوداً عن دماء روت تراب القطاع من شماله إلى جنوبه
لعل ملامح وجوه قادة الاحتلال أبلغ تعبير عن حال إسرائيل بعد 24 يوماً على العدوان وأكثر من 1360 شهيداً و7600 جريح. حال من انعدام الخيارات، معطوفاً على رغبة في استدراج تدخل خارجي يفرض وقفاً لإطلاق النار بالحد الأدنى من مطالب الاحتلال، وفي ظل انقسام وتخبط بين المستويين العسكري والسياسي في إسرائيل يحركه الخوف من لجان تحقيق بدأ الجميع يستعد للمثول أمامها.
في المقابل، تبدو المقاومة الفلسطينية ثابتة العزم، بدليل كلمة محمد الضيف وشرائط الفيديو للعمليات النوعية، وقدرتها على إبقاء نحو خمسة ملايين إسرائيلي في الملاجئ، في ظل تأكيدات لقدرتها على المضي بتلك الحرب حتى النهاية.
بل بات واضحاً، بعد استنفاد الاحتلال كل وسائله للتكتيم على خسائره، أن بيانات المقاومة كانت الأكثر دقة، بعد اعتراف تل أبيب بسقوط نحو 60 قتيلاً في صفوف جنودها ومئات الجرحى.
وبين هذا وذاك، لا تزال مصر مصرة على موقفها المتعنت ورفضها إدخال أي تعديلات في مبادرتها التي يجمع المعنيون على أنها لا تلبي الحد الأدنى من مطالب المقاومة، بل تتنكر لدماء كل الشهداء والجرحى الذين سقطوا في العدوان. أكثر من ذلك، لا تزال متمسكة على بقاء معبر رفح مغلقاً أمام المساعدات، وآخرها 21 مستشفى ميدانياً عرضت إيران إقامتها فوراً إن سمحت القاهرة، وأكثر من 70 جريحاً ينتظرون إذناً مصرياً لهبوط طائرات إيرانية من أجل نقلهم للعلاج في الجمهورية الإسلامية. بل حتى ترفض استقبال أي وفد من فصائل المقاومة ما لم تقبل مسبقاً مبادرتها. فكل الكلام الذي صدر في وسائل الإعلام عن وفد فصائلي كان من المفترض أن يتوجه إلى القاهرة لبحث تعديل المبادرة «عار من الصحة»، وفق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، موسى أبو مرزوق.

إسرائيل مأزومة
لم يعد الحديث عن استنفاد العملية العسكرية الاسرائيلية ضد قطاع غزة، بصيغتها الحالية، مجرد تقدير نظري، بل واقعاً يجد ترجمته في طيات مواقف المسؤولين الإسرائيليين صراحة وضمناً، وتشي به جلسات المجلس الوزاري المصغر الذي يواصل البحث عن الخيارات البديلة.
هذا الاستنفاد انعكس مراوحة ميدانية كادت أن تكون أقل كلفة لولا تحول جنود جيش الاحتلال إلى أهداف لرجال المقاومة. الحشد العسكري كان يهدف إلى توجيه رسالة مزدوجة، باتجاه الاستعداد العملاني الفعلي لعملية برية واسعة، مفترضة، وبهدف التهويل على المقاومة وبيئتها الحاضنة من أجل دفعها إلى التنازل عن السقف الذي رفعته كمخرج وحيد لإنهاء القتال. وهكذا، بدلاً من أن تكون الحشود العسكرية عنصر قوة للموقف الإسرائيلي، تحولت الى عبء على صانع القرار، خاصة أن التردد المتواصل للمستوى السياسي عن اتخاذ قرار حاسم بات يعزز التقديرات في غزة حول حجم المخاوف الحاضرة على الطاولة في تل أبيب.
في ضوء ما تقدم، باتت مشكلة القيادة الإسرائيلية، بشقيها السياسي والعسكري، أكثر تفاقماً، بفعل حقيقة أن الخيارات البديلة للمراوحة تنطوي على أثمان باهظة في الحد الادنى، ليست أقل من الاثمان الميدانية التي يدفعها الجيش. اذ بات واضحاً لدى القيادة أن التوغل عميقاً في غزة، سيؤدي إلى أثمان أكثر إيلاماً. أيضاً، لجهة الانسحاب من طرف واحد، لن ينهي المشكلة بل سيقدم صورة الجيش الذي فرّ أمام رجال المقاومة، في حال استمرار هؤلاء بمطاردته، وهذا ما سيحدث إن لم تلبّ مطالب الشعب الفسطيني في قطاع غزة. هذا الواقع الميداني المأزوم، أجبر المجلس الوزاري المصغر في جلسته أمس على استنساخ قرارات سابقة، لكن بتعبيرات وصيغ متجددة.
من جهة أخرى، يفرض هذا الواقع بالضرورة البحث الحثيث عن سبل للخروج من هذا المأزق. ولما كان الميدان لا يلبي هذه الاولوية، بات المخرج السياسي أكثر الحاحاً. وعليه بات تعذر بلورة صيغة تحظى برضى اطراف الصراع هو السبب الأساسي لاستمرار المواجهة.

توتر مع واشنطن
الارتباك الاسرائيلي، بفعل ضيق الخيارات وكلفتها المؤلمة، رفع مستوى القلق في واشنطن. ودفع الأميركي بكل صراحة، وعبر رسائل من وراء البحار، إلى التشديد مرة تلو الأخرى على ضرورة وقف النار، ولو وفق آليات وصيغ قد لا تتلاءم مع الطموح الإسرائيلي. وطبعت الايام القليلة الماضية تصريحات وتسريبات إعلامية، نفي بعضها، تارة عن رفض بنيامين نتنياهو طلب باراك أوباما وقفاً فورياً لإطلاق النار، وطوراً عن استياء إسرائيلي من مبادرة جون كيري ومن سخريته من العدوان الإسرائيلي على غزة.
وكان لافتاً تسريب من صحيفة «هآرتس» عن أن وزارة الخارجية الاسرائيلية أوصت نتنياهو بالمبادرة الى صياغة مشروع قرار في اطار مجلس الامن الدولي لإنهاء العدوان على قطاع غزة. ونقلت عن مسؤول اسرائيلي أن «وزارة الخارجية تعتقد ان مثل هذه الخطوة ستسمح بدفع المصالح الاسرائيلية مثل نزع القطاع من السلاح واعادة الوجود لممثلي السلطة الفلسطينية في القطاع. كما تظن أن مثل هذه الخطوة ستقلل مدى الشرعية الدولية التي قد تنالها حماس».

وساطة تركية
إلى ذلك، كشفت الإذاعة العبرية النقاب عن وصول مبعوث تركي خاص إلى إسرائيل نيابة عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، وذلك للسير قدماً في مفاوضات وقف النار، في وقت أكد فيه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو «أن حماس وكلت السلطة الفلسطينية بالمفاوضات نيابةً عنها»، مشيراً إلى أن الثقة هي التي تحكم العلاقة بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل.
وأضاف داود أوغلو: «نجري اتصالات مستمرة مع وزيري الخارجية الأميركي جون كيري، والقطري خالد بن محمد العطية، وعرضنا أخيراً هدنة لمدة ٢٤ ساعة على الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه رفض، ونعمل الآن على هدنة جديدة لمدة ٢٤ ساعة أيضاً، وننتظر اتخاذ الإسرائيلي خطوات جدية بهذا الشأن».
جاء ذلك في وقت أعلنت فيه الرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحث مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني «سبل ووسائل تحرك عربي مشترك أكثر كثافة بهدف حمل المجتمع الدولي على الحصول على وقف عاجل للعدوان الإسرائيلي في غزة إضافة الى تضامن عربي أكبر للشعب الفلسطيني في غزة».