الحرب الإستخباراتية في غزة.. تذلُّ «إسرائيل»

الحرب الإستخباراتية في غزة.. تذلُّ «إسرائيل»

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢١ أغسطس ٢٠١٤

 لم تكن المقاومة الفلسطينية راضيةً عن سير المفاوضات بين الوفد الفلسطيني والوفد الصهيوني في القاهرة. لم تكن راضيةً عن مسار التهدئة أصلاً، ولا عن الحل السياسي بما يحمله من وجوب التنازل بحكم أنه "سياسي". لا مكان للتنازل أصلاً، وإن وجد سابقاً، فاليوم ليس موعده، المقاومة الفلسطينية هي التي تحدد المسار في الحرب والهدنة اليوم، فيما العدو الصهيوني يرجو التهدئة، وهذا كافٍ لإذلاله.
ما حصل بالأمس كان خليطاً من خبثٍ صهيونيٍ معهود ومبيت، ونجاح إستخباراتي وسياسي للمقاومة الفلسطينية، أما النتيجة فكانت 90% لصالح المقاومة الفلسطينية إذا ما اخترنا أن نضع استشهاد إبن القائد العسكري لكتائب "القسام" محمد الضيف وزوجته في خانة الخسائر، على الرغم من أنّ هذا النموذج من رجال المقاومة يحتسب الشهادة انتصاراً، وعليه فإنّ النتيجة تصبح 100% لصالح المقاومة.
تنقل مصادر "غزاوية" عن مسؤولٍ عسكريٍ في إحدى فصائل المقاومة بغزة، أنّ الأيام الماضية قد شهدت حرباً استخباراتيةً ضخمةً ما بين فصائل المقاومة، وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام، وبين أجهزة العدو الصهيوني التي سعت جاهدةً من أجل تعقّب واستهداف شخصيةٍ عسكريةٍ لها حيثيتها الخاصة بالنسبة للفلسطينين ومقاومتهم، وذلك من أجل تحقيق إنجازٍ معنويٍ يقدم للداخل الصهيوني تعويضاً عن الخسائر الهائلة التي مني بها الكيان في عدوانه على غزة. وتضيف المصادر أنّ العدو وضع على بنك أهدافه أكثر من شخصيةٍ عسكريةٍ قياديةٍ تابعةٍ لأكثر من فصيلٍ مقاوم، على رأسها القائد العسكري لكتائب القسام محمد الضيف.
هناك عدة فرضياتٍ تفسر ما جرى بالأمس، تقول المصادر، بعد أن رفض المسؤول العسكري الكشف عما حصل تحديداً، لكن الشائع في غزة عدّة سيناريوهات، كلها تشير إلى إنجازٍ إستخباراتي للمقاومة الفلسطينية. الفرضية الأولى تقول "إنّ الضيف كان متواجداً في المنزل الذي تم قصفه وقد استطاعت المقاومة الفلسطينية رصد انطلاق الطائرات باتجاه غزة بشكلٍ مفاجئ بعد فترةٍ قصيرةٍ من إعلان العدو عن انطلاق صواريخ باتجاه بئر السبع، ما دفع مسؤولي الحماية مع "الضيف" الى تغيير مكان تواجده تجنباً لأية عملية رصدٍ كان العدو قد قام بها، خاصة وأنّ ادّعاء إطلاق الصواريخ من غزة كاذب".
الفرضية الثانية تشير الى "أنّ الضيف لم يكن في المنزل أصلاً إنما تمّ رصد زوجته هناك عبر عملاء لـ"إسرائيل"، أفادوا عن وجود الضيف وعائلته، وعلى هذا الأساس تمّ قصف المنزل". أما الفرضية الثالثة فتقوم على "عملية خداعٍ إستخباراتيةٍ قد قامت بها المقاومة وذلك بعد تعقّب العدو لإتصالٍ بين الضيف وعائلته استوضح العدو خلالها أنّ الضيف متواجدٌ في ذاك المنزل، ما دفع العدو الى شن غاراتٍ سريعةٍ وقويةٍ على المكان، إلا أنّ الضيف لم يتوجه الى هناك، ولسرعة العملية لم يستطع المقاومون إخلاء المنزل من المدنيين وعائلة الضيف".
كل الفرضيات منطقية ومقبولة، على الرغم من أنّ الأولى هي الأكثر إقناعاً لو عدنا الى تهديد كتائب القسام للعدو بأن يكشف سبب قصفه، واعتماداً على كلام "ياكوف بيري" وزير العلوم الإسرائيلي ورئيس الأمن السابق، الذي قال لإذاعة جيش العدو "لدي قناعة بأنه لو كانت معلومات المخابرات تشير إلى أنّ محمد الضيف لم يكن في الداخل لما قصفنا المنزل". إلا أنّ الأهم، هو طريقة استثمار المقاومة الفلسطينية للخطأ والفشل الإسرائيلي في عمليته الأخيرة (وإنجازها الإستخباراتي)، لتوظّفه سريعاً في سبيل هدفها الحالي، أي الإستفادة من الرغبة الصهيونية في إيقاف الحرب الخاسرة التي يخوضها، من أجل إذلاله.
كان واضحاً مراد كتائب القسام، إن من خلال البيان السابق الذي تلى عملية القصف، أو من خلال خطاب اليوم الذي زعزع أمن الكيان الصهيوني من أقصى شمال الأراضي المحتلة وحتى "غلاف غزة". أولاً، إظهار خطورة هذا العدو وتربصه الدائم بالفلسطينيين وبالمقاومة، حتى ولو كان ذلك خلال هدنةٍ أو إتفاق، وقد نجحت في ذلك. ثانياً، القضاء على مفاوضاتٍ تتجه لتحمل تنازلاً فلسطينياً لم تقم المقاومة بإنجاز ما أنجزته من أجل ذلك، وهذا أيضاً ما حصل عبر دعوة القسام للوفد الفلسطيني مغادرة القاهرة. أما الأهم من كل ذلك، فهو تكبيد العدو مزيداً من الخسائر وتحميل حكومته وأجهزة أمنه وجيشه مزيداً من الفشل والترنح، وزعزعة ثقة الجمهور الإسرائيلي بقيادتهم، وإيصال فكرةٍ واضحةٍ مفادها أنّ الزمن قد تغيّر واليوم ليس زمن الإنتصارات فقط، بل إنه زمن الإذلال.
وهل من إذلالٍ أكبر من أن تفرض المقاومة الفلسطينية حظر تجولٍ في الأراضي المحتلة دون قدرةٍ للعدو على المواجهة؟ وأن يُحاصر مطار بن غوريون بخطابٍ واحدٍ موجهٍ للشركات العالمية؟ هل من إذلالٍ أكبر من أن يكون فكّ حظر التجول والحصار وإيقاف الصواريخ، عائداً لأمر "الضيف" الذي من المفترض أن يكون الضحية بالأمس؟ لا إذلال أكبر من ذلك إلا يوم تشييع الكيان الغاصب وإنهاء الإحتلال.. نعش "إسرائيل" يتلقى آخر المسامير.