التفاهم الإيراني ـ الأميركي يتوسع ليشمل سورية

التفاهم الإيراني ـ الأميركي يتوسع ليشمل سورية

أخبار عربية ودولية

الخميس، ٢٨ أغسطس ٢٠١٤

هل يمتد التفاهم الأميركي ـ الإيراني ضد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» في العراق إلى سوريا؟
الأرجح أن مفاعيل هذا التفاهم باتت تعمل انطلاقا من غرفة العمليات المشتركة الكردية ـ العراقية ـ الأميركية في أربيل.
وتقول مصادر سورية مطلعة إن الإيرانيين قد زوّدوا سوريا بمعلومات استخبارية مهمة، وإحداثيات عن تحركات «داعش» في المنطقة الشرقية من سوريا، وعن اجتماعات واتصالات قيادات «الدولة الإسلامية» في الرقة، التي تعرّضت لعمليات قصف مركّز من الجانب السوري، انطلاقا من غرفة عمليات إيرانية في أربيل، موازية لغرفة العمليات الأميركية ـ العراقية المشتركة.
ويقول مصدر سوري مطلع إن الإيرانيين نقلوا إلى المنطقة الكردية العراقية، إلى جانب الأسلحة التي مدّوا بها البشمركة، في الساعات التي تلت تهديد «داعش» لأربيل، معدات استطلاع وتنصت تسمح لهم بالعمل في الشرق السوري.
ويوفر التعاون الكردي ـ الإيراني ضد «داعش»، قاعدة عمل تحفظ الاتصال الإيراني بسوريا عبر العراق، وهو احد أهداف الانتشار الإيراني في كردستان، والإبقاء على الامتداد البري، الإيراني ـ العراقي ـ السوري، مفتوحاً.
ومن الخطأ النظر إلى ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن «ضرورة التنسيق مع الجانب السوري، قبل أي عمل ضد داعش في سوريا»، أو تأييد القرار الدولي، بصفته دعوة للجانب الأميركي وحده، إلى ضرب «داعش» ليبرهن على مصداقيته في محاربة الإرهاب، أو مؤشراً في التعويل عليه وحده لضربه.
ويملك السوريون خيارات إضافية لا تقتصر على الغارات الأميركية ضد «داعش» كعنصر مساعد في الحرب عليه في الشرق السوري، ويتضح ذلك من طلب السوريين من حلفائهم الروس المشاركة في الحرب الجوية على «الدولة الإسلامية» بحسب ما اشارت اليه «السفير» أمس الاول.
ويعكس نشاط الإيرانيين، الاستطلاعي والتنصتي في أربيل، أنهم لا يراهنون على العمليات الأميركية وحدها لبناء تحالف ضد «داعش» و«جبهة النصرة». كما أن الرئيس باراك أوباما لا يزال يتعامل مع «داعش « في سوريا بخيارات الحد الأدنى، والطائرات من دون طيار، وجمع المعلومات ومدّ السوريين بها عبر العراقيين وغيرهم، من دون الذهاب نحو توجيه ضربات جوية له في الأراضي السورية بالتنسيق مع دمشق.
ويقول مسؤول سوري، لـ«السفير»، إننا نراقب الطوافات الأميركية، وطائرات الاستطلاع من دون طيار، وقد تلقت قواعد الدفاع الجوي السوري أوامر بعدم التصدي لها في المرحلة الحالية.
وفي شبه تفاهم غير معلن مع دمشق، قال مستشار أوباما السابق لشؤون التسلح غاري سامور إنه «من غير المتوقع أن تطلق دمشق صواريخها على مقاتلات أميركية». وتقول مصادر سورية إن «داعش» لا يملك صواريخ مضادة للطائرات يمكنها أن تهدد تحليق الطائرات المهاجمة في الشرق السوري، وأن الجهة الوحيدة التي تمتلك تلك الإمكانيات هي «جيش الإسلام»، في الغوطة الشرقية.
ذلك أن الثمن السياسي لتلك العمليات يدخل الأميركيين وغيرهم من خصوم دمشق، عرباً وغربيين، في دوامة من التناقضات السياسية، وتعديل جوهري في الأولويات. فإذا ما جرت العمليات بتنسيق مع دمشق سيعدّ ذلك اعترافاً بشرعية النظام السوري، وهو ما يرفضه هؤلاء حتى الآن. وإذا جرت من دون تنسيق، فسيكون ذلك اعترافاً بشرعية المعركة التي يخوضها الجيش السوري ضد الإرهاب.
كما أن ضيق الإمكانيات الاستخبارية الأميركية البشرية النسبي في سوريا، لا تدع للأميركيين خيارات أخرى لضرب «داعش» في سوريا لا تمر عبر التنسيق مع الجيش السوري، وتقلل مسبقاً من فعالية أي حرب تقتصر على ضربات الطائرات من دون طيار. إذ عرض مايكل روبن من معهد «انتربرايز انستيوت» الأميركي للدراسات، فقر الإمكانيات الاستخبارية البشرية الأميركية لتنفيذ عمليات عسكرية ضد «داعش». وبحسب روبن «تفتقر الولايات المتحدة في سوريا، إلى صورة واضحة لمواقع الدولة الإسلامية. ففي باكستان حين تشير تقارير استخبارية إلى إمكانية قدوم قيادي من القاعدة إلى منطقة محددة، يكون بوسع المخبرين الأميركيين تحديد موقعه».
وتقتصر شبكة المخابرات الأميركية في سوريا، بحسب روبن، «على مخبرين جنّدتهم في المعارضة المعتدلة، وهي شبكة صغيرة نسبياً، كما أن علينا أن نتعامل مع حلفاء يلعبون لعبة مزدوجة، كقطر وتركيا، قدمت الدعم إلى عناصر متطرفة، وتنفي إقامة روابط معهم».
وليس كافياً الحصول على دعم قطري - تركي واضح وضروري لمحاربة «داعش». إن أي حرب ضد الإرهاب، تتطلب النظر في الطلب الروسي مجدداً الى ضم جماعات «جهادية» سلفية أخرى في سوريا إلى لائحة الإرهاب. وكانت موسكو طالبت بضم «الجبهة الإسلامية» إلى اللائحة. وتضم «الجبهة» اكبر الفصائل «الجهادية» المقاتلة، لا سيما «أحرار الشام»، التي لا تختلف عن «النصرة»، في منشئها «القاعدي»، بشيء، ولا في تركيبتها، ولا في مصادر تمويلها عبر الشبكات الخليجية.
ومن المستبعد أن يوافق الأتراك أو القطريون، وحتى السعوديون، على توسيع تلك اللائحة، لأنها ستؤدي إلى وضع ما تبقى من الفصائل المقاتلة في سوريا تحت وصمة الإرهاب، وتحرم الثلاثي، وحتى الولايات المتحدة، من القدرة على استخدامها ضد دمشق مستقبلا.
وكانت العملية الأميركية في العكيرشة، لتحرير الصحافي جيمس فولي، في الخامس من تموز الماضي، قبل أن يقوم «داعش» بذبحه، منيت بالفشل، بسبب استنادها إلى معلومات مخبرين محليين. وتقول معلومات سورية إن أكثر من 36 طائرة أميركية كانت تحلّق في سماء المنطقة، ونفذت ثلاث موجات من الهجوم، لتغطية إنزال القوات الخاصة في منشأة نفطية في الشرق السوري، أخلاها «داعش» قبل وصول الأميركيين.
وكان الأميركيون قد حاولوا، نهاية العام الماضي، وعبر باحث أميركي يعمل في المنطقة، الحصول على معلومات من الأجهزة السورية عن أماكن احتجاز ستة رهائن أميركيين بيد «داعش». واشترطت دمشق لتعاونها، ما تشترطه مع الطلبات الأوروبية الأخرى، العودة إلى التعاون أمنياً، بتفعيل الحضور الديبلوماسي، قبل البحث بأي تعاون استخباري.
ودون التقليل من أهمية الآلة العسكرية الأميركية، لا يحصر قرار مجلس الأمن رقم 2170 وظيفة إنشاء تحالف دولي ضد الإرهاب و«داعش» و«النصرة» في سوريا، بالولايات المتحدة وحدها. وعلى العكس من ذلك فإنه يتيح خيارات متفاوتة أمام السوريين، وهامشاً واسعاً للمناورة سياسياً وعسكرياً، إذا ما تم تطويره وتزويده بآليات تطبيقية، في اجتماعات مجلس الأمن، خلال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول المقبل.
ودون انتظار ما سيقرره الأميركيون في النهاية، يفتح القرار الدولي هامشاً واسعاً أمام حلفاء دمشق من الإيرانيين والروس، لبناء تحالف واضح لمكافحة «داعش». وتكمن أهمية التحالف بأنه يقع تحت سقف الشرعية الدولية، لا بل بدعم منها، لمنع تمدد «الدولة الإسلامية»، ويشكل ذلك نقلة نوعية كبيرة في موقع إيران في الحرب السورية، وفي تصنيف دورها.
كما أن دخول الإيرانيين والروس، لتوجيه ضربات لـ«داعش» و«النصرة» في سوريا، سيضعف من احتمالات إجراء مقايضات سياسية، شبيهة بالتي شهدها العراق، أو ترجيح صفقة تدعو إلى حرب تقتل «داعش» وتزيح الرئيس بشار الأسد في آن واحد. لكن ينبغي التساؤل عما إذا بوسع روسيا وأميركا العمل معاً في سوريا، ضد عدو مشترك، وتجاوز خلافات الملف الأوكراني.