سورية خالدة وتتجدد … «فانية وتتبدد».. حكاية وطن يواجه أبشع أنواع الإجرام والتطرف

سورية خالدة وتتجدد … «فانية وتتبدد».. حكاية وطن يواجه أبشع أنواع الإجرام والتطرف

سينما

الاثنين، ١ فبراير ٢٠١٦

بعد أربعين يوماً من العمل اليومي المتواصل، افتتح المخرج نجدة إسماعيل أنزور فيلمه الجديد «فانية وتتبدد» في دار الأسد للثقافة والفنون برعاية وزارة الثقافة، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع شركة سيريتل وإذاعة نينار وشركة أنزور للإنتاج.
ويعد الشريط استمراراً لسلسلة تحدث فيها أنزور عن التطرف الديني في مسلسلات «الحور العين» و«المارقون» و«ما ملكت أيمانكم»، مع التركيز حالياً على إبراز جرائم الإرهاب والإضاءة على أفكار التنظيمات التكفيرية.

أنزور اتخذ من كاميرته سلاحاً لمواجهة مشروع التطرف الذي يجتاح سورية والمنطقة بأبشع صوره، لذا لم تعد أعماله مجرد أفلام ومسلسلات تعرض ليراها الآخرون فقط، إنما هي قضية بحد ذاتها تبناها لتروي حكاية وطن يتألم وتكشف ظاهرة الإرهاب البشعة.
وجاء اختيار هذا العنوان ردّاً على شعار «داعش» (باقية وتتمدّد)، ويركز الفيلم من اللقطة الأولى على فكرة التبدّد والفناء برمزية الحبر الذي ينحلّ في الماء، وهي نظرية الفوضى القائمة عليها «داعش».
كما أن شخصية «نضال» المدرّس الذي يُشنَق أمام طلابه، منصبّة على تعليم الأولاد أن ذاك الشعار الذي يزرعه «داعش» خاطئ. فهي جماعة فانية لا باقية. وهذا ما دفع «نضال» حياته ثمناً له.
وتدور أحداث الفيلم الذي امتد لساعتين وربع الساعة في سورية من قتل وتدمير واغتصاب وتهجير وتملك وتكفير على أيدي أعداء الإنسانية باسم الدين، فيعرض الفيلم قصة وطن يدمّر وأم ثكلى وفتاة تتألم وطفل بكى قبل أن يضحك، وفي الوقت نفسه يبعث رسائل مهمة للمجتمع عن الإسلام المعتدل، والفكر المتطرف، والخلايا الإرهابية.
وتم تصويره في العديد من المناطق الدمشقية، منها كيوان وبساتين العدوي، ومشروع دمر لينتهي التصوير على خطوط النار في داريا التي تضمنت الموقع الرئيسي، حيث بُنيت ديكورات القرية الافتراضية في أحياء عدة، عمل فريق الفيلم على تنظيفها، وإزالة الركام وآثار المعارك من أزقتها.
وشارك في الفيلم أكثر من سبعين ممثلاً، ولعب أدوار البطولة كل من: فايز قزق، ورنا شميس، وبسام لطفي، وأمية ملص، وزيناتي قدسية، وحسام عيد، وهناء نصور، ورباب مرهج، وعلي بوشناق، ومجد فضة، وسارة عواد، والطفلة إيمي فرح.

رسالة معبرة
كلمة أنزور ورسالته تمحورت بأن «سورية خالدة وتتجدد، خالدة بحضارتها وما قدمته للبشرية، وتتجدد بعشق أبنائها لترابها الذي كلما دنسته أنفاس المعتدين طهروه بدمائهم النقية، سورية خالدة بتاريخها وحاضرها، ونصرها القادم في المستقبل ستُعلم من خلاله العالم كيف ينتصر الإنسان على الأفكار الفانية، ويعيد صياغة الإنسانية التي تجعل ما على هذه الأرض يستحق الأرض».

قصة الفيلم
تدور أحداث الفيلم في (فكرة هالة دياب ونجدة أنزور، سيناريو وحوار ديانا كمال الدين) إحدى المناطق التي ينتمي سكانها إلى طوائف مختلفة حيث تقوم التنظيمات الإرهابية بفرض الجزية على العائلات المسيحية، والتضييق على العائلات الأخرى واضطهادها، كما تشهد البلدة صراعاً بين تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، تنعكس ويلاته على الأهالي.
وتزداد أمور «ثريا» سوءاً بعد محاولة الأمير الداعشي «أبو الوليد» أخذ ابنتها الطفلة «نور» إلى فراش الزوجية وهي بعمر عشر السنوات، فيهب «مازن» الجندي في الجيش العربي السوري مع رفاقه لمساعدة القرية وإنقاذ شقيقته من براثن مغتصبها، ويتعاون في ذلك مع «أبو دجانة» أحد عناصر التنظيم المنشقين، الذي يعود إلى رشده وينحاز إلى إنسانيته بعد ما شاهده من فظائع «داعش».
ويركّز الشريط على إظهار تنظيمي «داعش»، و«جبهة النصرة» الإرهابيين من الداخل وتقديم صورة مخالفة لما تحاول تلك التنظيمات تسويقه عن نفسها عبر وسائل الإعلام. كما يعكس الصراع بين التنظيمين على توزيع الغنائم ومناطق السيطرة بينهما.
التصدي للفكر الداعشي
أكد محمد الأحمد مدير المؤسسة العامة للسينما أن «أهمية الفيلم تكمن ليس في أنه يفضح إجرام ووحشية منظمات إرهابية تكفيرية مثل «داعش» وغيرها، فالإنترنت مملوءة بصور قطع الرؤوس وحرق الأجساد والتمثيل بالجثث، وغيرها من الأشرطة الوثائقية التي تفضح بشكل صادم وموجع أكثر من أي فيلم روائي، بل تكمن أهميته في أنه يتصدى للفكر الداعشي، وللإيديولوجيا الداعشية التي تنتج هذا النوع المرعب من الوحشية والإجرام».
وقال: كي ننتصر على «داعش» وأمثالها لا يكفي أن نتصدى لها في ميادين القتال، وإنما ينبغي، وقبل كل شيء، أن نواجهها ونحاربها في ساحات الفكر والرأي والعقيدة. لأن «داعش» ليست مجرد كتائب مسلحة، تقتل الناس وتفتك بهم من دون رحمة أو شفقة، وإنما هي منظومة فكرية كاملة، جوهرها رفض أي نقاش أو إعادة نظر في أي مسلمة من المسلمات التي يؤمن بها أصحاب الفكر الداعشي. ليس هذا فحسب، وإنما يضاف إليه أيضاً التعامل مع أي مخالف للرأي كائناً من كان، على أنه عدو ينبغي محاربته والقضاء عليه، إضافة إلى أنه ليس غريباً بروز فكر من هذا النوع مادام ثمة دول عربية ومجتمعات بكاملها تؤيده وتتبناه وتدعو إليه».
وأشار إلى أن «الفيلم هو التعبير الأصدق عن وعي السينما السورية بطبيعة المعركة القادمة وسبل مواجهتها، ولاسيما أن التيارات التكفيرية الوافدة إلى بلادنا التي فرختها ممالك الرمال، ممالك النفط الموغلة في الخيانة والتآمر، باتت تشكل تهديداً ليس للمنطقة فحسب بل للعالم كله».
وتابع أن «الفكر المتطرف موجود في كل أنحاء العالم، ولكن ثمة مجتمعات تتيح له أن ينمو ويتسع، وثمة مجتمعات أخرى تلجمه وتسيطر عليه. أعتقد أن مجتمعنا السوري هو من المجتمعات التي ظلت عبر تاريخها قوة لاجمة للفكر المتطرف، لأن بنيتها الثقافية والاجتماعية لم تكن لتسمح بانتشار وتوسع مثل هذا الفكر. نعم، لدينا متعصبون، ولدينا أناس لا يقبلون الرأي الآخر، ولكن هؤلاء لا يشكلون قوة يعتد بها في النسيج الاجتماعي السوري. وأنا على يقين من أن الكتائب التكفيرية المسلحة التي تعيث فساداً على أرضنا اليوم ليست سوى موجة عابرة تستخدمها قوى دولية وإقليمية تريد تدمير سورية المقاومة المستقلة بقرارها وزرع دولة خانعة تابعة في مكانها، وليس بعيداً ذلك الوقت الذي سنرى فيه هذه الكتائب العميلة تذوب وتتبخر تحت ضربات جيشنا العربي السوري الباسل».
وأوضح في ختام حديثه أن «رسالة الفيلم ورسالة المؤسسة العامة للسينما ووزارة الثقافة واحدة، ألا وهي مقاومة التعصب والقبح والشر مهما تعددت أشكالها بقيم التسامح والخير والجمال، ومواجهة التكفير بالدعوة للحوار، والتصدي للهستيريا التكفيرية الطائفية بفتح الأذرع على أوسع مدى لاحتضان أبناء الأرض السورية على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية».

فكِّرْ.. فكِّرْ
وتعليقاً على الفيلم قالت ديانا كمال الدين إن الأفكار كالأصنام، نخلقها، نعجنها، نشكلها بالشكل الذي يخدم مصالحنا، نبّشر بها، نستعيد بها البشر، نسيّرهم في جيوش ليقتل بعضهم بعضاً.
وأضافت: الحرية، والديمقراطية، وسيادة الدول، والعدالة، وحقوق الإنسان، والثروة، والسلطة، والأديان، والمذاهب، كلها مجرد أفكار توقَّفْ عن ذكرها، توقَّفْ عن التفكير بها وستختفي كأنها لم تكن، فعلى هذه الأرض ما يكفينا جميعاً، ستستمر إنسانيتنا بالسقوط ما دمنا لا نسعى لتحطيم «عبادة الأفكار».
وختمت بالقول: «الإنسان أولاً وأخيراً، قبل أن تقتلني من أجل فكرة، فكِّر.. فكِّر».
عشر سنين
بدورها قالت رنا شميس: «عندما عاشت «ثريا» فيّ، أصبحتُ حبلى تنتظر الولادة، ثقل أنهك الروح والجسد، أصبحت نساء الإنسانية كلها تكبر في أحشائي، عذابات وأوجاع تملأ السماء، صرخات لنساء حرمت السكينة و«الضنى» أمانة حملتها وعمري عشر سنين.. عشر سنين عمري فنياً، الآن أنجبت امرأة عمرها خمسة وأربعون عاماً».

إنسانية وطيبة
وتحدثت أمية ملص عن شخصيتها فقالت: إن «ماري» تخلت عن ماكينة الخياطة التي شكلت كل حياتها، فباعتها لتدفع الجزية لكونها مسيحية، كما فعلت ابنتها «ريتا» التي باعت «الصليب الذهبي»، بسبب ضيق العائلة المادي الذي أجبر ربها على النطق بالشهادتين لينال مكافأة على ذلك، في مشاهد تراجيدية تعكس الواقع الأليم الذي وصلت إليه العائلة.
وأضافت: «ماري» امرأة وفية لماضيها، ومتألمة لحاضرها، تحكي ببساطتها الوجع والألم الذي وصل إليه جيرانها، ولتصلي إلى جانب جارتها المسلمة على نية الفرج، لتطغى إنسانيتها وطيبتها على علاقتها بجيرانها.

روح واحدة
أما علاء سلمور رئيس قسم الإعلام في شركة سيريتل فقال: «الآن بات واضحاً أمام القاصي والداني خطر «داعش» ليس على سورية فقط، إنما على العالم أجمع، حتى ممولوها لهم نصيب من أذاها».
وأشار إلى أن «العمل جريء يحاكي الواقع، وهذا ما عودنا عليه العظيم نجدة أنزور من خلال أعماله السابقة التي تحكي عن الإرهاب، الفيلم صور لنا حقيقة «داعش» التي دمرت الوطن وأزهقت الأرواح وشوهت صورة الدين وهي لا تمت له بصلة، «داعش» التي تفننت بأساليب عدة لتنفيذ جرائمها وابتكرت الحجج والبراهين لكل أذية تقوم بها».
وقال: «نحن ننتمي لهذا الوطن ومتمسكون بقضيته، ولأننا نتعايش مع أبناء سورية فإننا متحدون كروح واحدة بعدة أجساد نتألم معهم كما نشاركهم الفرح، والوطن عهد علينا أن نبقى له ولأجله ونحن نؤمن بأعمال مبدعنا والرسائل المهمة التي تجسدها».

جسد واحد
بدوره إبراهيم برهوم رئيس قسم كبار العملاء في شركة سيريتل أكد أن «الفيلم يطرح مشاهد حقيقية يعيشها أبناء سورية في المناطق التي تقع تحت سيطرة «داعش»، وكلنا نعلم من تكون «داعش» وهذا الفيلم الحقيقي سيُجمع العالم على أنه جاء في الوقت المناسب وأن تتم مواجهته أو منعه من أي دولة حتى لو كانت داعمة للإرهاب لأن خطر «داعش» سيطولها عاجلاً أم آجلاً». وأشار إلى أن «سورية ستتحرر من الإرهاب مادام لدينا جيش صامد وأبناء يتعايشون كجسد واحد، ونحن كشركة سيريتل سنبقى على العهد للوطن وأبنائه».