فيلم “الحقيقة”.. ماري ميبس: هل طرحتم السؤال الحقيقي؟

فيلم “الحقيقة”.. ماري ميبس: هل طرحتم السؤال الحقيقي؟

سينما

الثلاثاء، ١٠ مايو ٢٠١٦

من المؤكد أنه كان على “ماري” التحقق بشكل أكبر من ثبوتية وثائقها، قبل الذهاب بعيداً خلف شغف واندفاع تميز بهما عملها على الدوام، وكلل بالنجاح في كل ما قدمته، وربما كان عليها استذكار بعضٍ من تصريحات زملاءٍ لها سبقوها في التعرض لمشاكل تواجه العاملين في الصحافة يومياً، إذ صرحت جوديث ميلر يوماً بعد تقاريرها التي قدمتها حول العراق والرئيس العراقي، وتطويره المزعوم لبرنامج الدمار الشامل: “إن لم يتمتع مصدرك بالثقة والمصداقية التامة، فأنت مخطئ بالتأكيد”.

الحقيقة/ الفيلم
تصارع السيدة قلق انتظارها بالحياكة، إلى أن ينقذها صوت السكرتيرة أن: “السيد ديك بانتظارك”. وأمام السيد ديك سنتعرف على ماري ميبس بطلة فيلم “الحقيقة” التي كما قالت هي؛ عاملة في مجال الأخبار والأنباء لمدة عشرين عاماً، حائزة على جائزتي إيمي الشهيرتين، والأهم أنها الصحفية التي كانت خلف كشف الفضيحة الأكبر في بدايات القرن الحالي، فضيحة سجن “أبو غريب” والانتهاكات الفظيعة التي كانت تجري خلف قضبانه بحق السجناء، حيث تعرضت حينها للسجن في سبيل حماية مصدرها الذي زودها بالمعلومات؛ وتكمل: “أنا أعمل الآن لبرنامج ستون دقيقة”، البرنامج الذي عرض القصة حيث تخضع للاستجواب بشأنها هي وفريق عملها.
الفيلم استند في روايته على المذكرات الحقيقية للصحفية والمخرجة والمنتجة السابقة في شبكة الأخبار الشهيرة “سي بي إس” حيث تقدم المذكرات القصة الكاملة لحلقة برنامج “ستون دقيقة” التي تحدثت عن وثائق حصلت عليها ماري من ضابط رفيع المستوى على دراية ومعرفة بمجريات الحدث أساس القصة، والتي تدور حول معاملة خاصة حظي بها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أثناء خدمته العسكرية، وعن عدم التزامه بساعات التدريب المطلوبة منه، والتهرب من الذهاب إلى فيتنام، حيث تم إلحاقه بسلاح الطيران بطريقة غير قانونية. وما إن تصل الوثائق إلى يد ماري حتى تقرر العمل عليها يشجعها على ذلك الشبكة التي تعمل لها، فتذهب في تحقيقها إلى النهاية، تشكل فريقها الخاص، وتقوم بقيادته في عملية استقصاء وتقصٍ حول صحة وحقيقة الوثائق، يدعمها معنوياً؛ أن من يشاركها في التحقيق والتقديم هو مقدم البرنامج الأشهر “دان ريدز” الذي كان له شرف إبلاغ العالم نبأ اغتيال كنيدي، الذي عمل مراسلاً للبيت الأبيض في عمر صغير، ثم مراسلاً رئيسياً للشبكة في لندن، وأفغانستان وسواها قبل أن يصبح المقدم الأساسي للبرنامج الأشهر “ستون دقيقة”.
يعمل الفريق جاهداً بالرغم من الصعوبات التي تواجه هذا النوع من التحقيقات، حيث لا يتمكن الجميع التحقق من صحة الوثائق، لتلجأ ماري إلى مصدرها الأول حيث يُسرب لها اسماً ما يقف خلفها، وفي غمرة اندفاعها واعتدادها بنجاحاتها السابقة، تنساق خلف رغبتها بنشر الحقيقة التي آمنت بها، يبث البرنامج، في الوقت الأكثر خطورة فترة الانتخابات الرئاسية الثانية لجورج بوش، مايثير عاصفة من الهياج الشعبي وجدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والصحفية، ليبدأ التشكيك ليس فيما يخص الوثائق فحسب وإنما بمصداقية كل من عمل على التحقيق، يتم التحقيق مع ميبس وفريقها بالكامل من قبل الشبكة وفريق كبير من المحكّمين، حيث تتهم بالإدمان على الكحول، والتحيّز ضد الرئيس، وأن ميولاً سياسية تهدف لتشويه صورة بوش الابن أمام الرأي العام؛ هو ما دفعها لتقديم وثائق تعتبر مزورة؛ ما يدفعها لتنبيه قضاتها؛ دفاعاً عن نفسها: “أنتم تذهبون بعيداً عن لُبّ الحقيقة، أنتم لا تسألون السؤال الأهم!. التحقق من صحة المعلومات الواردة في الوثائق”. بينما يصر المحقق على أنها أخلّت بأصول مهنتها، ولم تتمكن من إثبات صحة المعلومات التي تشير إليها.
تعزل ميبس من عملها، لا يشفع لها خدمتها الطويلة في الشبكة، وإنجازاتها الكبيرة، ويطرد الفريق العامل معها بينما يختار “دان” أن ينهي حياته المهنية الحافلة مباشرة على هواء القناة التي خدمها لما يزيد عن أربعين عاماً.

أسئلة مشروعة
لم يكن فيلم “الحقيقة” سباقاً، ولم يكن الأول الذي تناول معضلة العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة الرابعة، يسبقه في ذلك العديد من الأعمال التي دارت في ذات الدائرة، كفيلم “لا شيء سوى الحقيقة” الذي تناول قصة جوديث ميلر مراسلة نيويورك تايمز والتي فضلت السجن على التصريح باسم مصدرها، هناك أيضاً “”the insider و”كل رجال الرئيس” الذي تناول الصحفيين اللذين كانا خلف كشف قضية ووترغيت والتي دفعت نيكسون للتنحّي فيما بعد.
ربما لم ينل الفيلم الجماهيرية المتوقعة ولم يحدث الضجة التي أحدثها التحقيق التلفزيوني ذاته، لكنه يحسب له أنه نجح في طرح أسئلة مشروعة تتعلق بالعمل في مهنة المتاعب؛ لن يكون أولها سؤال من يحمي الصحفي عندما تتخلى عنه الجهة التي يعمل لها إن تضاربت المصالح بينهما؟ بالإضافة إلى صعوبة الحصول على المصادر الموثوقة؛ إلى إشكالية أساسية تواجه العاملين فيها بشكل أساسي بين الرغبة في طرح الحقيقة أمام الرأي العام وبين المهنية التي لا بد من الالتزام بها، وهنا ربما كان الاندفاع والشغف وتضخم الثقة بالنفس هو ما دفع ماري للتغاضي عن التأكد من حقيقة المصدر السري الذي زودت به.
فيلم “الحقيقة” الذي أُنجز في العام الماضي، أُخرجه “جيمس فاندربيلت” قدم أدواره الرئيسية الممثلة “كيت بلانشيت” التي أدت دورها بإحساسٍ عالٍ إلى جانب الممثل الكبير “روبرت ريدفورد”.

بشرى الحكيم