أفلام ومهرجانات وثبات في روائع مقبلة

أفلام ومهرجانات وثبات في روائع مقبلة

سينما

الأحد، ٢٥ ديسمبر ٢٠١٦

 عرف عام 2016 هدوءاً عاماً في الفضاء السينمائي المغربي، أي من دون سجال وجدال كبيرين كما في السنوات السابقة، باستثناء ما راج من ردود فعل حول عدم إدراج أي فيلم مغربي ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش الدولي في دورته اﻷخيرة. وهو هدوء عنوانه استمرار الإنتاج الفيلمي بتواتر طبيعي وعادي، وتنظيم مهرجانات احتفائية بالفن السابع على طول الوطن وعرضه، ومداومة الدعم أو ما يسمى آلية الدفع المسبق عن المداخيل وفق ما هو مسطر في القوانين المنظمة لممارسة الشأن السينمائي المغربي. وهو شأن بائن إذاً أساساً في مجالات اﻹخراج والاستهلاك المتذبذب والتنشيط الاحتفالي بالفيلم وأناسه.

 

مشكلة القاعات

وهكذا يلاحظ غياب كبير لثالث اﻷعمدة المشكّلة السينما في العالم ومنذ ظهرت إلى الوجود قبل مئة وعشرين سنة، وهو عمود توزيع اﻷفلام. هذا الأخير الذي يرتبط بوجود العدد الكافي من القاعات السينمائية كي يحقق الفيلم مجال انتشاره، وكي يديم وسائل وجوده مادياً قبل كل شيء. في المغرب لا يزيد عدد قاعات العروض عن بضع عشرات موزعة في المدن الكبرى كالدار البيضاء وطنجة والرباط ومراكش وفاس، وهي في مجمل ما يشتغل فيها في شكل مهني مستمر ومقنع عبارة عن مركبات سينمائية حديثة بعديد القاعات توفر إلى جانب الفرجة السينمائية فرجة التجول والتبضع أحياناً. هي ظاهرة تثير السؤال والقلق. فالبلد لا يني يضع السينما في مقام عال، ويمنحها كل وسائل الحياة، لكنه يقف عاجزاً أمام توفير أو على الأقل الحفاظ على القاعات الموجودة، رغم كل التدابير المادية والدعم التي يقدمها لأرباب القاعات والتوزيع. إنها حالة غير صحية أن تنتج أفلاماً لا يشاهدها كل المغاربة. فقضية الفرجة السينمائية لا تستقيم إلا إذا رافقتها ممارسة ثقافية تساهم في تهذيب الذوق، وشحذ الذهن من جاذبية التكلس، وبناء الإنسان تبعاً لكل القيم المشتركة.

وعدا هذا المطب الذي يبحث الكل عن أسباب تفاديه، فقد عرف العام الحالي خروج الكثير من الأفلام الجديدة ناهز عدداً محترماً فاق العشرين شريطاً مطولاً، وعرض أكثر من خمسين فيلماً قصيراً في الملتقيات السينمائية كافة. عدد يحترم في شكل كبير السقف الذي تم تحديده قبل سنوات، الشيء الذي يجعل من السينما المغربية إحدى السينماتوغرافيات الأكثر حيوية على المستوى العربي واﻷفريقي. أعمال تناولت كل الأنواع تقريباً، الميلودرامي والتاريخي والاجتماعي والكوميدي والسجالي السياسي وسينما المؤلف...

ونذكر منها شريط «أفراح صغيرة» الرائق لمحمد الشريف الطريبق والمتسم بجرأة موضوعاتية وشكلية محببة، حول عالم مغلق لنساء في دار عتيقة بمدينة تطوان. فيلم نجح في حكي متواتر تفوق على عائق ضيق المجال بذكاء التعامل المتعدد مع زوايا الالتقاط. ولا بد من الإشارة في السجل التأليفي ذاته لشريط هشام العسري «البحر من ورائكم». وفيه يعاود المخرج ذات المنحى التجريبي في التناول شكلاً من خلال تعمد اللونين اﻷبيض والأسود في الغالب وتكسير السرد، في مسعى منه لخلق صورة جريئة حول واقع مجتمعي حائر بين المقدس والمدنس والعنف والمهادنة.

في مجال السينما الاستعادية للتاريخي والسياسي، يمكن ذكر كل من شريط إدريس شويكة الذي يتناول فترة مقاومة المستعمر الفرنسي خلال خمسينات القرن الماضي عبر حكاية شباب في حي شعبي تمت استعادة أجوائه بمهنية ملحوظة، وفيلم أحمد بولان حول الصراع الذي نشب بين المغرب وإسبانيا بخصوص جزيرة «ليلى» الصغيرة المعزولة وشبه الخالية، بطريقة تمزج الساخر بالجدي. هما عملان يتسمان بنقل سينمائي لهمّ عام من وجهات نظر تستحق الاهتمام. ثم شريط «المسيرة» للمخرج الشاب يوسف بريطل، وهو يحكي حدث المسيرة الخضراء عام 1975، في شكل يحاول أن يقدم مقدار كثافة فعل جماعي كبير ذي بعد ملحمي.

خلاف هذه الأفلام، استمر محمد إسماعيل في نهج الفيلم الدرامي الاجتماعي من خلال شريط «إحباط»، وهشام الجباري أنجز فيلمه اﻷول «دموع إبليس» من بطولة الممثل المخرج رشيد الوالي. أما حسن دحاني فأخرج فيلمه الطويل الأول «باسطا» بعد سلسلة من اﻷفلام القصيرة الناجحة. وظهر فيلم «وريقات الحب» لطه بنسليمان كمخرج جديد اخترق فيلمه قاعة العروض في مدينة الدار البيضاء. وقدم الناقد واﻹعلامي عبد الإله الجوهري عمله الوثائقي الطويل الجديد «رجاء بنت الملاح»، مرسخاً بذلك مساراً إخراجياً دؤوباً وطيباً يبين قدرات محترمة في مراودة الصورة السينمائية، في انتظار خروج فيلمه الروائي الطويل «ولولة الروح».

طبعاً، يجب ذكر فيلمين فالتين، كتجربتين مدهشتين. اﻷول «مسافة ألف ميل بحذائي» لسعيد خلاف الذي جاب الكثير من المهرجانات الوطنية العربية والدولية، ونال جوائز عدة، كما حقق قبولاً طيباً في القاعات السينمائية التي عرض فيها. وذلك بموضوعه اﻹنساني وقدرة أثره العاطفي. واﻷمر ذاته يمكن قوله بخصوص شريط «ميلوديا المورفين» لهشام أمال الذي أخرجه بوسائل خاصة والكثير من الخيال الخصب.

 

دعم وأنشطة متعددة

من جهة ثانية، استمرت لجان الدعم المتعددة في المساهمة المادية الفعلية في مد السينما بمقومات حضورها. هكذا وفي اجتماعات السنوية الثلاثة للجنة الدعم السينمائي، تم إقرار ضخ أموال لما مجموعه أربعة عشر شريطاً طويلاً كتسبيق عن الدخل، وعدد من اﻷفلام القصيرة وعدد من السيناريوات في إطار إعادة أو تحسين الكتابة. أما لجنة دعم المهرجانات المستحدثة أخيراً في سبيل ترشيد مصاريفها ومراقبتها وتصنيفها وفق ما راكمته من تجربة ودورها في نشر الفن السابع، هذه اللجنة استمرت في تخصيص موارد مكنت مدناً عدة من تنظيم ملتقيات كان لها أثر طيب على الأهالي وعشاق الفن. تتساوى في هذا اﻷثر الملتقيات الكبيرة المعروفة ذات الصبغة الدولية على غرار مهرجان تطوان للسينما المتوسطية، ومهرجان خريبكة للسينما الأفريقية، ومهرجان سلا لسينما المرأة، وطبعاً مهرجان مراكش الذي اختتم دورته السادسة عشرة أخيراً، والملتقيات الصغيرة التي لم تستثنِ مدن الهامش التي يجب تشجيعها أكثر مثل مهرجان «أسني نورغ» للسينما اﻷمازيغية الذي سلخ من عمره النضالي الفني بمدينة أكادير السوسية عشر دورات بالتمام والكمال. فالملاحظ أنها تساهم بفاعلية في خلق حركية فنية تجر قاطرة الثقافة في فضاءاتها وجهاتها.

تبعاً لما ذكرناه من الأفلام التي بدت لنا أهم ما عرفه العام الحالي، ووفق الملاحظات السالفة، يمكن التشديد على أن السينما المغربية صارت واقعاً فنياً وثقافياً ومجتمعيا لا رجعة فيه. لا يتأثر بتغيير مسيّري المركز السينمائي المغربي، الهيئة المسيرة والساهرة على أمورها، منذ عقود طويلة، فقد أصبحت لها آلية تدبير قارة ومدوامة، وتتجدد وفق قواعد اللحظة والتاريخ. هذا في انتظار ترسيخ النظرة الوطنية للسينما المغربية. وفي انتظار إبداع روائع سينمائية كبيرة بمواصفات عالمية بموضوعها وتفردها.