سينما الطفل بين الأمس واليوم...هل الطفل أكثر قدرة على مشاهدة الدمار دون استغراب؟!

سينما الطفل بين الأمس واليوم...هل الطفل أكثر قدرة على مشاهدة الدمار دون استغراب؟!

سينما

الأحد، ١٩ يناير ٢٠١٤

الطفولة.. تلك البراءة والنقاء التي يستحيل أن نجدها في شيء أكثر قداسة من صفاء وجه طفولي ينظر إلينا، ويخبرنا بأنه صفحة بيضاء قابلة لأن نرسم عليها بكلماتنا ونطبع عليها بأفكارنا كل ما نرجوه لمستقبل هذا الكائن الشفاف الذي يسمى طفلاً
الطفل كتلة من ثلج عظيم البياض، طاهر التكوين، بديع الشكل، لكنه في المقابل سهل الاتشاح بالسواد إذا ما داسته الأقدام المتسخة وعبثت به الأصابع الملوثة، قابل للذوبان إذ ما لامسته الحرارة الدخيلة على عالمه، ويمكن كذلك أن يتحول إلى صقيع متجمد وعندها من الصعب جداً صهره، اختراقه أو كسره وهي أبلغ مراحل العند الطفولي وبالتالي أصعب الحالات لمعالجتها.
 
كثيراً ما ردد علماء النفس والطفولة مقولات شتى عن أهمية تأهيل الطفل منذ الصغر والاهتمام بالمكتسبات النفسية والثقافية والعلمية التي يتلقاها مع مراعاة ما يشاهده الأطفال على التلفاز، حيث تشكل وسائل الإعلام والإعلان مصدراً أساسياً من المصادر التي تساهم في تكوين الطفل وتهيئته لما سوف يصبح في المستقبل، وإذا ما لاحظنا التغير والتطور الذي طرأ على برامج الأطفال نجد فرقاً كبيراً في المنظومات الثقافية والأخلاقية التي باتت تتعرض لها المواضيع الحالية إذ تخلت بشكل كبير عن القصص التي تحمل في طياتها حكماً وأمثالاً ومواعظ أخلاقية لتتمحور حول الحروب والعنف ونشهد تزايداً ملحوظاً لثقافة السلاح والتدمير فمن أفلام ديزني لاند وقصص سندريلا، بياض الثلج، أزميرالدا، بائعة الكبريت، الجميلة والوحش وغيرها من أفلام الرسوم المتحركة المتسمدة من روايات عالمية التي تحمل الكثير من الرسائل الأخلاقية مقدمة إياها بقالب بسيط ومرح وغير مباشر، إلى أفلام اليوم كالبوكيمون وأفلام الكونغ فو والحروب وغيرها من برامج فظة تستهدف عقل الطفل بصورة مباشرة وآنية، وإذا ما تتبعنا النهج العام الذي سارعت عليه برامج الأطفال نجد مواكبة لها من برامج الكومبيوتر وألعاب الأطفال التي شكلت في معظمها نماذجاً لساحات القتال والحروب، ولا عجب أن طفل اليوم أصبح أكثر قدرة على مشاهدة الدمار دون استغراب، بل اللعب بالأسلحة المزيفة وتمثيل دور القاتل أو الضحية دون إدراك من الأهل لأبعاد تلك الألعاب المسمومة وتأثيرها على عقلية الطفل وآثارها المستقبلية. وقد ذكرت دراسة أميركية حديثة أن ممارسة الأطفال لألعاب الفيديو التي تعتمد على العنف يمكن أن تزيد من الأفكار والسلوكيات العدوانية عندهم، كما أشارت الدراسة إلى أن هذه الألعاب قد تكون أكثر ضرراً من أفلام العنف التلفزيونية والسينمائية لأنها تتصف بصفة التفاعلية بينها وبين الطفل، وتتطلب من الطفل أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها. وقال بعض علماء النفس إن التعرض مدة طويلة للألعاب العنيفة يؤدي إلى انجذاب أطفال غير عدوانيين للأساليب العدوانية، جميع تلك الدراسات لم تثن صانعي الأفلام والقائمين على تصميم الألعاب عن الاستمرار في ضخ جميع تلك المفردات العنيفة من خلال التحديثات الدائمة للألعاب وأدواتها، وبرامج الفيديو وشخصياتها لتصبح أكثر عنفاً غير عابئة بما تحدثته من دمار نفسي للطفل والمجتمع من بعده.
معظم الشعراء تطرقوا إلى عالم الطفولة الواسع وأبحروا في ميدانه الواسع وها هو جبران خليل جبران يرسل كلماته إلى الأهل بعدم محاولة امتلاك الأطفال والاحتفاظ بهم بعد بلوغهم سني الرشد، إذ إن مهمة الأهل تنضوي تحت لواء تهيئة الأجيال لهذه الحياة وتسليمهم مفاتيح العلم والعمل ليسيروا في دربهم الطويل وحدهم متسلحين بالمعرفة والقدرة على مجابهة المصاعب بما امتلكوا من ذكاء وخبرة مكتسبة فيقول:
أولادكم ليسوا لكم
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم، فهم ليسوا ملكاً لكم
أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصةً بهم وفي طاقتكم أن تصنعوا المساكن لأجسادهم
ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم
فهي تقطن في مسكن الغد، الذي لا تستطيعون أن تزوروه حتى ولا في أحلامكم
وإن لكم أن تجاهدوا لكي تصيروا مثلهم
ولكنكم عبثاً تحاولون أن تجعلوهم مثلكم
لأن الحياة لا ترجع إلى الوراء، ولا تلذ لها الإقامة في منزل الأمس
أما الشاعر السوري محمد سليمان أحمد الملقب ببدوي الجبل فنراه يتغنى بالطفولة أجمعها من خلال قصيدة أهداها لحفيده، وتعتبر تلك القصيدة من أشهر ما قص الشعراء عن الطفولة لما تمتلكه من مقومات وتجديد وألق في تصوير عالم الطفولة فنراه يقول:
وسيمًا من الأطفال لولاه لم أخـف
على الشيب أن أنـأى وأن أتغربـا
تودُّ النجوم الزهر لـو أنها دمـى
 ليختـار منهـا المترفـات ويلعبـا
وعندي كنوزٌ من حنـان ورحمـة
نعيمـي أن يغـرى بهـنّ وينهبـا
يجور وبعض الجور حلـوٌ محبـب
ولم أرَ قبل الطفل ظلمـاً محببـا
ويغضبُ أحياناً ويرضى وحسبنـا
من الصفو أن يرضى علينا ويغضبا
وعن الفرح الذي يحمله الطفل ويبثه في قلوب من حوله كلما اكتسب مهارة جديدة نجده يقول:
يزفٌّ لنا الأعيـاد عيـدًا إذا خطـا
وعيدًا إذا ناغـى وعيـدًا إذا حبـا
كزغب القطا لو أنه راح صاديـًا
سكبتُ له عينـي وقلبـي ليشربـا
كما نجد الشاعر يطلب السلم والسلام من أجل الطفولة وفي هذا دليل على أهمية البيئة المستقرة والجو الأمن في إنشاء جيل متوازن ينعم بالدفء الأسري فيقول:
ويارب من أجل الطفولـة وحدهـا
أفِض بركات السلم شرقًا ومغربـا
وصُن ضحكة الأطفال يا رب أنها
إذا غردت في موحش الرمل أعشبا
ويارب حبب كل طفل فـلا يـرى
وإن لج في الإعنات وجهـًا مُقطبـا
وهيئ له في كـل قلـب صبابـةً
وفي كل لقيا مرحبـاً ثـم مرحبـا
ابن الساحل السوري الشاعر الكبير شوقي بغدادي لا يخلو أدبه الواسع من التحليق في عالم الطفولة البريء فيصف نقاء الأطفال وصفاء روحهم جاعلاً منهم فراشات ملونة ترفرف في رحاب نفوسنا، فتشبعنا سعادة وحبور، فيتغنى منشداً:
هنا في فراغ القلب طاروا وحوّموا
فراشاتِ حقلٍ في عيوني تُدَوّمُ
أراهم مدى عمري فكل قصيدةٍ
أغنّي قوافيَها التي تُشتهى همُ
أحبّهم في العيد فرحةَ بيتنا
مع الفجر قاموا، وارتدوا ثم سلّموا
أحبّهم عند الشتاء إذا غدوا
فضجّ بهم صفٌّ وناء معلّم
فإن رجعوا فالبيت منهم قصائدٌ
تُعادُ، وأرقام مئاتٌ تُنظّم
وأعينهم إذا علقت في حكايةٍ
توقّدُ من وهْج الحديث وتحكم
وخمشاتهم في وجنة الأم لذّةٌ
تسيل من الظفر الحبيب وتنعم
لأمثالهم نبني ونرفع عالماً
على الأرض يحيا الطفل فيه ويسلم
وسيبقى الطفل رجاء العالم في مستقبل أفضل، ولأجله يتمنى الناس الغد الأجمل، ولذلك ترتفع دائماً الدعوات إلى السلام من أجل الطفل، عماد المجتمع وأساس بنيانه، وهنا ياتي دور المجتمع متكاملاً في رقي الطفل الإنسان وتشكيله بريشة العلم والأخلاق المبدعة وترصيع شخصيته بجواهر الفن والفضائل الإنسانية السامية التي تجعل من العالم لوحة أجمل وأكثر بياضاً وأماناً.