«مهرجان القاهرة السينمائي».. «مٍلبورن» و«يوميات شهرزاد» أفضل فيلمين

«مهرجان القاهرة السينمائي».. «مٍلبورن» و«يوميات شهرزاد» أفضل فيلمين

سينما

الخميس، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٤

لم تنفع حملات التشويه والافتراء التي شنّها كثيرون على الناقد سمير فريد، بصفته رئيساً لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي". قبل يومين على انتهاء الدورة الـ 36 مساء أمس الأول الثلاثاء (18 تشرين الثاني 2014)، أعلن وزير الثقافة المصرية جابر عصفور، في لقائه وفداً من السينمائيين العرب ضيوف المهرجان، بقاء فريد رئيساً للمهرجان للدورة المقبلة. يُقرأ هذا الإعلان من وجهات نظر مختلفة. إحداها كامنة في المنقول على لسان عصفور: "لا بُدّ من أن يستمرّ (سمير فريد في منصبه هذا) ليتلافى هذه الأمور كلّها (الأخطاء المرتكبة هنا وهناك) في الدورة المقبلة". فهل هذا يعني أن عصفور "موافقٌ" ضمناً على مقولات صحافيين مصريين متعلّقة بسوء تنظيم أو بارتباكات وهنات، أم أنه مقتنع بالخطوات التأسيسية المتواضعة لسمير فريد وفريق العمل؟
جوائز أو ردود فعل؟
أياً يكن، يُمكن القول إن بقاء سمير فريد في منصبه للدورة الـ 37 مُهمّ وضروري، لأن الناقد يُتقن صُنعته، فإذا به يُقدِّم دورة تأسيسية لمهرجان يُراد له أن يكون مختلفاً عن تاريخ مليء بنواقص وفوضى وفساد: لائحة الأفلام المختارة متضمّنة عدداً لا بأس به من العناوين المثيرة لنقاش وحماسة ومتعة، وبعضها "جريء" بالمقاييس السينمائية أساساً. حصر العروض كلّها في حيّز جغرافي واحد (دار الأوبرا ومركز الهناجر). اختيار فندق واحد لإقامة الضيوف، ما يُسهّل عملية التواصل بين الجميع. إلخ. هذه أمور تُحسب لفريد ولفريق عمله. الخطوة التالية ستكون مُراقبة أكثر، نقدياً وسينمائياً: هل يستكمل هؤلاء خطوتهم التأسيسية بأخرى تُفعّل الأولى وتطوّرها إيجاباً؟
إذا أمكن اعتبار بقاء فريد في منصبه ردّاً على أصحاب حملات التشهير والافتراء، فإن حصول الممثل المصري خالد أبو النجا على جائزة أفضل ممثل، عن دوره في "عيون الحرامية" للفلسطينية نجوى النجّار (المسابقة الدولية)، يكاد يكون أشبه بردّ على الحملة الرسمية غير المباشرة ضد الممثل الذي استعاد، قبل أيام قليلة، تلك المقولة الشهيرة "إرحل"، قاصداً بها الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي ـ بحسب الممثل ـ لم "ينجح" في مهمته بعد التفويض الشعبي له. غير أن مطّلعين على كواليس المهرجان يقولون إن لجنة التحكيم الخاصّة بالمسابقة الدولية، برئاسة الممثلة المصرية يُسرا، توصّلت إلى النتائج النهائية قبل إعلان أبو النجا موقفه السياسي هذا بوقت قصير. أساساً، لخالد أبو النجا مواقف واضحة إزاء الخراب الحاصل في بلده. لا يتردّد عن قول رأي يراه مناسباً لإحساس أو منطق أو ثقافة معينة يؤمن ويتمسّك بها. يخوض معاركه السياسية انطلاقاً من موقف وطني. هذا حقّه كمواطن وممثل. لكن السؤال الأساسي كامنٌ في مكان آخر: هل يستحق أبو النجا هذه الجائزة، هو الذي ظهر على شاشات الدورة الـ 36 لمهرجان القاهرة في ثلاثة أفلام هي "ديكور" للمصري أحمد العبدالله و"من ألف إلى باء" للإماراتي مصطفى علي، إلى جانب "عيون الحرامية" (مناضل فلسطيني يبحث عن ابنته بعد عشرة أعوام على غيابه عنها، وسط صراعات عديدة بين فلسطينيين وإسرائيليين، في ظلّ سلطة طاغية فلسطينيّ لديه علاقات مشبوهة بالمحتلّ)؟ أليست تأديته شخصية مناضل فلسطيني مُصابة بهنات مختلفة، تبدأ باللهجة والتصرّف والسلوك والحركة، ولا تنتهي عند مظاهر النجومية المسيطرة عليه أثناء التمثيل؟ ألم يفقد الممثل شيئاً من تقنية أدائه التمثيلي السابق؟
جماليات سينمائية
بعيداً عن هذا كلّه، انتزع "مِلبورن" للإيراني نيما جاويدي جائزة أفضل فيلم في المسابقة الدولية: زوجان شابان يستعدان للسفر إلى مِلبورن الأسترالية لاستكمال دراستهما الجامعية. ساعات معدودة تفصلهما عن هذا. إنهما يبيعان كل شيء، ويوزّعان ما تبقّى على الجيران. الحدث السينمائي كلّه داخل المنزل. طفلة ابنة الجيران نائمة في غرفتهما ريثما يأتي والدها. اكتشاف موتها انقلاب في مسار يومهما وحياتهما. عندها، تنكشف أكاذيب وتفاصيل وخبايا، وتنفضح أسرار وألاعيب وسلوك، وتظهر صُورا وحوارات وكادرات. الفرنسية آديل هاينيل نالت جائزة أفضل ممثلة عن دورها في "الحب من أول صراع" للفرنسي توماس كايلاي: لقاء صدفة بين رجل وامرأة. الأول يتدرّب على فنون الدفاع عن النفس، والثانية متيقّنة من أن نهاية العالم ستحدث حتماً. في المقابل، لم يخرج الفيلم اليوناني "إلى الأبد" خالي الوفاض: جائزة أفضل إخراج لمارغريتا ماندا. سائق قطار وبائعة بطاقات عبور في الباخرة. هو مغرمٌ بها. هي غير منتبهة. هو ليس مجرّد سائق. هي ليست مجرّد بائعة. هناك حب وأسئلة ونظرات على المدينة ومنها وفيها. هناك أسئلة عن الحبّ والموت والمرض والانتماء.
بالإضافة إلى هذا كلّه، فاز السيناريست والمخرج البرازيلي آلي آبرو بجائزة أفضل سيناريو عن "الصبي والعالم": فيلم تحريك يروي حكاية صبي يكتشف العالم الصناعي والاقتصادي القاسي، أثناء بحثه عن والده. بينما فاز زكي عاطف بجائزة أفضل إسهام فني كمدير تصوير "باب الوداع" للمصري كريم حنفي: الصورة السينمائية لغة تُفكّك البناء النفسي والروحي لابن يحاول أن يخرج من شرنقة سطوة الأم عليه، وسط آلام وأحلام وهواجس، وطغيان حضور نسائي مشبع بحزن وخوف وقلق وتوجّسات.
من ناحية أخرى، فاز "يوميات شهرزاد" للّبنانية زينة دكّاش بجائزة أفضل فيلم في مسابقة "آفاق السينما العربية". محاولة جديدة لدكّاش في عملها ضمن إطار "العلاج بالدراما" مع سجينات لبنانيات يروين فصولاً من مآسيهنّ وغضبهنّ المبطّن، ومن سيرة بلد ومجتمع قائمين على ذكورية مطلقة، وعلى ثقافة التسلّط والقسوة (يُعرض الفيلم في صالة سينما "متروبوليس" في الأشرفية، بدءاً من بعد ظهر اليوم الخميس).