مرحلة المراهقة “مرهقة”.. تتطلب تفهماً للمواقف وإدراكاً للسلوك وحكمة بالمعالجة

مرحلة المراهقة “مرهقة”.. تتطلب تفهماً للمواقف وإدراكاً للسلوك وحكمة بالمعالجة

شعوب وعادات

الجمعة، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٧

أجمع الأهل والقائمون على العملية التربوية والتعليمية على أن مرحلة المراهقة “مرهقة”، وذلك نتيجة التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث في جسم المراهق إثر المرحلة الانتقالية التي يمر بها من الطفولة إلى الرشد…إذاً هي مرحلة حساسة جداً وخطيرة، إن لم يتم التعامل معها بشكل واعٍ، تتطلب خطوات جدية وجديدة وطريقة تعاطٍ حديثة، وبهذا  كيف يتعامل الأهل والكادر التدريسي مع المراهق …؟ وما الأسس والمعايير التي على الأهل اتباعها مع أبنائهم في هذه الفترة الانتقالية…؟.

حذر ووعي

ترى أم ضاحي أن الظروف، وحالة الخوف التي نعيشها، وعدم الاستقرار المادي، وصعوبات المعيشة، تؤثر بشكل كبير في تنشئة أبنائنا، حتى وصلنا لمرحلة توتر في معالجة مشكلاتهم وسلوكهم، ولا نعلم كيف نتعاطى معهم، فالمراهق يشعر بنفسه أنه نضج، ولا يحق لأحد حتى أبويه التحكم بتصرفاته، أو أن يقال له “تصرفك خاطئ”، من باب إثبات شخصيته ووجوده، يرفض أي رأي، ويتمسك برأيه مهما كان، ويصر عليه، هنا علينا كأهل التصرف بحذر ووعي بالتعامل حتى لا نكسر شخصية المراهق.

صداقة

ولفت السيد حاتم إلى أن القسوة الدائمة مع المراهق لا تأتي بنتيجة إيجابية، وأضاف: أتعامل مع أولادي كصديق لهم، أنزل لمستواهم في الحديث والكلام، أجلس معهم جلسات ودية ونتحاور كأصدقاء، أقربهم لي لدرجة كبيرة ليدركوا أن الأب ليس مصدر رعب، إنما يشكل حالة أمان.

متابعة دائمة وحثيثة

وانطلاقاً من أن لكل بيت خصوصية، فلا يمكن قياس حالة بأخرى /حسب أم مؤنس/ التي أشارت إلى أن طبع الأبناء ضمن الأسرة مختلف، وبالتالي طريقة التعامل معهم يجب أن تكون حسب الحالة والموقف والسلوك، لدى المراهق انفعال سريع وزائد، لذلك يحتاج إلى متابعة دائمة وحثيثة وهدوء بالحوار، ووسائل التكنولوجيا الحديثة أفسدت هذا الجيل، فلدى ابني تعلق شديد بالموبايل، ويمكن أن يبقى دون طعام حتى أعطيه الموبايل، أعاني من رفع وتيرة صوته في وجهي، أتعامل معه بهدوء رغم أنه يمشي حسب قناعته، لا حسب الصح.

وبالنسبة لأم سام فإن أكثر ما تعاني منه  هو استهتار أبنائها بالدراسة، وعدم وجود غيرة من رفاقهم لمنافستهم، وتؤكد على ضرورة النوم المبكر، لأن الطفل يأخذ غذاءه من نومه، وأخذ الصح من المجتمع، ونبذ الخطأ.

إيجابيات لا بد من تكريسها

وأسلوب التعامل مع المراهق يجب أن يكون تشجيعياً /حسب السيدة صفاء/ على ألا تتم مقارنته مع أقرانه وأقاربه  وحتى إخوته، وعلى الأم أن تزعل من ابنها، وتحسسه بهذا الأمر، وبعدها تحدثه على انفراد، كما عليها أن تعوّده على ثقافة الاعتذار، وتعززها لديه، وأهم صفة التي يجب أن يتمتع بها الصدق والثقة المتبادلة بينه وبين والديه، علينا إشغاله حتى لا يشغلنا، وأشارت إلى أن أسلوب الكبت في البيت يحبس لدى المراهق طاقة يفرغها في المدرسة، وعلى الأهل ألا يضعوا أولادهم في قوقعة، إنما يعيشون حياة طبيعية، فبعد إنهاء واجباتهم المدرسية يمكن أن يخرجوا مع أصدقائهم، الأمر الذي يخلق لديهم نشاطاً وحيوية لبداية أسبوع جديد.

استيعاب

كما ويرهق الأهل في إيجاد آلية للتعامل مع أبنائهم المراهقين، يجد القائمون على العملية التعليمية والتربوية صعوبة بالغة، ولا سيما مع العدد الكبير من الطلبة ضمن الصف، فما بالك بالعدد الهائل في المدرسة …؟ كلامنا أكده تميم عبدو/مدير مدرسة/، حيث تحدث بوضوح، قائلاً: علينا كإدارة أن نكون أكثر استيعاباً لمواقف الطالب المراهق وتصرفاته، نتعامل معه بصبر، حيث نبرر سلوكه مهما كانت الأسباب، تختلف طريقة رده بوجه مدرسه وحتى مديره، ويمكن أن يرد بصوت عالٍ، و”هذه طبيعة، وفترة، وتمر”.. وأوضح عبدو طريقة التربية التي اختلفت بين زماننا وهذا الجيل، ففي السابق كانت القسوة على الولد، أما الآن يوجد تراخٍ، ولم تكن القسوة بيوم من الأيام تؤثر سلباً على التربية، ويمكن القول: إن المقارنة بين الأقران تحدث خللاً .. وعلى مستوى الإدارة يوجد عدم رضا عن قوانين التعامل الحديثة مع الطالب التي حدت، وقلصت صلاحيات الإدارة والمدرسين …!.

الحوار حل ناجح

وبدوري كمدير /والكلام لعبدو/ أرى أن الغضب يزيد الموقف تعقيداً، والتعامل بلطف وحوار هو الحل الناجح، فإن حدثت شكوى بين طالبين أدعوهما للإدارة، وأبدأ حواراً، وبهذه الطريقة تشكل الإدارة للطالب حالة أمان، كما يشعر بنفسه مخطئاً، وقد لا يكرر سلوكه، ولكل طالب طريقة وأسلوب للتعامل معه يختلف عن الآخر، وعلينا أن نستخدم كل الوسائل لحل أي موقف وتصرف مسيء.

مقترحات تربوية

وفي إطار الحلول الممكنة اقترح عبدو العودة التدريجية للقرارات والأنظمة والقوانين التربوية التي كانت سائدة، لأن العودة المفاجئة غير منطقية لهذا الجيل ومفرزاته، ولا تجدي نفعاً، نحن بحاجة لسن قوانين ملزمة غير مطاطة، كذلك لا بد من إصدار تعاميم واضحة من وزارة التربية، فعلى سبيل المثال: إصدار تعميم “الالتزام باللباس المدرسي مع التساهل” لم يفهم…! وكل إدارة طبّقته حسب مفهومها، كذلك قرار “يمنع استخدام الموبايل داخل المدرسة” على أن يصطحب الطالب موبايله، ويكون مغلقاً داخل محفظته، وهنا تساءل المدير: ما دواعي استخدامه مع وجود هاتف في المدرسة يتحدث به الطالب مع أهله ضمن الدوام المدرسي …؟ والطالب الذي يحمل موبايله داخل حقيبته كيف علي أن أقنعه ألّا يستخدمه …؟.

حالات مستعصية

لا توجد أدبيات في تعامل الطالب مع مدرّسه، وتوجد حالات لا يمكن استيعابها، حالات مستعصية على الحل، وهذا يعود للتربية الحديثة في البيت، حسب ناجي اسكندر، مدرس رياضيات، فهناك الكثير من الطلبة يرون أن المدرسة تشكل لهم عرفاً، فلا يعتمدون عليها، إنما على الدروس الخاصة، فيسيئون التصرف غير آبهين، ويشوشون في الحصة، بل يعطلونها أحياناً، لأن الدرس الخاص جاهز في البيت…!.

تفعيل دور الإرشاد

ضمت المدرّسة ملكة عباس صوتها لصوت المدرّس اسكندر في أن الطلاب يضيّعون الدرس مراراً، لا نعرف كيف نتعامل مع الطالب، حيث لا يجوز إخراجه خارج الحصة، ولا الحديث معه، أين كرامة المدرس وهيبته …؟ ووضعت عباس سؤالاً برسم التربية، مفاده: هل تعطيل الحصة حلال أم حرام…؟ مطالبة بتفعيل دور الإرشاد النفسي.

بعد أن فقدنا كل الصلاحيات، ورغم كل الظروف الضاغطة، ليس على الأهل وذويهم فقط، إنما علينا كمدرّسين، كوننا نعيش نفس الأزمات والصعوبات، ومع كل هذا نتعامل بكل صبر وتفهم لسلوك الطالب المسيء… هذا ما بيّنته المدرّسة ميساء عباس، وأشارت إلى أن الطالب المشاغب يعطل الصف والحصة بأكملها، والأمور في المرحلة الإعدادية تحت السيطرة، لكن الرعب الأحمر، /كما أسمته عباس/ في المرحلة الثانوية.

تكوين شخصية الطالب

وبدورها رأت  ضحى عبد الله /مرشدة نفسية/ أن مرحلة المراهقة يمكن أن نحدد بدايتها، لكن لا نستطيع أن نحدد نهايتها، كونها مرتبطة بالنضج بكافة جوانبه (نضج عقلي وانفعالي)، وترى أن الإدارة حكمة وفن بالتعامل مع الآخرين، طلبة ومدرسين، وعلى المرشد أن يكون شخصية الطالب، ويتعامل مع كل شخصية حسب حالتها، على أن  يتمتع بوجه بشوش حتى يشكل حالة ارتياح  في قلوب الطلبة ليدخلوا إليه، ويبوحوا بأمورهم ومشكلاتهم، وعلى المرشد أن يذكّر الطالب أنه إن لم يستطع مساعدة نفسه، لا نستطيع مساعدته.

الثقة بالنفس

تدني ثقة المراهق بنفسه وقدراته، تسبب له مشاكل كثيرة انفعالية ودراسية وحتى اجتماعية، وهنا أشارت عبد الله إلى أن الأهل بالدرجة الأولى مسؤولون عن منح أبنائهم الثقة التي تضعف بسبب كثرة الأوامر والنواهي والعنف من الوالدين، وكثرة انتقاداتهم لأبنائهم بسبب الأخطاء الكثيرة التي يرتكبونها نتيجة المرحلة التي يمرون بها، وطبيعتها الحساسة، وهنا على الأهل توجيه أبنائهم التوجيه الصحيح دون تصغير، والنقاش الدائم، والمتابعة المستمرة طيلة العام الدراسي.

لبناء شخصية ناجحة

ويبقى استيعاب المراهق، واستخدام آلية الحوار معه مع التسلح بالصبر والهدوء، هي الخطوات الأنجع لبناء شخصية متوازنة، تتمتع بالثقة بالنفس والنجاح على الأصعدة كافة.

دارين محمود حسن