هوس العمليات التجميلية..بين المغامرة والتجارة.. ومعظمـها يتــم مــن دون اسـتشـارة نفسـية

هوس العمليات التجميلية..بين المغامرة والتجارة.. ومعظمـها يتــم مــن دون اسـتشـارة نفسـية

شعوب وعادات

السبت، ٢٣ يونيو ٢٠١٨

العمليات التجميلية ليست حكراً على النساء، بل إن كثيراً من الرجال يقومون بإجراء عمليات تجميل، ربما تقل عن النساء ولكن هناك نسبة كبيرة من الرجال يقومون بعمليات تجميل، مثل عمليات تغير المسار في الجهاز الهضمي وبعض عمليات الشفط للدهون من مناطق معينة في الجسم، والقيام بشد الأجفان وتجميل أنف، ويقومون بذلك في سرية تامة.
ويحاولون جاهدين إيهام الناس بأن جمالهم طبيعي ويبذلون قصارى جهدهم لتأكيد هذه الفكرة وإقناع المحيطين بهم في هذه الصورة، لكونهم لا يريدون لأحد أن يتعرف على حقيقة وضعهم ولاسيما بعد عمليات التجميل.
الجمال هو قناعة نفسية داخلية، وهو شيء شخصي لأن مفهوم الجمال يختلف من ثقافة إلى أخرى، والاختلاف شيء جميل، ومن المؤسف أن معظم الأفراد يحاولون القيام بجراحات تجميلية فقط من أجل التشبه ببعض الفنانين والمشاهير من دون التفكير بمضاعفات هذه الجراحة، ولكن الثابت في العمليات التجميلية أن معظمها تندرج ما بين المغامرة غير المحسوبة للمرضى والتجارة الفاحشة للجراحين.
الجراحات التجميلية الأكثر رواجاً
تكبير الشفاه وشد الأجفان لدى الفتيات 20%، تكبير وتصغير ثدي 10%، نحت الجسد وتجميل الأنف70%، إضافة إلى اللجوء للتجميل بوساطة الليزر واستخدام البوتكس والفيلر وغيرها من التقنيات.
حالات
تقول (س) طالبة جامعية سنة أولى صيدلة: أنا مع عمليات التجميل عندما تكون هناك حاجة لها وهي شيء طبيعي في الوقت الراهن، وقد قمت بتصغير أنفي من دون الأخذ برأي أحد لأني كنت مقتنعة بذلك.
أما أحمد الذي قام بشد الأجفان فكان حريصاً على عدم معرفة ذلك إلا للمقربين منه جداً كي لا ينظر إليه كما يقول بمنظار خاص، وعندها لن يستطيع إقناعهم بما يريد فعله ومقتنع به رغم التكاليف المادية لتلك العمليات، بينما لا تخشى أغلبية الذين قاموا بعمليات تجميل الأنف من الإشارة لذلك على اعتبار أن هذه المسألة تشكل لهم حالة جمالية مريحة قياساً لما كانوا ينظرون له في الماضي.
مفهوم التجميل من المنظور العلمي والطبي
ترى الدكتورة غنى خالد نجاتي المتخصصة في الصحة النفسية أن جراحات التجميل التخصص الوحيد للطب الذي لا يخضع فقط للقواعد الطبية والعلمية، ولكن تظهر فيه جلياً لمسات الفن والحس التخيلي لجراح التجميل، حيث إن جراحات التجميل تشمل الجراحات التكميلية لإضفاء مظهر أكثر قبولاً وتناسقاً سواء للوجه أو لجسم الإنسان، إضافة لجراحات الإصلاح لإزالة آثار التشوهات التي بدورها من الممكن أن تكون عيوباً خلقية أو آثاراً للحوادث أو الحروق، أي إن جراحات التجميل قد تكون لضرورة عضوية وحاجة طبية، أو قد تكون رفاهية نتيجة دافع نفسي لمحاولة الوصول للصورة المثالية للجسد المقبول اجتماعياً كما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة، وقد يكون سبب التجميل وسيلة للتعويض عن نقص احترام الذات والثقة بالنفس، وربما يلجأ البعض للتجميل لشعورهم بالاكتئاب والقلق ومحاولة للحصول على القبول من الطرف الآخر، والظهور بطريقة جذابة ترضي المجتمع ومعاييره.
هوس التجميل
هناك حالة من الهوس عند العديد من الذين يحرصون على إجراء العمليات التجميلية، وفقاً للدكتورة نجاتي، التي ترجع ذلك إلى مرض نفسي، حيث يعتقد معظم الأشخاص بأنهم يمتلكون جسداً غير سوي ينقصه بعض الجمال، أو حتى قبيح، وقد تكون وفرة المال ووقت الفراغ والترف هي السبب الأكبر وراء ذلك. ومن الأمور الملاحظة أن هذه الجراحات تزداد في الآونة الأخيرة بشكل لافت للنظر، حيث نلاحظ انتشار مراكز التجميل وزيادة الطلب على خدماتها، من دون الوقوف عند نقطة مهمة جداً وهي أن جميع هذه المراكز أصبح هدفها ربحياً وتجارياً، ومعظم جراحات التجميل تتم من دون استشارة نفسية للفرد، مع العلم أن جميع عمليات التجميل في البلدان المتقدمة لا تجرى من دون تقييم نفسي للفرد يقوم به اختصاصي نفسي مؤهل لتحديد الحالة النفسية للأفراد، فالاختصاصي النفسي هو الوحيد القادر على تحديد الدوافع الحقيقية والكامنة للفرد المقبل على أي عملية تجميل.
العلاقة بين الجراحة التجميلية والحالة النفسية
تشير الدكتورة غنى إلى ارتباط واضح بين العمليات الجراحية التجميلية والحالة النفسية للشخص، فبعض من يُريد إجراء عمليات جراحية تجميلية قد يُعاني اضطراباً نفسياً، وهناك بعض الاضطرابات النفسية المعروفة التي يُعاني فيها الشخص عدم تقبّله أعضاء معينة في جسده، ولعل الأنف هو الجزء الأول عند الأشخاص الذين يُعانون اضطراب صورة الجسد، حيث يرى أن أنفه غير متواز أو أن إحدى فتحاته أكبر من الأخرى، ويُجري عملية واثنتين وربما أكثر لتصحيح أنفه ولكن ليس هذا هو الحل!. فالحل هو علاج الاضطراب النفسي أو العقلي لتصحيح التشوه المعرفي عند الفرد ومساعدته على إدراك صورة جسده بطريقة واقعية وعقلانية وتقبلها، فالحالة النفسية مهمة جداً في موضوع العمليات التجميلية، مع التنويه بأن المشكلة تكمن في إجراء العمليات التجميلية من دون فحص نفسي فيما إذا كان الشخص الذي يُريد إجراء العملية يُعاني أي اضطرابات نفسية، ويتوجه العديد من الأشخاص إلى المستشفيات الخاصة أو حتى العيادات الخاصة، والتي قد تُكّلف مبالغ كبيرة، ما يضطر الشخص إلى اللجوء إلى قروض من البنوك أو الأصدقاء، الأمر الذي قد يسبب له مشكلات جديدة تعرقل مسير حياته المهنية والأسرية.
وتشكل العمليات التجميلية خطراً على حياة الشخص إذا لم يقم بعملها في مكانٍ مختص ومؤهل لإجراء هذه العمليات، ويجب الابتعاد عن المُغريات بتخفيض الأسعار أو أي مُغريات أخرى.
طبيب التجميل وراء ذلك
تختلف الأسباب الدقيقة لاضطراب صورة الجسد بحسب الدكتورة غنى، ويعتقد معظم الأطباء بأنه من الممكن أن تكون مزيجاً من العوامل البيولوجية والنفسية، والعوامل البيئية من الماضي أو الحاضر، حيث من الممكن أن تكون إساءة المعاملة والإهمال أيضاً من العوامل المساهمة.
وتظهر الأعراض عادة في سن المراهقة أو في سن البلوغ المبكر، حيث تبدأ أكثر الانتقادات الشخصية لمظهر المرء عادة، وهناك اعتقاد خاطئ بأن معظم حالات اضطراب صورة الجسد هي عند النساء، ولكن تشير الأبحاث إلى أن الاضطراب يؤثر في الرجال والنساء بنسب تكاد تكون متقاربة.
وتتضمن المضاعفات التي قد يؤدي إليها هذا الاضطراب أو يتعلق بها، الأفكار والسلوكيات الانتحارية، والاكتئاب والاضطرابات المزاجية الأخرى كالقلق، اضطراب الوسواس القهري، واضطرابات الطعام، والتعرض غير المبرر لإجراءات الجراحة التجميلية، ونقص احترام الذات، والانعزال الاجتماعي، وعدم وجود صداقات حميمية، وصعوبة الحضور في العمل أو مكان الدراسة. وعلاجهم النفسي أبعد ما يكون عن الانسياق وراء الاستجابة لرغباتهم في تغيير أشكالهم وصورهم عبر العمليات التجميلية، لأنها لن تُفلح البتة في إزالة وهمهم ووسواسهم، بل قد تُعمق ذلك الشعور لديهم، ولاسيما عند تلقي استحسان أو إعجاب الغير بما تم تغييره لهم.
ماذا بعد عملية التجميل تلك؟
أغلب النتائج لا تكون ضمن المتوقع سواء أكان من الناحية النفسية وحتى الجسدية، لذلك قد يلجأ أولئك الأشخاص للبحث عن طبيب آخر أملاً في الوصول للشكل المطلوب، إذ إن أغلب هؤلاء الناس يتوافدون إلى جراحين غير مختصين لا يخضعون لرقابة وهدفهم الوحيد الربح المادي لا غير.
الحاجة الطبية
وتختم الدكتورة غنى نجاتي حديثها بتشجيعها على الجراحة التجميلية عند وجود سبب وحاجة طبية، مثل التعرض لحادث أو حروق معينة، أو عندما يكون الهدف من عملية التجميل تحسين نوعية الحياة عند الفرد ومساعدته على التكيف، أما عندما يكون سبب القيام بالجراحة التجميلية هو ضرب من ضروب الموضة أو لإرضاء الآخرين فعندها يكون إجراء الجراحة التجميلية خطراً على الصحة النفسية والجسدية للفرد، فالعديد من المرضى يتوجهون إلى عيادة التجميل بدافع خلل في الثقة في النفس، أو نتيجة شعور بالضيق والحزن أو الوحدة النفسية، في الإمكان معالجة السبب الأساس الذي أدّى إلى اختلال التوازن الداخلي النفسي بأساليب وتقنيات نفسية بسيطة، ولا حاجة إلى البوح في إجراء عمليات التجميل، لأن الهدف منها هو الظهور بهيئة أجمل، وليس الإخبار بها، وهناك من يفتخرن بإجرائهن عملية التجميل.