أدوات مناهضة للانفتاح لازالت تلفح مجتمعنا.. الخرافات تسجل حضورها القاسي في مواجهة “اليقين التكنولوجي”..؟!

أدوات مناهضة للانفتاح لازالت تلفح مجتمعنا.. الخرافات تسجل حضورها القاسي في مواجهة “اليقين التكنولوجي”..؟!

شعوب وعادات

الخميس، ١ ديسمبر ٢٠١٦

ركضت مسرعة إلى المطبخ بعد انتهاء زيارة صديقتها لها في المنزل، لتجلب حفنة من الملح، وترشها في زوايا المنزل كي تطرد عيون الحسد التي تحملها هذه الصديقة… هبة التي اعتادت على اتباع هذه الطقوس وغيرها بشكل مكرر لطرد العين من منزلها، والحفاظ عليه ظنّاً منها أن العين الزرقاء، وحفنة الملح، والحذاء القديم على الباب سيردّ الحسد والشر عنها وعن عائلتها، والملفت للنظر أن منزلها مليء بتفاصيل صغيرة، اقتنتها خصيصاً لردّ العين، وهي مؤمنة كل الإيمان بأن هذه المعتقدات لم تأتِ من عبث وأن العين لها حقّها، ويجب  الخوف والحذر منها، فالكثير ممن نعرفهم في حياتنا لا يزال محافظاً على مجموعة من المعتقدات والموروثات الشعبية الأسطورية التي ورثوها عن آبائهم والتي لا تزال سائدة إلى يومنا هذا، بل أصبحت في كثير من الأحيان جزءاً هاماً من الموروث الشعبي، وهاجساً لدى الكثير من الناس، يشعرهم بالتفاؤل أحياناً، وبالتشاؤم أحياناً أخرى.

رفة عين وحكة يد
كثيرة هي الإشارات والحركات التي يذهب الناس إلى إعطائها تفسيرات تبرمج حياتهم وفقاً لها وأهم هذه الإشارات :” رفة جفن العين والتي تدل على الخير في حال كانت العين اليسرى، وعلى الشر للعين اليمنى، كذلك “طنين الأذن اليمنى والتي تدل على أن الآخرين يذكرون الشخص بالخير والعكس صحيح، أما “حكة اليد اليمنى”، فمنهم من يفسرها بأن الشخص سيقبض مبلغاً من المال، ومنهم من يقول: إنها تدل على إلقاء السلام على ضيف عزيز، ومن الأمور المضحكة في عالم الإشارات والمعتقدات هذه، هي الاعتقاد بأن صاحب الأسنان المتفرقة حسود،  وكذلك صاحب العيون الزرقاء، وإذا اجتمعت الصفتان في شخص واحد كانت المصيبة أكبر، كذلك الاعتقاد بأن من يضحك كثيراً في جلسة ما سوف يحصل له مكروه، وتعليق حذاء صغير في السيارات لحفظها من العين الحاسدة، هذه جزء صغير من عالم الإشارات والحركات التي باتت للأسف عند البعض جزءاً أساسياً من حياتهم اليومية، ومؤشراً هاماً للتصرف في كثير من المواقف، وتختلف رموز هذه الإشارات والحركات من مجتمع لآخر، ولعل الخرافة الأكبر والمنتشرة شرقاً وغرباً، هي التشاؤم من الرقم 13.

أصلها
خرافة الرقم 13، لا أصل لها في الثقافة العربية، لكنها راجت بين الناس خلال القرن العشرين نتيجة الاحتكاك بالغرب، فالكثير من الناس لا يرتاحون  لهذا الرقم، ففي بعض المدن غرباً نجدهم يقومون بتغيير ترقيم لطابق من 12، ومن ثم الانتقال إلى الرقم 14 دون وجود طابق يحمل الرقم 13، في المقابل وفي كثير من دول الشرق والغرب يفضل الناس رقم 13، فعدد الولايات الأساسية التي شكلها الاتحاد الأمريكي هي 13 ولاية، وذلك عند بداية تكوين الولايات المتحدة الأمريكية، ومدافن العظماء في الهند تحمل الرقم 13، وهو رقم الحظ في إيطاليا، وتتزين الفتيات به في حليهن، وهناك بعض التفسيرات غير المؤكدة لسبب التشاؤم من الرقم 13، حيث يعتقد البعض أن قابيل قتل أخاه هابيل يوم 13، والبعض يزعم أن حواء أعطت آدم التفاحة التي أخرجتهما من الجنة في ذلك اليوم، لكن المؤكد أن اليهود هم وراء تشويه رقم 13 وربطه بالتشاؤم، خاصة إذا وافق في التاريخ يوم الجمعة، حيث إنهم يقولون: إن هناك ساعة مشؤومة في يوم الجمعة الموافق 13 وهو ما لا يتفق مع ما يؤمن به المسلمون بأنه يوم عيد وبه ساعة استجابة للدعاء.

انخفاض ثقافي
اعتبر الدكتور “أكرم القش” – علم اجتماع – أن هذه المعتقدات والخرافات  تشكل أمراً نسبياً في زمننا الحاضر، وخاصة عند الجيل الناشئ، فهي اليوم مرتبطة بكبار السن وفي المناطق الشعبية وبعض القرى، حيث نجد فيها كماً  من الموروثات، يحرص أهاليها على الاحتفاظ والعمل بها، وتنشط هذه الخرافات كلما انخفض المستوى الثقافي لأبناء المجتمع، ونحن اليوم نعيش في عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، وبالتالي انحسرت هذه المعتقدات، وأصبحت بالية لا يقتنع بها أغلب الناس، ويبقى الرجل في مجتمعنا أقل تمسكاً بهذه المعتقدات بشكل عام، مرجعاً السبب بأن النساء يتمسكن ببذر أمل، حتى لو كانت هذه البذرة نابعة من حركة عين أو يد، فرفة العين هي نتيجة انقباضات عضلية لا إرادية، وكذلك طنين الأذن سببه، كما أعتقد التهابات في الأذن، وغيرها من الحركات التي يصدرها الجسد نتيجة أمر طبي مؤقت، وفرّق لنا القش بين هذه المعتقدات، وبيّن لغة الجسد في علم النفس والتي تعبّر عن السلوك اللاشفهي في نقل المعلومات، وتتضمن الإشارات والمزاج ونبرة الصوت وأموراً أخرى مختلفة، ولغة الجسد تحتاج إلى خبراء في معرفتها وفهمها وتحليلها، وليس كل من شاهد حركة في جسم ما، فهم هدفها والمعنى منها.

خرافات
على الرغم مما وصلنا إليه اليوم من تقدم علمي وتكنولوجي إلّا أن الكثير لا يزال يصر على وضع منديل أسود على عيونه، وتجاهل هذا التقدم، واستمرار العيش في زمن ماضٍ، تسوده معتقدات وخرافات لا أساس لها من الصحة ، وهذه الخرافات موجودة في كل المجتمعات، فكل دولة لها منظومتها الخاصة بالمعتقدات الشعبية التي تسيطر على عقول البعض فيها، لكن ما لا يعرفه هؤلاء أن سيطرة هذه الخرافات على عقولهم تؤثر سلباً على تقدّم مجتمعهم وتطوره، لذا فلنحاول جاهدين الابتعاد قدر الإمكان عن ارتداء الملابس بالمقلوب، وصنع العجينة للعروس، وتعليق الخرزة الزرقاء في المعصم، وغيرها من المعتقدات التي قد تقود مجتمعنا للوراء شيئاً فشيئاً.

ميس بركات